| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

بشار قفطان

 

 

 

السبت 6/2/ 2010

 

بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي

ألجواهري ينتصر لشهداء الشعب والوطن بدمه وشعره

بشار قفطان

بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي يوم الرابع عشر من شباط من كل عام يستذكر الشيوعيون العراقيون وأصدقاؤهم وحلفاؤهم ذكرى استشهاد قادة الحزب الأبطال ( فهد وحازم وصارم ) الذين أقدمت حكومة العهد الملكي على ارتكاب جريمة إعدامهم لا لذنب اقترفوه , سوى مواقفهم الوطنية الرافضة للهيمنة الاستعمارية على ثروات ومصالح شعبنا ومصادرة الحريات الوطنية والديمقراطية .

شاعر العرب الأكبر الراحل محمد مهدي ألجواهري لم يبتعد أيضا عن قضية الشعب العادلة من خلال نشيده الثوري في مطولات قصائده التي لازالت تحكي بطولات شعبنا منذ بدء النضال الوطني في ثورة العشرين الوطنية وحتى يومنا هذا . وفي وثبة الشعب العراقي بقيادة قواه الوطنية في كانون الثاني من عام 1948 م ضد معاهدة بورت سموث البريطانيه لم ينأى ألجواهري الكبير بنفسه في المشاركة الميدانية في تلك ألوثبه , بل كان له حضورا مميزا , ومنح الانتفاضة دما وشعرا حيث استشهد أخيه جعفر مع كوكبه من المساهمين في تلك الوثبة الوطنية وهو أول من ثأر لشهدائها من ذلك العام عندما ألقى قصيدته (أتعلم أم أنت لاتعلم ) في جامع الحيدرخانه الكائن في شارع الرشيد والقريب من وزارة الدفاع . يقول : ألجواهري في الجزء الثالث من ديوان شعره , مناجيا أخيه الشهيد جعفر :
( أحب أن أخبرك يا جعفر بأشياء وأشياء هي التاريخ كله وهي البشرية كلها وهي الحياة بنقائضها سأصبها قريبا في مسمعك بكل خشوع وادب ووقار تليق بك أيها الجدث الطاهر ) .
ومن (أتعلم أنت ام لا تعلم ) تبدأ رحلة ألجواهري مع الشهداء والوطن :

أتـعلـم ام انــت لا تـعـلـــم               بأن جـراح الضـحايـا فــــم
فــم لـيس كالـمدعـي قـولـة             ولـيـس كأخـر يسـترحــم
يصيح على المدقعيــن الجيــاع         أريقــوا دمائكـم تطعـمـوا
ويهتــف بالـنفـر المهـطعــين           أهيـنوا لئامكـم تـكـرمــوا
أتعلـم أن رقـاب الطغــاة التــي          أثـقلـها الغـنـم و المـأثــم
وأن بطـون العـــتـاة الـتـــي            مـن السحـت تهضـم ما تهضـم
أتعلـم أن جــراح ألشـهـيـــد             تـظـل عـن الـثـأر تسـتفـم
أتعلـم ان جــراح الشهــيـد              مـن الجـوع تهضـم ما تلهـــم
تمــص دمـا ثـم تبغــــي دمـا            وتبـقـى تلـح و تستـطعـــم
فـقـل للـمقيــم علــى ذلــه               هـجـينـا يسخـر أو يـلجــم
تقـحـم لعـنــت أزيــز الرصـاص        وجـرب من ألحـظ ما يقسـم
وخـضـها كمـا خاضـها الاسبقــون     وثـن بـما أفـتـتــح الأقـدم
فأمـا الـى حيـث تبـدو الحيــاة           لعينــيك مكرمــة تغنـــم
وإمـا الـى جـدث لـم يكن                 ليفضلـه بيتـك المظــلم


ويمضي ألجواهري في صب حممه مصبوغة بدم الشهيد والشهداء ولن يقف عند هذا الحد من المنازلة مع من اعتقد أنهم يستحقون مما يصوغه من القوافي انتصارا للشهيد والشهداء وجاء اليوم الموعود وهو الرابع عشر من نيسان وفي ساحة السباع يوم المؤتمر الأول للطلاب العراقيين الذي نظمه اتحاد ألطلبه العام وأمام حشد من الجماهير الطلابية والعمال ألقى رائعته الشعرية التي اكتملت وسبق له ان القى قسما منها في مدينة النجف الاشرف بمناسبة أربعينية شقيقه الشهيد جعفر , وكانت ملحمة يوم الشهيد تتحدث بصدق عن الواقع الذي كان يعيشه ابناء شعبنا في تلك الفترة وقد أسهب ألجواهري وبوضوح في تصويره من خلال تلك الملحمة الشعرية التي تجاوزت المئه وثلاثة وتسعون بيتا من الشعر :

يـوم الشهيـد : تحيـة وسـلام            بـك والنضـال تؤرخ الأعوام
بـك والضحـايا الغـر يزهـو شامخـا     علــم الحساب وتفخـر الأرقام
بــك والذي ضم الثـرى من طيبهـم    تتعـطر الارضـون والأيام
بـك يبعـث الجيـل المحتـم بعثـه          وبـك القيامـة للطغـاة تقـام
وبـك العتـاة سيحشـرون , وجوههـم     سـود وحشـو أنوفهم إرغام
صـفا الى صـف طغامـا لـم تـذق       ما يجـرعون من الهـوان طغــام
ويحاصـرون فـلا وراء يحتـوي      ذنـبا ولا شـرطا يحـوز أمام
سيسألون مـن اللـذين تـسخـروا     هـذي الجمـوع كأنها أنعام
خلـص النعيـم لهـم فهـم من رقـة     وغضـارة بيـض الوجـوه وسـام
وصفـا لهـم فـلك الصبـا فتلألؤا       فيـه كمـا تتـلالا الأجرام
يـوم الشهيـد طـريق كل مناضـل     وعر , ولا نصـب ولا اعـلام
في كل منـعطـف تلـوح بليــة        وبـكل مفتـرق يـدب حمـام
ستـطيـر في أفق الكفـاح سواعـد     وتطيـح في سـوح الكرامة هـام
سسيـحاسبـون , فان عرتهـم سكتـة    مـن خيفــة فستنطـق الآثام
سينـكس المتـذبـذبـون رقابهـم       حتـى كأن رؤوسهـم أقدام
يـوم الشهيـد : وكـل يــوم قـادم    ستـريه كيـف الجـود والإكرام
دال الزمـان وبدلـت نظـم بـه        ولكـل عصـر دولـة ونـظام
شعـب يجاع وتستـدر ضـروعــه    ولقـد تمـار لتحلـب الأغنام
وأمد للمستـهتــرين عنـانهــم        فـي المخزيات فارتعـوا وا ساموا
وتـعـطل الدستـور عـن أحكامه      مـن فـرط ما ألوى بـه الحـكام
فالـوعـي بـغـي والتحــرر سبة     والهمس جـرم والكلام حـرام
ومـدافـع عما يديـن مخـرب        ومطالـب بحقـوقـه هـدام
ودم أريق علـى يـدي يـهزنـي      هـز الذبيـح وقـد علاه حسام
يا نائـمـا والمـوت ملء جفـونـه      أعلمت من فارقـت كيـف ينـام


إلى أخر أبيات هذه اللوحة االفنيه والادبيه التي يسهل فهمها على القارئ .
ولكن ألجواهري يستمد عزيمته من عطاء أبناء شعبه ويتنفس الصعداء عندما يحتدم الصراع مع الطغاة ففي , شباط من عام 1949 وبعد إعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد ) ورفيقيه زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي , ألجواهري يغتنم ألفرصه ليستذكر البطولات التي أقدم عليها هؤلاء القادة . ففي حفل تكريم الدكتور هاشم الوتري يقول ألجواهري في الجزء الثاني من مذكراته ( انتظرتها لكنها جاءت طائعة ومنقادة ) وحسب نتائجها مسبقا بدءا من عرض المطبعة للبيع الى تسفير العائلة الى النجف الاشرف .
وجاء اليوم الموعود الذي انتظره حيث استحضر ألجواهري الكبير ألصوره كامله للحضور. الواقع الذي يعيشه أبناء الشعب والشهداء وعطائهم الذي وصل حد الاستشهاد وحصل له ما كان متوقعا من الاستجواب والاعتقال بعد الانتهاء من الحفل  :

مجدت فيك مشاعـرا ومواهـبا      وقضيت فرضا للنوابغ واجبــا
أوقفـت للصرعـى نهارا دائبا       وسهـرت ليـلا نابغيـا ناصبـا
وحضنـت هاتيـك الأسرة فوقهـا    أسـد مضرجـة تلـوب لواغبـا
ولانـت صنـت الدار يوم أباحها     باغ ينـازل بالكريهـة طالبـا
الغـي ينجـد بالرصـاص مزمجـرا     والرشـد ينجـد بالحجـارة حاصـبا
أعـراس مملكـة تـزف لمجـدهـا      غـرر الشباب ااـى التـراب كواكبا
الحاضنـيـن جراحهـم وكأنهـم       يتـحضنـون خرا ئـدا وكواعبـا
والصابريـن الواهبيـن نفوسهــم     والمخجليـن بهـا الكريـم الواهبـا
وبحشـرجات الذاهـبيـن مثيرة        للقـادميـن مـواكبـا فـمواكبـا
غادي الحيـا تـلك القـبور وان غدت     بالناضحـات من الدمـاء عوا شبـا
وتعهـد الكفـن الخصيب بمثلـه       وطـن سيبعـث كل يـوم خاضبـا
يتبـجحــون بان موجـا طاغيـا      سدوا عليـه منافـذا ومساربـا
كذبوا فملء فــم الزمان قصائـدي     ابدا تجـوب مشارقـا ومغاربـا
تستل من أظفارهم وتحط مـن       أقـدارهم وتثـل مجـدا كاذبـا
أنا حتفهـم ألج البيـوت عليهـم      أغري الوليـد بشتمهـم والحاجـبا
لابـد هاشـم والزمـان كما تـرى      يجـري مـع الصفـو الزلال شوائبـا
والفجـر ينصـر لا محالـة ديكــه     ويـطيـر من ليـل غرابا ناعبـا
والأرض تعمـر بالشعـوب فلـن تـرى      بـومـا مشوما يستطيـب خرائبـا
والحالمـون سيفقهـون إذا انجـلـت      هـذي الطيـوف خـوادعا وكواذبـا
لابـد عائـدة إلى عشاقـهــا        تـلك العهـود وان حسبـن ذواهـبا


وظل ألجواهري مع الشهداء وفيا و مستذكرا لهم في كل فرصة سانحة وجعل من بطولاتهم ودمهم قوة وعزيمة وكالشرايين تسري في روحه غير مكترث بما يلاقيه في سبيل إيصال صوته إلى سامعيه من محبيه وحساده ومبغضيه . في حفل نقابة المحامين العراقيين في بغداد يوم 29 / تشرين الثاني من عام 1951 وبحضور وفود من المحامين العرب يبث ألجواهري لواعجه الى عشاقه مقتحما صرح الطغاة مستذكرا شهداء الحزب الشيوعي العراقي الذين اعدموا في شباط عام 1949 يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفيقيه زكي بسيم و حسبن محمد الشبيبي.

سلام علـى حاقــد ثائـر            علـى لاحــب مـن دم سائـر
يـخـب ويعلـم أن الطريـق          لابــد مفــض إلى أخر
سـلام على جاعليـن الحتـوف     جسـرا الى الموكـب العابـر
على ناكـرين كـرام النفــوس      يذوبـون فـي المجمـع الصاهـر
سـلام علـى طيبـات النـذور       سـلام علـى الواهــب الناذر
بليـد يظـن خلاـص الشعـوب      يـبتـاع بالثـمـن الخاســـر
سـلام على غمـرات النضـال      سـلام على سابـح ماهـــر
سـلام على تبعـة الصامـديـن      تعـاصـت على معـول الكاـسر
سلام علـى مثقــل بالحديــــد      ويشمـخ كالقائــد الظافـــر
كأن القــيود على معصميــه       مفاتيـح مستقبـل زاهــر
تنـزهـت من صدأ الطارئـات       لأنـك مـن معــدن نـادر
وأنت المؤدي عن الارشـديـن     ديات المقصـر والقـاصــر

وبقى ألجواهري يسير حاديا مع الركب بعزيمة وإصرار. و بعد انقلاب الثامن من شباط عام 1963 الذي استبيح فيه الدم مرة أخرى بأبشع الصور وأبو فرات يتواصل مع الشخصيات الوطنية والديمقراطية لنصرة الشعب العراقي ويتزعم تشكيل لجنة الدفاع عن الشعب العراقي كما يكتب في مذكراته , في الأسبوع الأول او الثاني بعد الانقلاب الدموي تعقد اللجنة اجتماعها في العاصمة براغ وقد اكتظت ألقاعه بالحضور وكان الوقوف كثر من الجالسين . وسط حضور قل نظيره من العديد من البلدان حيث بدأ شاعر العرب الأكبر المنازلة مع أقطاب الانقلاب من البيت الأول لتلك الميمية التي ذاع انتشارها في تلك الفترة التاريخية العصيبة التي مريها الشعب العراقي وصارت كالمنشور السياسي يوزع في معظم المدن ألعراقيه و بصوته يستمع إليها العديد من الناس من خلال أذاعة صوت الشعب العراقي ألسريه وهي قصيدته الشهيرة ( أمين لا تغضب ) او ( يا دارة المجد ودار السلام ) :

امين لا تغضـب فيـوم الطعام آت       وانـــف شامــت للرغـام
أميـن وان غـدا العيـد وأفراحـه        مأتما في كل بيــت تـقام
عنـد البطون ن الطاهـرات التـي       مـا آن بهـا عن كل خير حـطام
مدخـر للخائضين الـوغـى              العام تلـو العـام جيشـا لهـام
خمسـون عامـا ومريـر الكفـاح        يشيـب منه الطفـل قبـل الغـلام
خضنـاه جبـارين في سـوحـه          أهـون ما نلقـاه موتـا زؤام
امبـن خـلي الجرح ينـزف دمـا        ودع ضراما ينبثـق عن ضـرام
وخلـي سـوح المجـد ينهـض بـها     ركام مـوت عـن بقايا ركام
بادارة المجـد ودار السلام             بغـداد ياعقـدا فـريد النـظام
يـاأم نهريـن استفاضا دمـا            ونعمـة مـن عهـد سام وحـام
أميـن صـبرا فأم الشر في بطنـها     فـظ وأم الخيـر فيـها تـؤام
امـين علـى قـبورهـم وأجداثهـم      عطـر التحيـات وهـبوب الغمـام

جذوة الشهداء عند ألجواهري الكبير لن تنطفئ طالما هو على قيد الحياة ففي الذكرى الثلاثين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي ، ألجواهري يحضر حفل المناسبة في موسكو وينشد القصيد لشهداء الحزب في رائعته , (سلاما والى اطياف الشهداء الخالدين ) وأعاد قراءة قسما منها في قاعة الخلد بمناسبة العيد الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 اذار 1974 م

سلاما : وفي يقظتي والمنام      وفي كل ساع وفي كل عام
تهادى طيوف الهداة الضخام      تطايح هامـا على اثر هـام
سلاما : وفي كل ما استعيد       مـن الذكريات وما استفيـد
مـن العبـر الموحيات ألدوامي       أحـس لها دبيبـا في عظامي
سلاما : مصابيح تلك الفـلاة     وجمـرة رملتـها المصطلاة
سلاما : على الفكـرة المجتـلاة          علـى صفـوة الزمـر المبتلاة
سلاما : على صامـد لا يطال    تعلـم كيـف تمـوت الرجال
سلاما : وما انا راع ذمامـا     اذا لـم اسلـم عليكم لمامـا
سلاما : ضريح يشيع سلامـا     يعانـق فيه جمـال سلامـا
سلاما : أحبـة شعـب نيامـى      إلى يـوم يؤذن شعبا قيامـا
سلاما : حمـاة الغـد الهادر      مفاتيـح مستقبـل زاهـر
سلاما : على المـعـدن الـنادر     تأبى على عصـرة العاصـر
سلاما :على جاعليـن الحتـوف     ممـر الى الموكـب العاـبر
سلاما : حمـاة النضال العـنيـد          أمـن جلمـد انتم أم حدـيد
أغير الجلـود لكـم مـن جلـود ؟       تصارع هول العذاب الشديد
سيورق غصـن ويخضـر عـود     ويستنهض الجيل منكم عميد
سيقدمـه رائـد اذ يـرود            ويخلـف فيه اباه سعيـد
وسافـرة ستـرب النسورا          توفـي ابا العيـس النـذورا
حمـاة الديار وصـاح الــدم         أتعلـم ام أنـت لاتعلــم
وجاوبـه الآنكـد ألآشـأم            اجـل انا ذا انني اعلــم
بان جـراح الضحايـا فــم          حماة الحمى : وبكم اقسم


هذا غيض من فيض مما قاله ألجواهري الكبير للشهداء ومن سار على , وبقت تلك الدماء تسري في عروقه حتى يوم رحيله وكان صادقا معهم ومع أحبتهم عندما اقسم ان يخبرهم بأشياء وأشياء بكل أدب وخشوع , وصبها على المسامع في كتاب مصبوغ بدمهم بما في قلبه من شرر يقدحه على مر الدهور وكر الأزمان ولا زال العديد منا يستفيق على قوافيه عندما نستذكر شهداء الشعب والوطن .

المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي في ذكراهم العطرة
وتحية وسلام للشاعر الكبير الجواهري



 

 

free web counter