المجد للذكرى ألثالثه والخمسين لانتفاضة الحي
الباسلة
و تحية وسلام لشهدائها الأبرار
بشار قفطان
في مثل هذه الأيام تمر الذكرى الثالثة
والخمسون لانتفاضة مدينة الحي الباسلة ضد
النظام الملكي شبه الإقطاعي , تميز الوضع
السياسي في العراق عام 1956 في معظم المدن
العراقية وخصوصا في مدينة الحي بتطور الأساليب
النضالية المتنوعة في المجال الوطني والمطلبي
من خلال الممارسات والفعاليات التي تقوم بها
الجماهير في ألمدينه وخصوصا الطلابية وكان
الإجراءات التعسفية التــــــي كانت تنفذها
الاجهزه الامنيه تلاقي ردود أفعال مناسبة مما
جعل السلطات الحكومية تتخذ بعض المواقف غير
الاصوليه وخصوصا بحق بعض العناصر الطلابية
الناشطة في الثانوية الجعفرية عندما أقدمــــت
على فصل عدد من لطلبه وكان معظمهم لا يتجاوز
السابعة عشر من العمر ولم تكتف بهذا الأجراء
عندما أرسلت بعض المفصولين إلى دائرة التجنيد
وأحالتهم إلى لجنه طبية لتقدير أعمارهم ومن ثم
سوقهم لاداء الخدمه ألعسكريه و تلك الإجراءات
صارت سلاحا بيد الجماهير الناقمة على الوضع
السياسي بشكل عام ومقابل ذلك بدأ الوضع يزداد
سوءا بسبب تسفير بعض أبناء ألمدينه بحجة
التبعية الايرانيه, والموقف المتفرج للحكومة
العراقية على العدوان الثلاثي الغاشم ضد الشعب
المصري وكان أبناء ألمدينه يتابعون باهتمام
إنباء المعارك التي يخوضها أبناء الشعب في بور
سعيد والمدن ألمصريه الأخرى واتخذ أبناء مدينة
الحي موقفا تضامنيا مع الشعب المصري ضد
العدوان الغاشم من خلال الاعتصامات ,
والإضرابات الطلابية والتظاهرات الجماهيرية
وقد بلغ الوضع ذروته في ألمدينه في مطلع شهر
كانون الأول من عام 1956 وللأمانة التاريخية
إن الشيوعيين هم الذين تصدروا تلك النضالات
والفعاليات الجماهيرية سواء على المستوى
الطلابي أو الأهالي حيث كان المقصودون من
الملاحقات والاعتقالات هم من كوادر الحزب أو
أصدقائه ومناصريه .
المد الجماهيري والإصرار على تلبية المطالب
ألملحه التي تكفلت بتقديمها منظمة الحزب في
القضاء والتي تتضمن إطلاق سراح كافة المعتقلين
والموقوفين وإعادة ألطلبه المفصولين كانت لا
تلق إذنا صاغية من قبل المسؤولين سواء في
اللواء او القضاء لأنهم وضعوا خططهم لكسر
عزيمة أبناء تلك ألمدينه التي خرجت من سيطرتهم
السياسية طيلة عقد من الزمان وكيف بتلك
ألمدينه تخرج من سيطرتهم الاداريه بعد إن قامت
السلطات باستدعاء فوج من قوة شرطة السيارة
لبسط الأمن الذي يريدونه وبلغت تلك الأحداث
ذروتها في النصف الثاني من شهر كانون الأول
لذلك العام عندها اتخذ تنظيم الحزب الشيوعي في
القضاء قرارا بتشكيل لجنه قيادية لتولي
مسؤولية الدفاع عن ألمدينه بعد أن استقر فوج
قوات ألشرطه في مكان قريب من ألمدينه .
المنتفضون اتخذوا مواقع للدفاع عن ألمدينه
واستحضروا أسلحتهم البسيطة التي تتكون من عدة
بنادق ( أم عبيه ) ( والبرنو ) ومجموعه من
المسدسات وقناني المولتوف والسكاكين والقامات
والطابق وانتشروا فوق سطوح المباني والأسواق
وذلك بوضع المتاريس والمعرقلات ولا نخفي سرا
إن الاستعدادات للمواجهة كانت بشكل لا يمكن
تصديقه من الحماس والعزيمه وفي صبيحة يوم 17 /
12 ومعظم الشباب من الرجال والنساء اتخذوا من
سطوح منازلهم مواقع للمواجهة لأنهم عرفوا
النوايا ألمبيته من قبل أجهزة السلطة عندما
سربت معلومات تطالب بتسليم أربعين مواطناً من
أبناء ألمدينه أنفسهم الى السلطات من دون ذكر
أسمائهم وهذا ما سبب من تأزم الموقف وفي صبيحة
يوم 17 من الشهر المذكور أوفدت السلطة ألمحليه
في القضاء وفدا من وجهاء ألمدينه لغرض التفاوض
وعودة الأمن للمدينة وآلا فأنها في الساعة
ألحادية عشر صباحا ستوجه ضربه من قبل القوات
التي استقدمت لهذا الغرض وكان الخلاف على
الشرط الذي طالبت به السلطة بتسليم أربعين
مواطنا من دون ذكر الأسماء أي هم يعرفون
أسماءهم الشهيد علي الشيخ حمود قدم نفسه احد
هؤلاء الأربعين حقنا للدماء إلا إن بعض
المنتفضين رفض العرض ورد الوفد على أعقابه بعد
إن كرر الوفد ألمهله التي ستنتهي في الساعة
ألحاديه عشره من صبيحة ذلك اليوم ووسط الحماس
والهتافات والأهازيج التي تطلق من على الأسطح
وفي تمام الساعة ألحاديه عشر توجهت القوى
ألمهاجمه من ثلاث محاور لاحتلال ألمدينه وفعلا
بدأت معركة غير متكافئة استمرت لعدة ساعات حيث
استطاعت القوة ألمهاجمه من السيطرة على
المدينة عندما استطاعت من السيطرة على المباني
العالية وجعلت المنتفضين تحت نيرانهم وبعد
الساعة الخامسة عصرا بدأ إطلاق النار يخف
ووجهت ثلاث قنابر هاوون حممها على أطراف
ألمدينه .المدافعون عن ألمدينه اخذوا ينسحبون
صوب المساكن التي فتح ساكنوها الأبواب
لإيوائهم . من جراء تلك ألانتفاضه وقع الشهيد
كاظم الصائغ مضرجا بدمه في ساحة الصفاء وهو
يقاوم القوه المهاجمة في ساحة الصفا المكان
الذي كان يتجمع فيه الأهالي وتنطلق منه
التظاهرات وكذلك استشهد حميد فرحان الهنون قرب
داره و البطلة الشهيدة ركية شويليه استشهدت
وهي تقدم الطعام والماء للثوار من على سطح
دارها وكان هناك العديد من الجرحى من الرجال
والنساء , أما القوة المهاجمة فقد تركت العديد
من القتلى والجرحى .
التحريات والاعتقالات طالت العديد من
المواطنين وخصوصا الشباب. ولم يرفع الحصار عن
ألمدينه إلا بعد اعتقال الشهيد\ البطل علي
الشيخ حمود ورفيقه الشهيد عطا الدباس وفي
محاكمات سريعة أجريت في مدينة الكوت أصدرت
احكاماً بحق معظم المعتقلين قضت بالإعدام شنقا
حتى الموت على البطلين الشهيد علي الشيخ حمود
وعطا الدباس ونفس الحكم غيابيا على الشهيد
البطل عبد الرضا الحاج هويش الذي استطاع
مغادرة ألمدينه عبر نهر الغراف واستشهد مطلع
عام 1959 في حادث تحطم ألطائرة التي كان من
ضمن ركابها بعد انفضاض مؤتمر اتحاد الطلاب
العالمي المنعقد في بكين وصدرت إحكام أخرى بين
الخمسة عشر سنه والعشر سنوات والثلاث سنوات
وسنه مع سنة مراقبه وسنة تحت ألمراقبه .
وفي فجر يوم 10 / 1 / 1957 تم تنفيذ حكم
الإعدام بحق الشهيدين البطلين وهما يرفضان
العروض ألمغريه التي قدمت لهما لتخفيف الأحكام
عنهما وان الشجاعة التي ملكها الشهيدان فاقت
حد التصور حينما هتف البطل علي الشيخ حمود
بحياة الحزب والشعب وانشد بيتا من الشعر
(الشعب ما مات يوما فانه لن يموتا إن فأته
اليوم نصر ففي غد لن يفوتا ) وأوصى زوجته
الحامل أن تسمي مولودها ان كان ذكرا باسم رفيق
دربه الشهيد ( عطا ) وفعلا صار ذلك .
ان ألانتفاضه المجيدة عززت من مكانة ألمدينه
في الأوساط السياسية والشعبية لا في العراق
فحسب بل على المستوى العربي والدولي من خلال
نداءات التعاطف مع أبناء ألمدينه في مرحلة
ألانتفاضه وفي حملة المطالبة بايقاف تنفيذ
إحكام الإعدام ألصادرة بحق إبطالها ولا بد من
الاستنتاج إن انتفاضة مدينة الحي كان لها
الدور الهام في إنجاز وتشكيل جبهة الاتحاد
الوطني في آذار 1957 والتي بدورها هيأت الظروف
ألماديه والمعنوية لانتصار ثورة الرابع عشر من
تموز ألمجيده في عام 1958.
المجد لانتفاضة مدينة الحي الباسلة
وتحيه وسلام لشهدائها الأبرار
علي الشيخ حمود عطا الدباس عبد الرضا الحاج
هويش وكاظم الصائغ وحميد فرحان الهنون ركَيه
شويليه
8/12/2009