| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

الخميس 9/12/ 2010



العراق: أزمة الحكم بين المشاركة والشراكة..!

باقر الفضلي

قد يخيل للبعض بأن أزمة الحكم في العراق، قد وجدت طريقها الى الحل السحري، جراء المبادرة التي خطها رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني للخروج من الأزمة المستعصية للحكم في العراق، والتي إنتهت اليها إنتخابات السابع من آذار/2010 بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الأخذ والرد والسجالات والمفاوضات بين الكتل السياسية التي كتب لها الفوز في تلك الإنتخابات، فعلى الرغم من إجتياز الخطوة الأولى من تلك المبادرة، والتي تمثلت في إنتخاب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وأخيراً تسمية المكلف بتشكيل مجلس الوزراء الجديد، فإن كل المؤشرات التي إستتبعت ذلك العبور، لا زالت لن توحي بملامح الوصول الى النهاية المرجوة التي رسمتها تلك الخطوة التوافقية للخروج من نفق الأزمة، وذلك لأسباب وعوامل تكمن في الحقيقة، في تباين إتجاهات الكتل السياسية نفسها في النظر الى مفهوم السلطة، أو بمعنى آخر ما تمثله "السلطة" نفسها بالنسبة لكل كتلة من الكتل السياسية المتنافسة..!

فلا خلاف على أن جميع تلك الكتل السياسية المعنية بأمر الحكم والسلطة، تعلن مجتمعة، بأن هدفها من وراء عملية التوافق التي جمعتها وراء خطوط مبادرة السيد رئيس الإقليم، لا يخرج في جوهره، من إشراك جميع الكتل السياسية الفائزة في الإنتخابات في الحكومة القادمة، وبمعنى عام أن تشارك جميع "المكونات" المنتخبة في دست الحكم وفق خارطة توافقية لتوزيع الحصص الوزارية بين الفرقاء مجتمعين، وتحت ما يسمى "حكومة الشراكة"..!

ولكن وللوهلة الأولى، وحال إنعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، طافت على السطح وجهات النظر المتنافرة بين تلك الكتل السياسية البرلمانية، في فهمها لمبدأ (الإشتراك) في السلطة وفي قيادة دفة السفينة، حيث أفرزت الخطوات الأولى لطبيعة الإشتراك، أن هناك فهمين رئيسين مختلفان، على أقل تقدير بين أكبر كتلتين برلمانيتين من الكتل الأربعة، يتمحوران حول مفهوم الإشتراك في السلطة أو ما يدعى ب "حكومة الشراكة" المنتظرة..!

الفهم أو التفسير الأول، يرى بأن هذا "الإشتراك" يتمثل ليس فقط بالإشتراك بالحكومة حسب، بل يتعداه الى الشراكة الحقيقية والفعلية في صناعة وإنتاج القرار السياسي، أو بما يعني التقاسم الحقيقي للسلطة من خلال الحكومة ومجلس السياسات الإستراتيجية العليا، الذي ينبغي له هو الآخر، أن يمتلك من الصلاحيات التنفيذية، الموجب إقرارها بقانون من قبل مجلس النواب، ما يؤهله للعب مثل ذلك الدور..!

أما التفسير الثاني لمبدأ "الإشتراك" في الحكومة، فأصحابه يرون فيه مجرد "حالة المشاركة" للكتل السياسية المنتخبة في الحكومة، من خلال تسمية ممثليها الذين سيجري إستيزارهم من قبل رئيس الوزراء المكلف، كأعضاء في الحكومة الجديدة، وذلك وفقاً لمبدأ الإستحقاق الإنتخابي لكل مكون سياسي؛ وهذا ما يدفعهم الى الإختلاف مع أصحاب الرأي الأول بشأن الصلاحيات التنفيذية لمجلس السياسات الإستراتيجية العليا، الذي يجدون فيه مجلساً إستشاريا لا غير، ويختلفون مع أصحاب الرأي الأول في أمر تفسير مبدأ "الإشتراك" في الحكومة من هذه الزاوية، فالإشتراك بالنسبة لهم، لا يعني غير " المشاركة " أو بمعنى أدق "المساهمة" في الحكومة وفقاً لحالة "التوافق" التي أفرزتها مبادرة السيد رئيس الإقليم، والتي حلحلت جمود الوضع السياسي طيلة الأشهر الثمانية الماضية، ولكنها لم تنهيه..!؟

وكي لا يخوض المرء بعيداً في التفاصيل وفي خلفيات أَبعاد الموقفين المختلفين لأكبر كتلتين نيابيتين سياسيتين على الصعيد البرلماني والسياسي، وهما الكتلة العراقية وكتلة التحالف الوطني، لابد من الإشارة هنا الى أن جوهر الأمر في هذا الإختلاف، يرتبط أساساً في حقيقة النظرة المتباينة لكلا الطرفين من الهدف من وراء التمسك بالسلطة، وهنا هو "الحكومة"، وما يمكن أن يتحقق جراء ذلك التمسك من نتائج متوقعة، مشفوعاً بحالة فقدان الثقة بين كافة الأطراف المتصارعة في الوصول الى الهدف المذكور، ناهيك عما تضمره الخلفيات السياسية التأريخية من عوامل التنافر والتعارض السياسي بين مختلف الإتجاهات السياسية على صعيد التأريخ السياسي العراقي القريب؛ وجميعها تشكل عوامل تزيد في تفاعل أزمة الحكم، مضافاً اليها، فقدان البرنامج المشترك الموحد للكتل السياسية في إدارة السلطة، وبالتالي فليس غريباً أن يطفو على سطح التصريحات والمناقشات والحوارات بين هذه الكتل، العديد من التفسيرات المختلفة لمعنى "الإشتراك" في بناء الحكومة المقبلة؛ وليس ما يعنيه مفهوما (المشاركة والشراكة)، إلا أحد تلك الظواهر التي يتجلى من خلالها الصراع على المستوى السياسي اليوم، حيث تبدو "حكومة الشراكة" من الناحية الشكلية أهون على النفس من وقع "حكومة المحاصصة" ولا يهم بعد ذلك، ما سيكون عليه جوهر الحكومتين أوالفرق بين الإثنين..!

فطبيعة الإختلاف المذكور تمتد جذوره بعيداً في التأريخ السياسي العراقي الحديث، وإن إتخذت في بعض صورها القائمة، شكل الطائفية السياسية التي وجدت تعزيزها في تكريس قاعدة "المكونات"، كالطائفية المذهبية والإثنية، كأساس لبناء العملية السياسية، على حساب المباديء الديمقراطية وركنها الأساس مبدأ المواطنة في تشكيلة نظام الحكم، ومن هنا فمن السابق لأوانه التكهن بإنسيابية عمل الحكومة القادمة، حتى مع إفتراض تشكيلها وفقاً للإختيار التوافقي، الذي عزمت عليه الكتل السياسية المعنية بالأمر، في وقتها المحدد دستورياً...!

كما ومن السابق لأوانه أيضاً، القول بإمكانية أي من الكتل التي ستشترك في تشكيل الحكومة المرتقبة، من تحقيق برنامجها في التغيير المنشود والمعلن من قبلها قبل الإنتخابات، إذا لم تك هناك من خطوط مشتركة ومتفق عليها سلفاً بين قيادات تلك الكتل المشاركة، وفي ظل إطار برنامج موحد؛ برنامج يلبي أماني ورغبات الناخبين، ويتجاوز أخطاء وإخفاقات وسلبيات التجربة السابقة، ويمهد بحق، الطريق أمام إرساء القواعد الأساسية للتمسك بمباديء الديمقراطية كنهج في إدارة نظام الحكم ومؤسسات الدولة، وليس مجرد آليات لتسلق شجرة السلطة؛ برنامج يصون ويحفظ كرامات وحقوق المواطنين وحرياتهم الفردية الشخصية، ويرعى أسس البناء التربوي والثقافي الحضاري؛ برنامج يحمي كنوز ومؤسسات الثقافة الروحية والفنية، ويرعى صروح الحضارة العراقية، ناهيك عن توفير سبل العيش والسكن الكريم للمواطنين العراقيين؛ برنامج يرقى بمستويات البلاد على الأصعدة السياسية الإقتصادية والإجتماعية، بما يعيد للعراق مكانته المرموقة بين دول الجوار والمحيط الإقليمي العربي وثقله الدولي على الصعيد العالمي..!

فهل حقاً ستجد تلك الكتل السياسية العراقية المتزاحمة على مراكز السلطة؛ بما فيها من مناصب رئاسية ووزارات سيادية، الطريق ممهداً لتحقيق "حكومة شراكة" حقيقية، ذات برنامج موحد بآفاق واسعة، وهذا ما لا تبدو ملامحه ظاهرة في المنظور القريب، أم أنها ستظل تراوح مكانها، في ظل ما ترسمه لها مصالحها الذاتية الأنانية وآفاق تطلعاتها الضيقة، في وقت لا زالت تتمسك فيه بفهمها للشراكة في تلك الحكومة، بما تمليه عليها تلك المصالح والتطلعات..؟!


9/12/2010












 


 

free web counter