| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

الأحد 6/8/ 2006

 

 

الشرعية الدولية وأساليب معالجة أزمة الخليج..!

(1)

 

باقر الفضلي

توطئة:

يمضي أليوم عقد ونيف من ألسنين، على حدث أقام ألدنيا ولم يقعدها وأستنفر كل أساطيل ألعالم وقواه ألسياسية وألعسكرية، وأرجع ألعالم قرونا من ألسنين ألى سياسة شريعة ألغاب، وغزو ألأمم. حدث ذلك عندما أقدم عضو من أعضاء (هيئة ألأمم ألمتحدة)، بكل ما يمتلكه من حقوق وما عليه من واجبات، تفرضها مواثيق ألمنظمة ألدولية ألمذكورة، من حفظ للأمن والسلم ألدوليين، على خرق تلك ألمواثيق، وبلحظة خاطفة مسخ من على خارطة ألجغرافيا ألدولية، ألوجود ألسياسي لدولة عضو في هذه ألهيئة ، تمتلك نفس ألحقوق وعليها نفس ألواجبات ألتي لهذا ألعضو نفسه، معلنا زوالها من ألوجود ألسياسي كدولة مستقلة ذات سيادة، وضاما أراضيها جغرافيا إلى حدوده، غير آبه بكل ألنصائح والإنذارات، بل ومانحا لنفسه ألحق في تبرير غزوه تحت مظلة من ألشرعية ألتي أفترضها لنفسه خارج إطار ألشرعية ألدولية ألتي أقرها ألمجتمع ألدولي..!
في مثل هذا أليوم ألمصادف للثاني من شهر آب /1990 توغلت قوات ألنظام ألعراقي ألدكتاتوري، بغتة ودون سابق إنذار، داخل ألحدود ألكويتية، ماسحة من ألوجود ألسياسي كيان دولة عضو في هيئة ألأمم ألمتحدة، ومعلنة في ألوقت نفسه، عن ضم أراضيها ألى ألكيان ألعراقي بإعتبارها جزء لا يتجزء من إراضيه..!؟
لقد كان ذلك ألحدث ألجسيم، وألذي لا زالت تداعياته مستمرة حتى أليوم، وعلى جميع ألأصعدة، وألتي كان للشعب ألعراقي ألحصة ألأكبر منها، من ألويلات وألمعاناة، ناهيك عما أصاب ألشعب ألكويتي ألشقيق من آلام ونكبات وخسائر مادية وفي ألأرواح، كان هذا ألحدث إمتحانا عسيرا أمام ألمجتمع ألدولي في مواجهة ألخطر ألحقيقي ألذي واجه ألعالم ، وهدد ألسلم وألأمن ألدوليين، وأعاد ألى ألذاكرة أهوال ألحرب ألعالمية ألثانية ألمنتهيةعام/1945 .
إن ألحدث نفسه ومبادرة ألمجتمع ألدولي متمثلا بالشرعية ألدولية، في مواجهته بتلك ألسرعة وألجدية ألعاليين، وألتي حضيت بألمساندة وألدعم وبشبه أجماع من قبل ألرأي ألعام ألعالمي، كانا درساّ قاسياّ وتجربة فريدة من نوعها في مواجهة مثل تلك ألأخطار ألتي تهدد ألأمن والسلم ألدوليين. كما وكان لتداعيات تلك ألمواجهة أثراّ بالغاّ في تفجير ألعديد من وجهات ألنظر ألمعارضة وألمواقف ألمتطرفة من إجراءات ألشرعية ألدولية في مواجهتها للغزو ألعراقي آنذاك..!
إن ألكثير من ألعبر وألدروس ألغنية ألتي أفرزتها أحداث عام/1990 لا زالت حية وتحضى بأهمية بالغة حتى يومنا هذا. وبألقدر ألذي تجري فيه دراسة تلك ألأحداث وألتي أصطلح عليها (بأزمة ألخليج) بشكل أوسع وأعمق في مجال ألعلاقات ألدولية، كلما تمكن ألمجتمع ألدولي من إيجاد ألصيغ ألمناسبة لمعالجة ألأزمات ألمشابهة على ألصعيدين ألأقليمي وألدولي.
فها هي أزمة ألشرق ألأوسط وألغزو ألعدواني ألذي تتعرض له دولة لبنان ألآن، وما يتعرض له ألشعب ألفلسطيني من تنكيل وسلب للحقوق على يد نفس ألدولة ألمعتدية، إنما يشكلان تحديا مباشراّ وجديأّ أمام ألمجتمع ألدولي أليوم. وإن ألتلكؤ ألحاصل في إجراءات ألشرعية ألدولية لمواجهة ألعدوان ألأسرائيلي وألجرائم ألمروعة ألتي ترتكبها ضد ألأنسانية وآخرها ألجريمة ألنكراء في ( قانا ) لا يعبر إلا عن حالة من ألعجز وألشلل ألتي تقف ورائها حالة عدم ألتوازن وصراع ألمصالح على ألصعيد ألدولي.

ألدراسة ألموجزة أدناه، عبارة عن بحث موجز كتب مباشرة بعد غزو ألكويت في 2/8/1990 بأشهر قلائل ، كأساس لدراسة أوسع لم تتهيأ ألفرصة لأتمامها لأسباب عديدة، وفي ظل ألظروف ألحالية ألتي يمر بها ألمجتمع ألدولي، وللتشابه ألقائم بين (ازمة ألخليج ) وبين ( ألأزمة أللبنانية) من وجوه عدة، على صعيد ألعلاقات ألدولية، ودور ألشرعية ألدولية في حل ألنزاعات ألأقليمية وألأزمات ألدولية، وجدت من ألمناسب طرح هذه ألدراسة ألموجزة عن ( أزمة ألخليج) التي في إعتقادي ، أنها (أزمة ألخليج) لا زالت تحضى بأهمية خاصة على صعيد مجمل أزمة ألشرق ألأوسط من حيث ألأسباب وطرق ألمعالجة..!

المقدمة:

ان موضوعة الشرعية الدولية، كانت ولا زالت من المواضيع التي حضيت بالإهتمام والعناية الفائقتين من قبل العديد من الباحثين واساتذة القانون الدولي، ورجال السياسة؛ وبالتالي فأن أي حديث عن هذه (الشرعية)، ربما لا يخرج من حيث الجوهر عن كونه استعادة لما سبق قوله بهذا الشأن، سواء ما يتعلق منه بالسيرورة التأريخية لهذا المفهوم، أو بإطره القانونية والحقوقية، أو بمضمونه الإنساني الشمولي. ومراعاة لهذه الحقيقة، وان كان هذا لا يلغي إستمرارية البحث والكشف عن مدلولات هذا المفهوم، فأن ما سيتم تناوله في هذه اللمحات، لا يتعلق من حيث مضمونه بما تقدم ذكره، بل هو في الواقع عبارة عن تناول لجانب من جوانب النشاط العملي- التطبيقي للجهاز التنفيذي لهذه الشرعية، والذي من خلال نشاطه يجري تجسيد المباديء والافكار التي صاغتها (الشرعية الدولية) في (ميثاق ألامم المتحدة)، خاصة ما يتعلق منها بحفظ السلم والامن الدوليين قي مجال حل (النزاعات الاقليمية)، كما ومدى صلاحية الوسائل الاجرائية في اقرار ذلك. وعلى وجه التحديد مدى فعالية هذه الوسائل في معالجة الازمة التي واجهت العالم مؤخرا في "الخليج"، ومدى انسجامها ، في ظل المتغيرات السريعة والتطورات العاصفة التي اجتاحت العالم خلال العقود الخمسة الماضية، وما يشهده العالم اليوم من (افكار جديدة) تستهدف بناء نظام (للعلاقات الدولية) على أسس جديدة، ينسجم مع متطلبات هذه المتغيرات وطبيعة وجوهر (الافكار الجديدة)، المعبر عنها (بسياسة التفكير الجديد).

لقد كشفت آلية حل (النزاع الاقليمي)، وبصفة خاصة بين العراق والكويت، بأعتبار، أنهما عضوان في هيئة الامم المتحدة، واساليب معالجة الازمة التي نشبت بسبب ذلك النزاع ، عددا من "المتضادات" التي يبدو من الصعب فهمها أو تقبلها فيما اذا أخذ كل منها على انفراد، أو بمعزل عن طبيعة (الازمة) وظروفها مجتمعة. بهذا الصدد يمكن القول؛ بأن التجسيد الواقعي، والذي من خلاله، وجدت لنفسها هذه (المتضادات) ساحة للتنازع؛ هو جملة "القرارات" التي اتخذها (مجلس الامن) منذ تفجر (ازمة الخليج)، في 2/8/1990 والمتعلقة بهذه (الازمة)..!

في هذه اللمحات بعض من القاء الضوء على كيفية تفاعل تلك "المتضادات" فيما بينها من جهة، ومن جهة أخرى ، بيان الحلقة الرابطة المركزية ، التي تلعب دور الموحد في النهاية، بأتجاه الهدف المقصود. ومن هذا المنطلق، فأنه ليس من مهمة هذه (اللمحات)، البحث في مدى قانونية أو شرعية قرارات مجلس الامن، آنفة الذكر؛ بقدر ما هي عبارة عن محاولة للاستقصاء ، عن أبرز الافكار والمباديء التي تضمنتها تلك القرارات، والتوقف أمام حالة النزاع والتضاد التي هكذا جرى ويجري تصويرها بين هذه الافكار والمباديء على الصعيد التطبيقي، سواء من قبل بعض اطراف النزاع، او من قبل أطراف أخرى على صعيد الدول أو المنظمات السياسية.!؟
لقد كانت ظاهرة الاجتياح وملابساتها أحدى الدوافع الرئيسة في اختيار هذا الموضوع، فهي من الفرادة والخصوصية
لدرجة يصعب معها الحديث عن حالة أخرى مماثلة كان قد مر بها المجتمع الدولي، خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ورافقتها مثل هذه التعقيدات..!
• فهي الحالة الاولى، بعد الحرب العالمية الثانية، التي تفقد فيها دولة عضو في هيئة الامم المتحدة ، سيادتها كدولة، وتضم اراضيها وشعبها الى ارضي دولة أخرى ، وبقرار من قبل هذه الولة، التي هي ألاخرى عضو في هيئة الامم المتحدة، بدون سابق انذار، بل وحتى بدون اعلان لحالة الحرب بين البلدين..!
• انها وضعت العالم بأجمعه، وبالخصوص هيئته الشرعية_ منظمة الأمم المتحدة_ ، امام امتحان عسير، وتحد حقيقي لمصداقية ميثاقها في مجال أحترام سيادة الدول أعضائها ، والمحافظة على كياناتها السياسية والجغرافية، بنفس القدر الذي وضعتها فيه أمام مسؤوليتها المباشرة في حفظ السلم والامن الدولين.!؟
• انها تحصل في وقت يشهد العالم فيه ولاول مرة، بعد كارثتي الحرب العالميتين الاولى والثانية خلال هذا القرن، حالة من الانفراج الدولي وتجاوب كبير في الاراء بين معظم دول العالم، وبالخصوص منها الدول العظمى ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حول ضرورة تجنيب العالم الكارثة النووية. كما وفي نفس الوقت الذي أخذت فيه رياح "الحرب الباردة" تخلي الساحة أمام رياح التفاهم ، والتعاون المشترك بين الدول، ونبذ سياسة المجابهة بين الشرق والغرب، والتخلص من ثنائية "القطبين" وحتمية "المعسكرين"..!!
• انها أعطت لمفهوم "الاستعمار" ، بعداّ جديداّ ، في ظل سريان المفهوم المتعارف عليه، والمقصود به "الامبريالية". والبعد الجديد لا صلة له بالمعنى المعروف عن "الاستعمار القديم"، الذي تمت تصفيته دولياّ ولا بالمفهوم المتداول والمسمى "الاستعمار الجديد"..!
• على الصعيد الاقليمي ، فهي قد طرحت وبحدة ، مسألة "الموقف" من طبيعة "الحدود" القائم حاليا بين الاقطار العربية ، والتي ورثها العرب عن الفترة الأستعمارية، وأهمية ربط ذلك بالتوزيع الاكثر عدلا للثروات..؟؟!
*

من جانب آخر، فأن موضوعة (الشرعية الدولية) لم تعد هدفا بحد ذاته، فهي في ظل ظروف المتغيرات الحديثة في المحركات الدينامية لتطور الحياة البشرية ، والتي تجد تعبيرها بشكل خاص ، في هذا الكم الهائل من التطور في العلوم، وفي الثورة التكنولوجية، قد أصبحت اليوم الوسيلة الرئيسة في يد بلدان وشعوب العالم، على مختلف مشاربها، لضمان سيرورة هذا التطور في ظل ظروف أكثر ملائمة. ومن هنا يأتي الحديث عن أهمية وظيفتها الاستثنائية في (حفض السلم والامن الدوليين)؛ وأرتباطا بهذه المهمةالمعقدة، يدرك المجتمع الدولي اليوم ، أهمية النضال من أجل تكريس أسس (نظام دولي جديد)، ينتقل العالم في ظله، (( من الارتياب والعداوة، الى الثقة، ومن "توازن الرعب" ، الى توازن العقل والارادة الطيبة، ومن الانانية القومية الضيقة، الى التعاون..!))
**

ان كل هذا يرتبط بالأساس بجهود منظمة الامم المتحدة ، والتي هي بالتحديد(( تعتبر المحفل الأنسب للبحث عن توازن مصالح الدول وهو التوازن الذي لن يوجد من دونه أي استقرار في العالم..))
***


ومما تقدم يمكن القول، بأن أول هزة عاصفة قد تعرضت لها أسس هذا "النظام الجديد" ، وهي بعد في بداية تثبيتها كمباديء يجب التمسك بها من قبل المجتمع الدولي ، كانت ( أزمة الخليج ).! فهل صمدت هذه الأسس أمام قوة ألاعصار.؟؟!

في هذه اللمحات، سيكون الهدف، هو تبيان الجوهر الحقيقي لمفهوم ( الشرعية الدولية )، والعوامل المؤثرة بالنتيجة في طبيعة عمل آلية هذه الشرعية، هذا من جهة، ومن الجهة الاخرى، بيان طبيعة الأسلوب الذي مارست بواسطته هذه الشرعية ومن خلال آليتها القانونية، معالجة ( ازمة الخليج )، بألإضافة الى إيضاح بعض المواقف وألافكار ومنطلقاتها، والتي وقفت من هذه الممارسة موقفاّ رافضاّ أو متردداّ أو توفيقياّ . ! وفي كل ذلك ، فأن هذه اللمحات البسيطة ستظل في حدود " اللمحات" التي تحتاج الى ألمزيد من ألبحث وألتدقيق..!

يتبع
 


*- أزمة الخليج والتكامل العربي/ ديمتري زيليتين – نوفوستي / الثقافة الجديدة – عدد/ 229 ص/116 علما بان القول منسوب للكاتب العربي ( محمد حسنين هيكل )
**- بيريسترويكا والتفكير الجديد - م.س . غورباتشوف / ص 372
***- نفس المصدر / ص 193