| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

                                                                              الأحد 6/1/ 2013


 

العراق: المشهد السياسي بين العقلانية والتراجيديا..!!

باقر الفضلي

ما يعكسه المشهد السياسي العراقي اليوم، وما يمكن أن تنبأ به إرهاصات الأحداث الجارية وتداعياتها على صعيد الواقع، من تكهنات وإحتمالات غير محمودة، كله يدور من حيث نتائجه السياسية المتوقعة، في دائرة شبه مغلقة، من التعنت السياسي، وردود الفعل المتعاكسه، في قوتها وإتجاهاتها، ومن تصاعد في النغمة الطائفية للغة الكلام المتبادلة بين أطراف الصراع، الأمر الذي يهدد بمخاطر جسيمة لا تحمد عقباها على مستقبل الشعب والوطن ..!

وبعيداً عن الوقوف أمام جذور الأحداث وأسبابها، والبحث عن الحلول الواقعية التي تطفيْ نارها؛ فمن جانبها الحكومة، وجدت في المظاهرات الجماهيرية، التي إندلعت في عدد من الأماكن وبالخصوص في محافظة الأنبار وما رافقها من إعاقة وقطع للطريق الدولي بين العراق والأردن وسوريا، تهديداً خطيراً على الأمن وهيبة الدولة، مما دفع بإتجاه رفع وتيرة الإتهامات من جانب الحكومة للمتظاهرين والجهات التي تقف ورائهم ، والمطالبة بإنهاء المظاهرات الإحتجاجية من قبل المتظاهرين تلقائياً، للدرجة التي دفعت بالحكومة وعلى لسان السيد رئيس الوزراء هذا اليوم 1/1/2013، توجيه الإنذار للمعتصمين بإنهاء إعتصامهم وبعكسه تتدخل الدولة لإنهائه.(1)

ومن جانب آخر، فلم تتوقف الدعوات الى الإستمرار بالإعتصام من قبل المتظاهرين حتى الإستجابة لمطالبهم، والإهابة بجماهير مدن أخرى لمساندتهم، مثل الموصل وصلاح الدين والفلوجة وسامراء وغيرها، الأمر الذي بات يبعث على قلق الأوساط السياسية في الداخل وفي الخارج على حد سواء..!(2)

وما أزاد في الطين بلة، مع إستمرار ظروف التصعيد من قبل جميع الأطراف،هو حملة التصريحات والتصريحات المتقابلة من قبل إنصار الكتل السياسية ممن يمثل كتلة السلطة ذات الأغلبية البرلمانية، ومعارضيها وجلهم من أعضاء مجلس النواب، أو من ذوي المراكز الوظيفية القريبة من مراكز السلطة والنفوذ..!(3)

مع كل هذا الإحتدام في معركة التصريحات والإتهامات المتبادلة، يعجز المواطن والمراقب للأحداث من تلمس الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ستر الأزمة ومحركاتها، فالمتخندقون وراء تصريحاتهم وإتهاماتهم المتبادلة، لن يكفوا عن القول بأنهم أكثر إلتزاماً بنصوص الدستور، ولا مانع لديهم من التمسك بها لحل إشكالية الخلافات القائمة بين الكتل المتصارعة، ولكن وفق إتهامات جديدة وأخرى متبادلة مسبقاً، مما يتعذر معه جلوسهم الى طاولة الحوار ومناقشتها، في وقت يتمسك فيه الجميع بحججه وإتهاماته ضد الآخر، لدرجة باتت فيه تلك الإتهامات تنال من مراكز السلطات التي ينبغي أن تكون في مقدمة الجهات التي يقع على عاتقها البحث عن السبل المناسبة للخروج من الأزمة، كالسلطة التشريعية على سبيل المثال..؟(4)

لقد بات من الصعب الآن، التمسك فقط بأدوات الصراع نفسه، دون البحث عن مسبباته وجذوره الأساسية، فالأستمرار في محاولة الوقوف في هذه الدائرة المغلقة من مراحل الصراع، والتي في حقيقتها باتت تعكس مستوى من تطور الأزمة نفسها، أصبح ينذر بتفجر العملية السياسية من داخلها، بما يهدد بفقدان بوصلة القيادة " للحكومة التوافقية"؛

فعلى المستوى الحكومي، لم تعد الحكومة القائمة رغم أغلبيتها البرلمانية، أن تجد من الحلول الواقعية ما يخفف من شدة التأزم والتوتر الذي أصبح مع مرور الوقت، يأخذ بتعميق الهوة بين الجماهير المتظاهرة وبين الحكومة، رغم أن بعضاً من مكونات الحكومة نفسها، عبارة عن كتل سياسية مشاركة في الحكومة نفسها، وهي جزء من مكونات العملية السياسية ، كما ولا يبدو من مصلحتها وطبقاً لبياناتها المعلنة، أن تفرط بمصير العملية السياسية، أو التفريط بحكومة "المشاركة" رغم الفشل الذي يهيمن على نشاط تلك الحكومة، على صعيد الواقع الخدمي والأمني..!(5)


إن الأمر الأكثر أهمية في طبيعة الصراع القائم الآن بين مكونات العملية السياسية، والمتمثل بشكل خاص بالكتل السياسية المتنفذة في الحكومة والبرلمان، بات يجد تعبيره بصورة أكثر جلاء ووضوحا من خلال أدوات الصراع نفسه، وفي مقدمتها [المظاهرات الجماهيرية]، ومن نافل القول، الإشارة الى إن لهذا الصراع من الأسباب والجذور، ما يدفع الى تحريك تلك الأدوات على مختلف أشكالها وصور تجلياتها، في الزمان والمكان المعينين نتيجة أي حدث عارض، ولأي سبب من الأسباب، ليكون ذلك الحادث أو السبب، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير على حد قول المثل السائر ، وكل هذا يبدو جلياً وأكثر وضوحاً حينما تكون القوى الحاكمة طرفاً في هذا الصراع..!

هذا في نفس الوقت الذي تمتلك فيه تلك القوى الحاكمة بيدها ومن خلال سلطتها القمعية، كل أدوات القمع التي تعتقد بأنها من الوسائل الفعالة في إخماد بؤر التوتر وإنهائها، خاصة عندما تعلن دائما، بأنها من يسهر على تطبيق القوانين السائدة، وذلك بما يحقق إهدافها الآنية والمرحلية..!

فلا غرابة والحال، أن يجد المرء وفي أغلب الأحيان، أن أكثر السلطات الحاكمة وفي عدد غير قليل من البلدان التي تواجه مثل تلك الظروف التي يمر بها العراق اليوم، أنها تلجأ الى الوسائل والإجراءات التي تتسم بالقمع وتحديد الحريات الشخصية، حتى وإن كانت مكفولة بالدستور والقوانين التي تشرع في ظله من أجل صيانة وحماية حرية الرأي والتعبير وإقامة المظاهرات والإضرابات..الخ، علماً بأن كل ذلك يتم في إطار حماية النظام العام والأمن العام وغيرها من إدعاءات السلطة الحاكمة، هذا وفي أغلب الأحيان ما تدفع تلك السلطات بإجراءاتها القمعية الى إستفزاز الجانب الآخر أو الكتلة الجماهيرية المتظاهرة بحكم ردة الفعل المقابلة الى التصعيد المقابل وأحياناً المتطرف في مواقفها الإحتجاجية، الأمر الذي يدفع بالمقابل الى التصعيد من قبل السلطات الحاكمة في إجراءاتها القمعية لدرجات تفقد فيه توازنها كسلطة حاكمة ومسؤولة عن حفط الأمن والنظام في الحدود التي نص عليها الدستور والقوانين المرعية، وفي هذه الحالة يتم خرق الدستور من خلال الإقدام على إستخدام وسائل غير مشروعة وتتعارض مع أحكام الدستور وشرائع حقوق الأنسان..!

وليس من باب المغالاة القول؛ بأن طريقة معالجة مسار الأحداث التي تتابعت بوتيرة متصاعدة بعد إجراءات الحكومة المتخذة ضد حماية وزير المالية العراقية السيد رافع العيساوي، لا تخرج في إطارها العام عن ما جرت الإشارة اليه فيما تقدم، وذلك من حيث التصعيد في الخطاب الحكومي، وتوجيه الإنذارات المتكررة من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة، ومن سيل الإتهامات المتبادلة، ما منح الفرصة أمام تصاعد الخطاب الطائفي من قبل المتصيدين في المياه العكرة كستار للتحرك من خلفه، وإستغلال مطاليب الجماهيرالمتظاهرة، التي إعترف رئيس الحكومة نفسه بمشروعية جانب منها، وذلك في محاولة لحرفها عن أهدافها المعلنة والمشروعة؛ هذا ومن جانب آخر، تحرك بعض القوى الإقليمية التي تجد مصلحتها تتحقق في تفاقم الأوضاع في العراق الى المستوى الذي من خلاله يمكنها تحقيق مصالحها الخاصة والتي لا تخرج بعيداً عن مضامين وأهداف إستراتيجية مشروع "خارطة الشرق الأوسط الجديد" بما تحتويه من أهداف تصب في خدمة الجهات التي تقف من وراء رسمها ووضعها رهن التطبيق الواقعي في المنطقة، وابرزها مصالحها الإقتصادية المرتبطة بمصادر الطاقة من نفط وغاز، ومنها على سبيل المثال تحقيق مشروع (نابوكو) لنقل الغاز الطبيعي من المنطقة الى أوروبا، المشروع الذي أصبح بمثابة كلمة السر في الأحداث المأساوية التي تجتاح المنطقة عموما، والتي تفسر حقيقة الصراع الدولي فيها..!

ومن خلاصة ما تقدم؛ فإن مجرد الوقوف أمام تداعيات الأحداث، والتمسك بظواهر الأشياء وشكلياتها، ومحاولة معالجة أدوات الصراع فقط، وإدارتها بالوسائل الإدارية والأمنية ، خاصة من قبل السلطات الحكومية، في وقت يجري فيه غض الطرف عن أسباب وجذور المشاكل التي تقف ورائها وعدم التوجه الى معالجتها بالطرق والأساليب العقلانية، فليس من من الحكمة في شيء أن يعثر المرء بهذه الطريقة، على الحلول الصحيحة والمناسبة لتفكيك أزمة هي في جوهرها أزمة بنيوية يكمن وجودها في هيكلية وآليات وطابع العملية السياسية نفسها، وإنعكاسات تداعياتها السلبية على واقع مكوناتها السياسية، التي تفتقد الى برنامج سياسي إقتصادي شامل وواضح المعالم؛ يشكل في مضامينه ما يجمع ويوحد نشاط تلك المكونات في مجال عملها اليومي، لما يخدم مصلحة الشعب والوطن، في إطار وقواعد وآليات الممارسة الديمقراطية، التي يحكمها الدستور في ظل مبدأ الفصل بين السلطات..!
 

 4/1/2013
 

(1) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/28619-2013-01-01-17-43-30.html
(2) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/28696----qq----------.html
(3) http://www.akhbaar.org/home/2013/1/140317.html
(4) http://www.akhbaar.org/home/2013/1/140284.html
(5) http://www.akhbaar.org/home/2013/1/140340.html



 

 

free web counter