| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

السبت 4/9/ 2010



فلسطين: من الذي يضمن النجاح..؟!

باقر الفضلي

من الصعوبات الجمة، أن يخوض المرء معترك المفاوضات المباشرة وجهاً لوجه مع محتل مغتصب، وضع نفسه دائماً في جانب العداوة والخصومة، وفي سبيلها كان يفتعل كل شاردة وواردة، من أجل أن تدوم هذه العداوة وتستفحل تلك الخصومة، ليظل ممسكاً بكل مفاتيح الحل، وأن يملي على الأطراف الأخرى إرادته وفق ما يشاء وأنى يرغب وحيثما يريد..!

ومن بالغ الصعوبة أيضا، أن يكتنف غمار هذا الخوض ويرافقه في عين الوقت، كل ما يدفع الى الاحباط وينذر بالخيبة، ويزرع بذور التشكك والريبة، عندما ينبري الأقربون قبل الأعداء، الى الإبتعاد عن الحقيقة الموضوعية، وحين يقلبون ظهر المجن اليها، بدلاً من إظهار الدعم والمساندة، وحين لا يدخرون وسعاً من طرق كل السبل والأساليب لإفشال تلك المفاوضات، حتى لو كان السبيل لذلك، إقحام المنطقة في أتون حرب جديدة، لا تخدم في النهاية غير المحتل، ناهيك عما تجره من الويلات والدمار على الزرع والضرع، وما تفجره من نزيف الدماء..!!؟؟؟

البعض من الرافضين من حيث المبدأ لآلية المفاوضات المباشرة برعاية دولية وشرعية مع المحتل الغاصب، إذ يعتبرونها مجرد مشروع أمريكي إسرائيلي، هم انفسهم من لا يعترض عليها إن جرت معهم مباشرة، ولكن حين تحركت السلطة الشرعية المنتخبة والممثلة لمنظمة التحرير الفلسطينية الشرعية، بإتجاه القبول بالمشاركة في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وبطلب ودعم المجتمع الدولي، تحركت معها وبالضد منها البعض من تلك الفصائل الرافضة، لتعلن ليس فقط رفضها لتلك المفاوضات حسب، بل والدعوة للتحشيد ضدها، والى أبعد من ذلك، الإقدام على تأجيج معارك جانبية، لم تخدم في محصلتها النهائية، غير الفصيل المتطرف في الجانب الإسرائيلي؛ الرافض الآخر لتلك المفاوضات، لتصب المياه أخيراً في طاحونته، بهدف إفشال المفاوضات من خلال إحراج المفاوض الفلسطيني، والضغط عليه بتقديم التنازلات التي يرى فيها المفاوض الإسرائيلي إحدى سبل ترضية المتطرفين الإسرائيليين، ومنها التساهل امام مطالب المستوطنيين العنصريين بتمرير الإستيطان بطرق وأساليب جديدة، تحت ذريعة التحجج بالإرهاب..!

نعم هكذا يمرر المفاوض الإسرائيلي حججه وذرائعه اللامنتهية تهرباً من أي ضغط قد يواجهه أثناء المفاوضات لإلزامه بالقبول بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وبكل ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، بل ومن المرجح الغالب، أن هذا المفاوض سيطالب الجانب الفلسطيني بمشترطات أمنية في الضفة الغربية تمنحه المزيد من التدخل اللاشرعي في عمل أجهزة حفظ الأمن في الضفة والقطاع، كضمان لوقف "الإرهاب" ضد المدنيين الإسرائيليين وهلمجرا..!؟؟

فما الذي كانت تهدف اليه عملية "الخليل" الأخيرة التي تبنتها حركة حماس الرافضة للمفاوضات المباشرة، وأية رسالة يمكن أن تبتغي من ورائها، في وقت تُصعِد فيه القوى الإسرائيلية المتطرفة، ضغطها المتواصل على الوفد الإسرائيلي المفاوض، مطالبة بإتخاذ الموقف المتشدد من الفلسطينيين في المفاوضات، وبالتمسك بخطط الإستيطان في القدس والضفة الغربية بدون تراجع، بل وتعلن نهاراً جهاراً غضبها ولعنتها عليهم؛ إنه في النهاية سؤال، ليس في وارد التحليل والسياق التأريخي السياسي للقضية الفلسطينية، البحث له عن جواب؟؟!!

ومع ذلك وكتحصيل حاصل لمسيرة الأحداث، فليس هناك ثمة ما يخفي الهدف من وراء عملية الخليل، أكثر من كونها إشعار الآخرين بأن حماس موجودة على الأرض "وشرعيتها" يجب أن تُؤخذ بالحسبان، وأن أية مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، يجب أن تجري بشروطها الخاصة، رغم محاولة تنصلها على لسان أحد قادتها من مسؤولية القرار السياسي للعملية وإلقاء تبعاته على أجهزتها الميدانية؛ إلا أن مباركتها لها، وحدها كافية للتدليل على موقفها السياسي السلبي من المفاوضات المباشرة، ناهيك عن موقفها الميداني، الذي في التقدير الموضوعي لا يصب إلا في طاحونة التطرف الإسرائيلي العنصري، ولا يمكن تبريره لا تكتيكياً ولا سياسياً في مثل هذا الوقت الأكثر حساسيةً بالنسبة للجانب الفلسطيني، حيث أنه ومن منطلق الشعور بالمسؤولية الوطنية، أن يمتلك الجميع حق إبداء الرأي بالمفاوضات المباشرة، سواء بالتأييد او الرفض، ولكن إقران الرفض بردود فعل ميدانية على الأرض، وإن كانت تحت شعار "المقاومة"، له من التداعيات السلبية الآن، ما لا يخدم مصلحة المفاوض الفلسطيني، بقدر ما يؤزم أرضية التفاوض نفسها، ويمنح زخماً معنوياً ومادياً لكل قوى التطرف، سواء داخل إسرائيل أو ضمن الحدود الإقليمية في بعض الدول المجاورة، هذا إذا ما أخذ المرء أمثال تلك التوجهات الميدانية وخلفياتها السياسية بمأخذ حسن النية، المقرون بالدوافع الوطنية الصادقة، مع جل الإحترام لخيار المقاومة..!!

فالمفاوضات المباشرة ومهما ستكن عليه نتائجها، فهي على صعيد النضال الوطني لا تشكل سوى مجرد فرصة من فرص إحلال السلام لنزاع طال أمده الستة عقود من السنين، لم يشهد فيها الشعب الفلسطيني غير الألم والمعاناة، ومع كل قسوتها، فقد ألهمت القيادة الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، الدروس تلو الدروس، لوضع القضية الفلسطينية في نصابها الصحيح أمام المجتمع الدولي، لتأتي أخيراً المشاركة في المفاوضات المباشرة، لتمثل حلقة من حلقات ذلك السفر الطويل من النضال الوطني، بشتى أشكاله ومختلف تاكتيكاته على جميع الأصعدة المحلية منها والإقليمية والدولية..!

ومن هنا وبإختصار يمكن القول بأن أي رفض سياسي مسبق لتلك المفاوضات، مبني على أساس الإفتراض السلبي لنتائجها، إنما هو أقرب الى التخوف من " فشل مؤكد" في أحسن الأحوال، منه الى الحكمة والتبصر في مستقبل ما يمكن أن تأتي به تلك المفاوضات من نتائج؛ تلك المخاوف التي لا تدعمها طبيعة مسيرة النضال الفلسطيني الطويل، التي كانت فيها لتجربة الراحل الشجاع الرئيس ياسر عرفات وفي ظروف مشابهة بل وأكثر قسوة، أغنى مدلولات الحكمة والتعقل أمام المنعطفات العصيبة، التي واجهت تلك المسيرة الثرة بغناها التأريخي ودروسها البليغة..!

وبالتالي فليس هناك من يضمن في مثل هذه المفاوضات، النجاح المؤطر والمكلل بتوج الفوز المحقق والأكيد، كما ولا أظن أن هناك من يمكنه المزايدة في مثل هذا الحال، على أصحاب الدار من قادة السلطة الفلسطينية ووفدها المفاوض، فهم الأعرف بشعابها، والأكثر تمرساً بمساربها والأعلم بخفاياها وأسرارها؛ فهم أصحاب القضية بلا منازع، والأقدر والأدرى بمصلحة شعبهم، وليس هناك من ضامن لخطوتهم الجريئة بالمشاركة في المفاوضات المباشرة بالنجاح، إلا الشعب الفلسطيني نفسه، بوحدته الوطنية وصموده الثابت في هذا المعترك العصيب، وهذا ما يأمله أصدقاء الشعب الفلسطيني ومؤازروه..!










 

free web counter