موقع الناس     http://al-nnas.com/

البصرة : بين مطرقة العصابات وسندان المليشيات..!

 

باقر الفضلي

السبت 3/6/ 2006

تابعت وبأهتمام بالغ، رحلة السيد نوري المالكي ، رئيس الوزراء المستوزر حديثا ألى مدينة البصرة، وأنصت الى كل كلمة من كلماته، بل وتطلعت حتى الى تعابير وجهه وهو يتحدث في مؤتمراته الصحفية، ولم يساورني شك ؛ بأن السيد الوزير ألأول آخذ أمر ما يجري في البصرة بجدية وأهتمام كبيرين، وبأنه عازم على وقف لعبة أمراء الحرب الجدد في البصرة، وحقن دماء البصريين ألتي أهدرت، وصيانة أعراض وأملاك الناس التي أنتهكت، وزرع الطمأنينة في نفوس المواطنين التي روعت..، نعم كنت وكغيري من ابناء الفيحاء الغيارى نرقب ونتابع ونتطلع الى كل ذلك، وألأمل رائدنا بأن نقاطا ستوضع على الحروف المبهمة، وشواخص ستنصب، وأسماء ستعلن، وحدودا سترسم، وسوف يبان الخيط ألأبيض من ألأسود، وستنجلي الصورة، ويزول الغموض..! فلا غموض أزيل ولا صورة أنجلت، وهاهم البصريون يقبعون أسارى حالة الطواريء، فلا حدة التصريح آمنتهم، ولا شدة التهديد والوعيد أسعفتهم..!

لم يرى البصريون ما يقر عيونهم أو يبعث الفرحة في نفوسهم..! نعم سمعوا الكثير من التنديد بألأفعال ألأجرامية والعتاب الشديد الموجه لممثلي الطوائف السياسية والتأنيب الذي أستهدف مسؤولي المحافظة، ولكن لا شيء يمت بصلة الى من يقف وراء كل ما حدث ويحدث، ولم تحدد المسؤوليات، بل أختزل ألأمر الى مجرد ألقاء المسؤولية على عاتق جهة لا هوية لها؛ جهة يكتنفها الغموض، هلامية الملامح، مجهولة العنوان والمكان، لا يعرف لها أسم، ولا تحدها حدود..!

لقد جاءت تصريحات السيد رئيس الوزراء، عند وجوده في البصرة وبعد ألتقاءه بالشاكين والمشتكى منهم، من مسؤولين مدنيين وعسكريين، وقادة نخب سياسية ودينية وزعماء عشائر ورؤساء منظمات مدنية وغيرهم من ذوي العلاقة، جاءت هذه التصريحات واضحة لا لبس فيها؛ فالذي يقف وراء أستباحة مدينة البصرة، أنما هي "العصابات" التي لا سلطان عليها لا غير، والحكومة عازمة على وضع حد لأستهتارها وأفعالها ألأجرامية..! وهكذا كانت النتيجة؛ أعلان حالة الطواريء في البصرة لمدة شهر من الزمن..!؟
من هي تلك العصابات المسلحة يا ترى..؟ وكيف وجدت طريقها بهذه السهولة لترويع المواطنين..؟ وما هي الرابطة بين "عصابات مسلحة"، عادة ما تكون أهدافها السرقة والتهريب وألآختطاف، وبين قتل الناس على الهوية، وارهاب المواطنين العزل وأجبارهم على هجر المدينة الى المدن ألأخرى طبقا للطائفة المذهبية، وأغتيال أساتذة الجامعات ورجال الدين وأصحاب المهن الحرة من مختلف ألأصناف، بما فيهم النساء..؟؟ كيف يمكن لمثل هذه العصابات أن تمارس جرائمها في عرض وطول المدينة ولا من أحد يوقفها، أو يعترض سبيلها، لا من قوى ألأمن ولا من قوى المنظمات وألأحزاب السياسية والدينية المسلحة، خاصة وأن مدينة البصرة غاصة بالعديد من الجيوش المسلحة، من أمثال جيش المهدي، وبدر، والفضيلة وحزب الله وغيرها من " المليشيات" غير المنظورة وغير المحسوبة، ناهيك عن قوات ألأحتلال البريطانية..؟؟
لو سلمنا بفرضية مسؤولية "العصابات المسلحة"، فما سيكون تفسيرنا لوجود هذا العدد الكبير من "المليشيات" أللاقانونية في مدينة من مدن العراق ذات ألأهمية الكبيرة.؟ وما هو الدور ألأمني وألوطني الذي يمكن أن تقوم به أمثال هذه المليشيات، التي يجمع الجميع، وفي مقدمتهم مواطنو البصرة الفيحاء، بأنها باسطة يدها في كل مكان من المدينة، وتظهر سيطرتها وتحكمها بمصير أبناءها دون سائل أو رقيب..؟؟ كيف أذن تسنى ويتسنى لمثل هذه "العصابات المعنية" أن تمارس كل هذا النشاط ألأجرامي، بوجود هذا الكم الهائل من المليشيات المسلحة، المحتضنة من قبل بعض أطراف العملية ألسياسية..؟؟!

لا أريد في الحقيقة ألأكثار من ألأسئلة حول دور "المليشيات" وأهداف ألأبقاء على وجودها، ولكن للأشارة الى ما أعلنه السيد رئيس الوزراء؛ بأن أمرها يسير بالتوازي مع مسيرة المصالحة الوطنية، مما يوقع ظلالا من التساؤل وألألتباس على حقيقة ما ينوى أتخاذه بصدد هذا الوجود..؟؟ فهل يفهم من ذلك أن ما جرى ويجري في البصرة كان ولا يزال بمعزل عن دور ونشاط هذه المليشيات وحواضنها من أحزاب ومنظمات دينية، وما يدور بينها جميعا من صراع وأحتراب من أجل فرض الهيمنة وألتحكم بأمور المحافظة..؟؟ وأن جميع ما قيل ويقال عن هذا الدور والنشاط ، هو مجر دعاية أعلامية مفبركة..؟؟؟

أن أي عصابة مسلحة مهما أوتيت من قوة، لا يمكنها أن تولد وتعيش وتستفحل ، أن لم يكن هنالك من ألأجواء والتربة الصالحة التي تسمح لمثل هذه العصابة بالوجود..! وقد شكلت المظاهر المسلحة المستشرية في البصرة وغيرها من المدن العراقية ألأخرى، والتي تمثلت بميليشيات بعض ألأطراف الدينية والسياسية، شكلت المناخ المناسب لظهور وتواجد مثل تلك العصابات المسلحة التي أستغلت الواقع ألأمني المنفلت، والتواجد المليشياوي المسلح والمدعوم من قبل تلك ألأطراف ، فأصبح وجودها وأستمرارية هذا الوجود مرهونا سلفا بوجود هذه "المليشيات ألعسكرية" التي أصبحت بمثابة المظلة أو العباءة التي تتستر وتختفي تحتها هذه العصابات..!! ولم يعد من الصعوبة بمكان تأشير الرابطة الجدلية بين المكونين..!؟

أنه لمن المسلم به أن لا تكون فرضية وقوف "العصابات المسلحة" ألأرهابية، التي وردت على لسان السيد رئيس الوزراء، هي وراء ما يجري في البصرة، رغم ما لهذه العصابات من دور مدمر ومخرب في حياة المواطنين والبلاد، فهذا ما يبطله وجود المليشيات المسلحة من غالبية ألأطراف بهذه الكثافة في المدينة، ألا اذا كان ألأمر يقصد منه أو يفسر على اقل تقدير، بأنه أبعاد لتسليط ألأضواء على وجود هذه المليشيات ودورها الذي لم يعد خافيا على أحد بما فيهم ذوي ألشأن من حكام ونواب وقادة طوائف سياسية ودينية، في تعكير صفو ألأمن وأطمئنان المواطنين.. !! (*)

خلاصة القول؛ فان كان الطريق ممهدا لمحاربة العصابات المسلحة ألأرهابية، فليس من المنطقي أن يلجأ المرء الى معالجة النتيجة ويترك السبب..! ولا يشك المرء بأن السيد رئيس الوزراء غافل عن هذه الحقيقة، أما الحسابات السياسية فلها موازينها الخاصة، وهذا ما يخشاه البصريون وكل عراقي حر يحترق ألما لما آلت أليه أحوال الوطن العزيز..!
 


(*) للمزيد من المعلومات راجع مقالتنا السابقة (هل هي صرخة في واد..؟؟) المنشورة في نفس الموقع