| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

الجمعة 2/6/ 2006

 

 

قراءة سريعة في برنامج الحكومة المالكية..!
1/2


باقر الفضلي

ما أتناوله في أدناه ليس ألا قراءة سريعة في فقرات الورقة الحكومية لحكومة السيد نوري المالكي، التي أقرها البرلمان في جلسة منح الثقة بالحكومة العراقية الدائمة، والتي أصطلح على تسميتها ب(البرنامج الحكومي)، الغاية منها هو مجرد ألقاء الضوء على طبيعة تركيب هذه الورقة ، وليس الخوض في محتويات نصوصها، أملا في العودة لذلك من خلال قراءة لاحقة لنصوص الدستور.

• يتكون برنامج الحكومة الجديدة من اربع وثلاثين فقرة سطرت وفق نظام غير مترابط، وغير متجانس من حيث المحتوى أو المضمون.

• غالبية الفقرات التي أحتوتها الورقة، كانت أنتقائية ولا ترتبط مع بعضها بأواصر معينة، ولا تقع تحت تبويب محدد يفهم منه أهداف وخطط الحكومة في المجالات المختلفة؛ على سبيل المثال؛ الجانب ألأمني، الجانب السياسي، الجانب ألأقتصادي، ألجانب ألأجتماعي، الجانب ألثقافي، الجانب الخدمي ...الخ مما جعل من الصعوبة ألأهتداء الى معالم سياسة الحكومة في المجالات المختلفة، مما ترك الباب مفتوحا للتخمين والتكهن بسياسة الحكومة للفترة القادمة..! وكتابة برنامج بهذه الصيغة المختلطة للأولويات يفقده صفة البرنامج، بقدر ما يربك المراقب أو المواطن بمعنى أدق، في التعرف وألأهتداء على خطة الحكومة في أي مجال من المجالات ، وهذا ما اسدل ستارا من الضبابية على طبيعة مكونات برنامج الحكومة بصيغته الحالية، في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون برنامجا متكاملا في كل أجزاءه ومكوناته لحكومة دائمة لفترة أربع سنين، وليس مجرد فقرات غير مترابطة منتقاة من الدستور أو من مقولات عامة ..!

• على صعيد المحتوى؛ فأنه لا يغير من الهدف لبرنامج ولحكومة دائمة، ويكتب لفترة أستثنائية، أن يكون برنامجا متكاملا في جميع ألأتجاهات، وألا فما الحاجة الى حكومة بهذا الحجم غير الطبيعي وهذا الترهل في عدد الوزارات، لدرجة ضمت فيها الحكومة الجديدة سبع وزارات دولة عاطلة عن العمل، مكبدة الدولة أنفاقا طائلا من الرواتب والمخصصات والتخصيصات المختلفة للنقل والسكن والحماية وغيرها من نفقات المكاتب، خاصة أذا ما علمنا بأن حماية الوزير الواحد تكلف راتب ثلاثين شخصا وبمعدل ثلاثة آلاف دولار للشخص الواحد شهريا..!

• الفقرة (1) من البرنامج؛ تتحدث عن حكومة الوحدة الوطنية، وتربط تشكيلها بألأستحقاق ألأنتخابي وبمقتضيات المصلحة الوطنية، وبذلك فهي تدخل في تناقض تأسيسي، حيث أن ألألتزام بألأستحقاق ألأنتخابي أولاّ يضعف من أهمية ألأخذ بمقتضيات المصلحة الوطنية، بل ويغلب عيها ، ناهيك عن عمومية مصطلح (المصلحة الوطنية) الذي غلبت عليه صفة التقديرية، في الوقت الذي يفترض فيه، أعطاء ألأولوية في ألأختيار لمتطلبات (الحالة ألأستثنائية) التي تمر بها البلاد ، وألا فما هي الحاجة الى عملية التطعيم بهذا الشكل الذي جرى في تشكيل الحكومة، أذا كانت مقتضيات ألأستحقاق ألأنتخابي لها ألأولوية في بناء حكومة الوحدة الوطنية..؟ وتأسيسا على هذا التشكيل الذي بنيت عليه حكومة السيد المالكي، يصبح من غير الممكن أضفاء صفة حكومة (الوحدة الوطنية) على الحكومة الجديدة..! فهي في الواقع أقرب الى (حكومة أئتلافية) منها الى (حكومة للوحدة الوطنية)، أما أضفاء هذه الصفة ألأخيرة عليها والواردة في "البرنامج" ، فلا أرى فيه ألا حرفا للأنظار عن طبيعة التشكيل وأهدافه الحقيقية، وما يؤكد ذلك تحفظ بعض الكتل البرلمانية على وثيقة البرنامج الحكومي ورفضها وأنسحاب بعضها من ألأشتراك في الحكومة، ناهيك عن طابع المحاصصة الذي بنيت عليه التشكيلة الوزارية..!

• الفقرة (2) من البرنامج، لا تقدم شيئا يمت بصلة لبرنامج حكومي، وهي بمثابة تحصيل حاصل، فالحكومة سبق وأن أقرها البرلمان وفقا للدستور وهي ملزمة بالتقيد ببنوده. أما ما يتعلق بالتعديلات الدستورية ، فهي من مهام البرلمان قبل أن تكون مهمة للحكومة، وبالتالي فلا أرى ما يستدعي حشرها في "برنامج" حكومي..!

• الفقرة (3) من البرنامج؛ جاءت تكرارا لما جاء في الفقرة (1)، والغاية كما يبدو هي ترك الباب مفتوحا أمام الكتل الرافضة للمشاركة في الحكومة، وطبقا للأسس المشار اليها في تلك الفقرة..! ولا أرى فيها ما يستوجبه برنامج أو خطة حكومية للمستقبل، وبأمكان الحكومة الجديدة ورئيسها القيام بهذا النشاط من خلال الأتصالات واللقاءات التي يمكنه أن يجريها مع تلك ألأطراف..!

• الفقرة (4) من البرنامج؛ لا يمكن النظر اليها كفقرة برنامجية، بقدر ما هي الا ممارسة يومية وسلوك أخلاقي وألتزام سياسي، يفترض أن يكون من ثوابت العمل الحكومي اليومي. خاصة ما يتعلق بمباديء حقوق الأنسان التي كفلتها نصوص ميثاق ألأمم المتحدة، ولا يكفي مجرد ألأحترام لتلك النصوص، ضمن نص عمومي، وانما ألأعلان عن ألألتزام بتلك النصوص، دعما للحق والعدالة ..!

• الفقرة (5) من البرنامج؛ العمل على صيانة العراق وتعزيز وحدته وأستقلاله، فهي أقرب الى أعتبارها ألتزام حكومي تعهدي وواجب وطني، قد أقسمت عليه الحكومة ورئيسها أمام البرلمان، ولا يوجد مسوغ في تثبيها كفقرة برنامجية. أما ما يتعلق بوجود القوات ألأجنبية في البلاد وآفاق أنسحابها، وربط تواجدها ببناء القوات المسلحة الوطنية كشرط لذلك، فبقدر ما في هذه الفقرة من ضعف وعدم وضوح في الأهداف، فأنه كان من الموجبات على الحكومة الدائمة، أن تحدد سقفا واضحا وجدولة تقريبية لأنسحاب تلك القوات، وعدم ربط ذلك ألأنسحاب بشرط بناء القوات المسلحة الوطنية وقدرتها على القيام بمهامها ألأمنية، حيث أن تلك القدرة هي مسألة نسبية تقديرية..! وكان يجدر بواضعي البرنامج أن يعطوا لهذه الفقرة أولوية على غيرها من الفقرات، وأن يفرد لها نصا خاصا بها كألتزام حكومي ذي طبيعة أستثنائية، وأن يكون له نفس القدر من ألأهمية كما هو ألأمر بالنسبة للملف ألأمني ، ألذي هو ألآخر لم يحض بألأهمية المطلوبة وألأستثنائية..!
• الفقرة (6) والفقرة (7) من البرنامج؛ يمكن ألأستعاضة عنهما من خلال التوجيهات العامة والتعليمات التي تصدرها رئاسة مجلس الوزراء الى الوزارات المختلفة، ولا تملكان أية صفة برنامجية، ويقعان ضمن صلب صلاحيات الحكومة المنصوص عليها دستوريا..!

• الفقرة (8) والفقر (9) من البرنامج؛ رغم أنهما اقرب الى نصوص الدستور منهما الى برنامج حكومي وبالتزامات محددة ومحدودة في الوقت والمكان، فقد أخفقت الحكومة الجديدة ومنذ اللحظة ألأولى لتشكيلها في وضع مباديء الدستور موضع التطبيق، خاصة ما يتعلق بتطبيق روح النص للمادة الدستورية 48/الفقرة /رابعا؛ المتعلقة بنسبة تمثيل النساء في البرلمان، فجاء تمثيل المرأة في الحكومة الجديدة ضئيلا ولا يتعدى نسبة 10%. ولا تتضمن الفقرتان معالم واضحة عن خطتها في هذين المجالين..!

2/2
 

• الفقرة (10) من البرنامج؛ تناولت العناية بالعتبات المقدسة وتقديم الرعاية والدعم للسياحة الدينية، ورغم محدودية النص، فأنه كان من ألأولى ألأشارة الى شمولية سياسة الحكومة في تطوير السياحة ، لتشمل ليس فقط ألعتبات المقدسة، بل كافة المواقع التأريخية والمعالم الوطنية، وتوجهات الحكومة لتحقيق ذلك..!

• الفقرة (11) من البرنامج؛ تتحدث عن رعاية الجامعات وصيانة أستقلالها، ولكنها في نفس الوقت تمنح الحكومة الحق في أعادة النظر في المناهج التعليمية في جمبع المراحل (دون تحديد مستوياتها) أو تسميتها، مما يمكن تفسيره تعارضا مع أستقلالية الجامعات في وضع مناهجها ألتعليمية؛ فالنص في صياغته كان عموميا، كما أنه لم يتعرض الى طبيعة الخطط التي ستقدم الحكومة على وضعها موضع التنفيذ، ولم يحدد وجهة التغيير المطلوبة للمناهج التعليمية وألأسس التي ستبنى عليها. لقد كان بألأمكان أن يكون أحد جوانب البرنامج الحكومي، هو الجانب التعليمي بمختلف مكوناته وبيان تفاصيل الخطط المنوي تنفيذها، على كافة ألأصعدة بما فيها المناهج التعليمية، وعدم تشضية ألأمر بهذا الشكل وكأن المرء يقف أمام رؤوس أقلام لمواضيع غير واضحة المعالم..!

• الفقرة (12) من البرنامح؛ المتعلقة بضمان استقلالية شبكة ألأعلام العراقية والهيئة الوطنية للأتصالات، جاءت تكرارا لنص المادة (102) من الدستور، وهو ألتزام دستوري مفترض، ويعتبر كأحد واجبات الحكومة ألثابته على صعيد الممارسة. اما الشبكة والهيئة نفسيهما، فيخضعان للمسؤولية أمام مجلس النواب، وبالتالي فأن حشر هذه الفقرة ضمن فقرات "البرنامج" مثل بعض ألأخريات أنما هو بمثابة أثقال عليه..!

• الفقرة (13-18) من البرنامج؛ كافة هذه الفقرات تتعلق بالجانب الآقتصادي، وكان بألأمكان حصرها تحت هذا العنوان وبيان تفاصيل خطة التنمية الآقتصادية المقترحة للسنوات ألأربعة القادمة في خطوطها العامة، وعدم بعثرتها في فقرات تفتقد الترابط والتجانس البرنامجي..!

• الفقرة (19-21) من البرنامج، تميزت بالتداخل بين الشأن الداخلي و الشأن الخارجي، وكان بألأمكان الفصل بين ألأثنين في بابين مستقلين، بعد أضفاء الوضوح على المباديء ألأساسية للحكومة في مجال بناء العلاقات مع الدول ألأخرى..!

• الفقرة (22) من البرنامج؛ المتعلقة بتطبيق نص المادة (58) من الدستور، والخاصة بتطبيع ألأوضاع في منطقة كركوك. فقد وردت في البرنامج المطروح بصيغة التعهد وألألتزام من قبل الحكومة، وهي في حقيقتها ألتزام دستوري يلزم أي حكومة تستلم المسؤولية البدأ بتفعيل نص المادة الدستورية المذكورة، وبالتالي فله أستقلالية خاصة عن باقي خطة الحكومة البرنامجية، ولا يرى فيه المرء، جزءّ من البرنامج الذي ترسمه الحكومة، بل هو مجرد ألتزام تنفيذي منصوص عليه في بنود الدستور..!

• الفقرة (23-24) من البرنامج؛ تتعلقان بالملف ألأمني، وأن جاءا محشورتين بين فقرات أخرى من "البرنامج"، وقد كان بألأمكان أن تضع الحكومة وتحت باب خاص هو (الجانب ألأمني) المباديء العامة لخطتها ألأمنية القادمة، وسبل تطبيقها، بما فيه نص الفقرة (34) المتعلقة بتطبيق قانون المليشيات رقم( 91 ) ، وأعطاء هذا الجانب ألأهمية وألأولوية في مفردات البرنامج، لأستثنائية المرحلة الحالية، لا ألصاقه في خاتمة البرنامج المطروح وفي نفس مستوى الفقرات الأخرى، حيث أن الترتيب في تسلسل الفقرات يعطيها أهمية خاصة من حيث ألأولية ..!

• الفقرات من (25-33) من البرنامج؛ جاءت متداخلة مع بعضها رغم عدم التناظر، فمنها ما هو ذو طابع تعليمي، وآخر أقتصادي، والبعض ذو طابع قضائي أو أداري قانوني..!

مما تقدم نخلص الى القول بأن الورقة التي تقدمت بها الحكومة والتي اقرها البرلمان على أنها "برناج حكومي" في جلسة التنصيب، لا أراها تمثل من حيث تحديد طبيعة وجوهر السياسة ألأقتصادية وألأجتماعية ناهيك عن السياسية، خطة واضحة المعالم لحكومة دائمة ولأربع سنوات قادمة ، بقدر ما تبدو عبارة عن تعهدات وألتزامات عامة، يغلب عليها طابع المرحلة ألأستثنائية، بكل سماتها المتقلبة، وعلاقاتها المتشابكة على جميع ألأصعدة، كما ويظهر عليها طابع ألأنجاز المستعجل. فهذه الورقة باعتقادي كان دورها فقط، جزءّ من مراسيم تشكيل حكومة ولدت بعملية قيصرية ولكن جاءت مشلولة..! أو على حد قول السيد المشهداني رئيس مجلس النواب: «إن حكومة المالكي تم تشكيلها في ظرف استثنائي وقد تجاوزت رئاسة المجلس على بعض الإجراءات البروتوكولية بهدف إقرارها بالسرعة التي تخدم العملية السياسية في العراق في هذا الوقت الحرج» وأن « البرلمان تساهل في منح الثقة للحكومة خدمة لمصلحة الوطن التي هي فوق مصلحة هذه الجهه أو تلك التي لم تتح لها الفرصة لأن تأخذ دورها كاملا في المشاركة بها ، لان العراق فوق الجميع». صوت العراق:2/6/2006 – بغداد/ البيان

وتأكيدا لما أوردناه أعلاه نود أن نشير الى أن الورقة الحكومية لم تعط تلك ألأهمية المبتغاة من وراء كل ما جاء فيها، الى الملف ألأمني على سبيل التخصيص، بل أن بعض الفقرات المتناثرة بين السطور، والتي كتبت على أستعجال، قد أشارت وبشكل ينقصه الوضوح والتصميم، الى نوايا الحكومة بهذا الشأن، ولعل أبرزها أشارتها المستعجلة والمكتوبة على ما يبدو على مضض وفي آخر فقرة من الورقة، وهي المتعلقة بتطبيق قانون حل المليشيات رقم (91)- الفقرة(34)..!؟ هذا في الوقت الذي يشكل فيه الملف ألأمني وبأقرار الجميع، المفتاح الرئيس لأي برنامج حكومي مهما كانت كثافته أو فترة تنفيذه، لأن يجد طريقه للتنفيذ. ومع ذلك فأن هذا لا ينسي المرء أهمية تصريحات السيد المالكي وتعهداته المتواصلة في مكافحة ألأرهاب في المؤتمرات الصحفية، ومنها نشاطه الفعال والشخصي في معالجة ألأحوال ألأمنية في مدينة البصرة.!

أنه ومع كل ما تقدم ، فأن خلاصة القول؛ هو أن كل ما يتعلق بتنفيذ التعهدات الحكومية، التي تضمنتها الورقة الحكومية، رهن في تحقيقه، ألى طبيعة الظروف التي تسير خلالها العملية السياسية ومدى أصرار مكوناتها على تحقيق أهداف تلك العملية ، وصدقية تلك المكونات، آخذا بألأعتبار طبيعة التركيبة الوزارية نفسها، والتي في مقال سابق قد أشرت الى ملامح هذه التشكيلة*؛ فهي وكما أعتقد لا تستطيع ان تعمل بيسر وديناميكية بسبب تركيبتها الحالية وأسس بنائها، وأخفاقها حتى ألآن في أستكمال قوامها الهيكلي بسبب عامل الصراع وألأحتراب بين مكوناتها السياسية، وعوامل التدخل والتأثير المباشر وأللامباشر الخارجي، ولعل ازمة وزيري الدفاع والداخلية أحد المؤشرات القوية على ذلك. ولا اغالي بالقول؛ بانها ولدت وهي تحمل في رحمها بذور هلاكها..! فربما لو بنيت على اساس من الاستحقاق الانتخابي لكانت اكثر فاعلية ، لانها ستكون في هذه الحالة اكثر تماسكا على أقل تقدير، أما لو كانت حكومة وحدة وطنية حقا، وكما يجري توصيفها حاليا، لتبدلت الارادات ولكانت مصلحة الوطن في المقدمة، وهذا ما كنا نتمناه وندعو اليه دوما، وألأمل، كل ألأمل أن يدرك الجميع حقيقة ذلك..!