| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

الخميس 28/6/ 2007


 



العراق: مطبخ الوجبات السريعة..!؟


باقر الفضلي

" لا تطلب سرعة العمل وأطلب تجويده " *

التأني في أتخاذ القرارات، سمة من سمات الحكمة والتعقل، وكما قيل في الأمثال: " من تأنى نال ما تمنى "..أو " في التأني السلامة وفي العجلة الندامة "..

وكذا يبدو الأمر إن أردنا توخي المعرفة ونظرنا بعين التبصر لمدلولاتها؛ أن نحتكم الى منطق التعقل والحكمة، لما قد يبعدنا عن إرتكاب ما لا يرتضى منتهاه ولا تحمد عقباه؛ إن أحسنا الإختيار، ودققنا في أصول الأشياء، وحسبنا لكل شيء حسابه، ونهلنا من مصادر المعرفة والعلم، ما يشحذ الفكر وينير الطريق، ويبدد الظلمة..ويجنبنا صدمة الندامة..!

وبقدر ما يتعلق الأمر بخصوصية المشهد العراقي، فإنها تجد أولوياتها في البحث، في ما كثفناه من قول، وما أوردناه من مدلولات الأمثلة، وبالتالي يصبح حصراّ على المراقب، عند البحث في هذا الشأن، أن يولّي وجهه شطر " المنطق السياسي" أو المنظور بشكل أدق، لأنه الوحيد الذي يحكم الحالة ومسيرة تطورها على مدى أربع سنين ويزيد..!!

فطبقاّ للمنظور السياسي للأشياء، فإن أي قرار أو خطوة سياسية، إنما هي بنت لحظتها، وتمليها ضرورة تحقيق الهدف الذي رسمه أصحابها، والمصلحة التي يبتغونها من وراء ذلك..!

فبقدر تعلق الأمر بمسيرة "العملية السياسية" منذ الإحتلال عام 2003 وحتى الآن ، فإنها وطبقاّ لهذا المنظور، قد عكست الطبيعة الإرتجالية والمتسرعة للقرارات والإجراءات التي واكبتها، وما أفرزته في تجلياتها ومحصلتها النهائية؛ من صورة الفشل والإحباط التي إتسمت بها نتائجها ، وأظهرت مدى سوء التخطيط والتعجل الذي إنتاب قراراتها منذ البداية. كما وأنها أثبتت هشاشة الأرضية الإجتماعية – الإقتصادية، لمثل تلك القرارات والإجراءات، مما يعزز القول؛ بإندفاعية أصحاب القرار، في التعجيل بتمرير ما أصطلح عليه ب"العملية السياسية" بشكلها الظاهر للوجود ، بعيداّ عن التروي والتدقيق؛ لا في مقدماتها أو هيكلية بناءها ولا في حساب إحتمالات نتائجها وحسب، بل ولا في مدى صلاحية ونضج ظروف تطبيقها، إلا فيما عدا كونها كانت تجسد مصلحة من وقف وراءها وخطط لمستقبلها..!؟

فقد أثبتت النتائح الكارثية لكل ما تقدم، مدى عمق الأزمة السياسية والإجتماعية التي كانت مخيمة على كاهل الشعب العراقي لما يقرب من أربعة عقود، والتي بدلاّ من تلمس الحلول الموضوعية الواقعية للخروج منها، وجدت بعض القوى السياسية العراقية الحالية، أن لا سبيل لكسر طوق الأزمة، والخلاص من براثنها، غير سبيل الإقرار وتأييد الحسم الأمريكي المسلح، رغم عدم شرعيته دولياّ، أو حتى عدم التفكير بالدوافع التي كانت تقف وراء هذا الحسم..!؟؟ وهكذا ترآءى لهم، فجاءت النتائج على غير ما توقعوه..!؟

فبقدر ما كان التلهف الى السلطة بالغ الشدة والعزم، بقدر ما دفع ذلك، للسير بالأمور على وجه السرعة والعجالة لتنفيذ مسلسل القرارات التي أصر المحتل على تنفيذها في مواعيدها المقررة والمدروسة سلفاّ، لتبدوا مجمل العملية العسكرية للإحتلال، وكأنها كانت تحضى بالإستجابة والقبول، وبالمشروعية..!!؟

ومن هنا بدأت، وفي ظل ظروف غاية في التعقيد والفوضى، وتحت إشراف سلطة الإحتلال واقعياّ، بدأت عملية الطبخ السريع لإمور مصيرية مثل؛ الإنتخابات ، والدستور، والبرلمان، وبمشاركة جماهيرية واسعة، كان دافعها، توق الجماهير للخلاص من حالتها البائسة المستعصية؛ وهكذا وبوحي من ذلك، رسمت صورة زاهية لمستقبل عراقي زاهر جديد..!؟

أما على صعيد النتائج، وما ترتب على هذه العجالة والألحاحية في التنفيذ، فيكفي فقط، إلقاء نظرة سريعة على مفرداتها ليتبين المرء؛ مدى الفقر والشكلية التي غرقت فيها هذه "المنجزات"- كما يعبر عنها-، ومدى ما سببه قصورها، وإرتجاليتها، والمآخذ التي سجلت عليها، وردود الفعل التي جابهتها؛ من حالة التردي والإخفاق الذي أحاق بمجمل "العملية السياسية" وعلى جميع مستوياتها، وعمق الشرخ والتفكك الذي لحق بمكوناتها السياسية..!؟

فكيف والحال إذن؛ أن تبدو الصورة زاهية في ظل هذا الكم الرهيب من أعداد الضحايا، من القتلى والمشردين، والحجم الهائل لأعداد المهجرين والمهاجرين..!؟؟ إنه حال يبعث على الحزن والأسى والمرارة، ولسنا بحاجة الى تكرار ما تلفظه الأحداث كل يوم..!!؟

فقد شكلت حالة المشهد العراقي صورة كالحة، وتبدو أكثر مأساوية إذا ما أقترنت بالإرهاب وما جلبه على الوطن من كوارث دموية..!؟

فالإرهاب، وكما يعلم الجميع، وقد أشرنا لذلك مراراّ، هو الوليد الذي أحتضنته ورعته حالة الإحتلال، والذي ناخ بكلكله على كاهل الشعب، ليفسد كل شيء، وليتصدر كل شيء، وليحصد كل شيء، فهو الغائب الحاضر، وهو "السبب والنتيجة"، حتى بات ملاذاّ وموئلاّ لكل من يحجم عن قول الحقيقة، أو يحاول تبرير حالة العجز والإخفاق..!!؟

وبدلاّ من أن يتعظ الفرقاء السياسيون الجدد، من تجربة تداعيات التعجل بإتخاذ القرارات المصيرية السابقة كالدستور مثلا، والتي أسهمت في إيصال البلاد الى حافة الهاوية؛ تراهم يحثوا الخطى، لاهثين وراء تشريع قرارات وقوانين جديدة لا تقل أهمية عن سابقاتها ، ومنها على سبيل المثال مشروع قانون النفط والغاز وفدرالية الأقاليم وغيرها، خاصة وإنها ليست في معرض الضرورة القصوى كما يشاع ويتوهم، وتحت ضغوط لم تعد مصادرها ولا المنتفعون منها خافية على الجميع، لطبخها وفقاّ لمواصفات مطابخ "ماكدونالد" للوجبات السريعة..غير آبهين بنتائجها..!؟

فأي حكمة تلك، فيما ستقدم عليه هذه السلطات؛ من تعجيل في وتيرة السباق على إقرار وتشريع قوانين وقرارات مصيرية لا زالت في وارد الإختلاف، وفي أجواء ظروف التناحر والصراع السياسي، وتحت قيود نظام المحاصصة، وفي ظل هجمة إرهابية شرسة وفلتان أمني بلا حدود، وتدخل إقليمي ودولي سافر...؟؟!

لقد بات عسيراّ التكهن بالتوقعات، بعد أن إختلطت جميع الأوراق، وتوحد خطاب النقد في شكلياته رغم تمايزه في النوايا والأهداف، من هول بشاعة النتائج التي ألقت بظلالها على الجميع، وما هيأته من مناخ مناسب وتربة صالحة، لتسويق كل شيء؛ للتصيد والإنسلال والتلون وركوب الأمواج والمزايدات المشبهوة..!؟

لقد كان الثمن باهضا،ّ ومن هول الكارثة بتنا نعيد أنفسنا كل يوم..!؟
فعسى في مثلنا الذي سقناه في أعلاه، ما يغني عن الجواب..!!؟
فالعبرة كما يقال؛ دوماّ بالنتائج..!!؟


*- من مأثور كلام الإمام علي بن أبي طالب -(ع)