السبت 28 /1/ 2006

 


قناة "الفيحاء" ليست أستثنأْءّ...!

 

باقر الفضلي

ان يكون المرء اكثر عقلانية واكثر واقعية، خير من أن تستعجله ردة فعل عمياء، لا يبصر فيها ابعد من ارنبة أنفه، فيلجأ للسب والشتم، او يركن للمديح والتعظيم ..! لا يدفعه لذلك، غير جهل بأصل الأمور، وأسباب الاشياء..! مدفوعا بعاطفة عمياء، أو أسترضاء لشعور يجد أنعكاسه فيما يسمع أو يرى، فيما يستهويه لحظة فرحه أو يغيضه وقت غضبه...!
" الفيحاء " وغير الفيحاء، كلها تعمل في مشترك واحد؛ وليس هناك من سبيل لمقارنة الواحدة بالاخرى..! بل ولا توجد هناك حتى حاجة، ان تنابز الواحدة منها الاخرى.!!؟ ما يجمع "الفيحاء" مع غيرها من الوف الفضائيات في العالم، كونها تمارس نفس المهنة، وينظر اليها نفس النظرة، وتحكمها نفس القوانين و الانظمة..! الوحيد الذي يميزها عن الاخريات، هو بضاعتها المطروحة؛ والجمهور الذي يجد نفسه مأسورا الى "خاصتها" ومشدودا الى " تفردها"...!!
في بلد كالعراق؛ الغارق حتى أذنيه؛ في وحل الفوضى، وغياب القوانين، وسعير الطائفية؛ في بلد أنتهكت سيادته.. ، وسرقت ثرواته... وتمزق نسيجه المجتمعي...!؟ ومواطنه المغلوب على امره؛ المسحوق بين مطرقة الفلتان الأمني، وسندان الخدمات المفقودة ؛ المحشور بين فكي الارهاب وعجز السلطة..!!؟ المواطن الذي زورت ارادته عند صناديق الانتخابات، وخيبت آماله في كل الدعوات..! الذي من ذعره، راح ينشد الامن لدى العشيرة، ومن وجله راح يلتمس الاطمئنان لدى الطائفة والمذهب..؟! يتملق الشيخ والامام..ويتعلق باذيال الحاكم والمتنفذ ..!!
هذا المواطن ؛ الذي من عطشه للحرية، ومن خوفه من غده القادم، وهلعه من يومه الذي لا أمن فيه؛ أغشى بصره " البنفسجي"، وأعمت بصيرته الفتاوى والتأويلات..! وأرعبته مشاهد الحرق والاغتيالات؛ مصحوبة بنذر الشؤم؛ من قادم قد لا يرحم ، أو مستكبر يسومه العذاب..!
المواطن المذهول، في الوطن المرتهن.. أصبح سوقا مفتوحة لكل الطالبين..! وليست "الفضائيات" ذلك الاستثناء..!؟ الرابح فيها ؛ الشاطر الذي يقرأ اللعنات، ويسبر غور النفوس ، وينفس عن المكروبين، فاتحا قناته "ديوانا للمظالم"، أو سوقا للتراشق بين المتراشقين، من شاتمين أو مشتومين..!!؟
و"الفيحاء" ليست اسعد حالا من الاخريات من عربيات أو عراقيات..! أن مسها شيء من الظن "بالطائفية" ، فالسوق العراقية نفسها حبلى "بالطائفية" ..! من قمتها حتى الاقدام..! لآ "الفيحاء" ولا غيرها من "موزعي " كوبونات الاعلام؛ كانوا يوما قساوسة او كهان..! فالحيادية والاستقلال، أمران نسبيان..!! وأن سوق "الوطنية" مشحون بالعديد من حاملي "العنوان"...!؟
فأن تغلق "الفيحاء" بأمر آمر، شيء، أو أن تتهم بالطائفية والانحياز، شيء آخر..! أو تطعن بقدرات من يقومون على أدارتها ، فليس في الامر ما يخجل منه..! فالسوق مفتوحة للجميع ، للغض وللسمين، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها..! فالمواطن المهموم يبحث دوما عن المكان الذي يجد فيه متنفسا عن كربه ومعاناته..! فأن وجد في "الفيحاء" مبتغاه مال اليها.. وأن وجده عند غيرها أنصرف عنها..!؟ والرزق على الله..!!
فمن هلل وطبل، وتنفس الصعداء لأمكانية غلق "الفيحاء"، انما في الحقيقة، قد وضع نفسه في موضع المحتكر والشامت..! واستعدى على غيره بما قد ينصرف عليه نفسه.! " تصور الامر معكوسا ...!" *

وبعيدا عن كل ما له صلة بالاسباب التي تدفع للغلق، فأن الامر الاكثر خطورة؛ هو أن تلجأ جهة رسمية الى "إلغاء" اجازة قناة فضائية اوصحيفة، أو غيرها من وسائل الاعلام، دون أن تقاضيها فيما أذا خرقت أو تجاوزت تلك القناة أو الصحيفة حدود القانون..! أن حرية الرأي قد ضمنتها اغلب دساتير العالم، أما اذا كانت البلدان العربية هي الاستثناء من ذلك، فأن التأريخ العربي زاخر –والحمد لله- بأمثلة كثيرة عن حساسية السلطة والحكام من وسائل الاعلام..!

* - من بداية بيت شعر للشاعر الكبير (محمد مهدي الجواهري)


موقع الناس     http://al-nnas.com/