| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

الأحد 28/11/ 2010



فلسطين : إشكالية خطاب "المقاومة" والتعنت الإسرائيلي..!

باقر الفضلي

في مقال سابق عالجت فيه مفهوم "المقاومة" في أبعاده السياسية والإجتماعية الإنسانية، كونه يعبر عن أهداف سامية نبيلة، في حسابات الشعوب المناضلة من أجل التحرر والإستقلال والسيادة، وتناولت جوانبه الإيجابية والسلبية وشروط اللجوء اليه والحدود التي تسمح بذلك..!

ولا أريد في هذا المقال تكرار ما أشرت اليه ، وأترك للقاريء الكريم ممن إطلع أو لم يطلع على تفاصيل ذلك، العودة الى ذلك المقال الموسوم " إشكالية خطاب المقاومة..ملاحظات أولية"،(1) لما تضمنه من مقاربة ذات علاقة مع حقيقة ما يدور اليوم من إستقطاب حاد في الساحة الفلسطينية بين فصائل القوى الوطنية، والذي وجد تعبيره الصارخ في الدعوات المتعارضة التي تطلقها تلك الفصائل حول خيارات الشعب الفلسطيني في تحديد الطرق والوسائل المناسبة التي ينبغي إنتهاجها لتحقيق أهدافه في الوصول الى إعلان دولته الوطنية الديمقراطية الموحدة وعاصمتها القدس..!

فالعدوان الإسرائيلي الأخير على شعب غزة، قد عزز من شدة الإنقسام المكرس أصلاً منذ إنفراد حركة حماس بقطاع غزة عام/2007، وتكريس إنقسام التراب الفلسطيني، الذي تبعه تمزيق وحدة الشعب وتفريق كلمته، ليجد الجانب الإسرائيلي ضالته في تلك الفرقة، محاولاً تعزيزها بكل ما أوتي من وسائل وطرائق لتعميق ذلك التمزق..!

وفي ظل ما جرى في أوائل شهر ايلول من هذا العام، على الصعيد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، من مفاوضات مباشرة بين السلطة الفلسطينية ممثلة برئاسة السيد محمود عباس، والحكومة الإسرائيلية ممثلة بالسيد نتنياهو، فإن أمرين بالغا الأهمية، ولهما تأثيرهما المباشرعلى مجرى تلك المفاوضات، وبصفة خاصة في جانبه السلبي، باتا يتحركان جنبا الى جنب وكأنهما رديفان في تلك الحركة، فإذا إهتز الأول تحرك الثاني وكأنه صداه، أو رد فعل له، أو كأنهما سبب ونتيجة يتبادلان الأدوار بالتتابع..!؟

فمنذ إنطلاقة المفاوضات المباشرة في الثاني من أيلول الماضي، باشرت حركة حماس إعلانها برفض تلك المفاوضات والتحشيد ضدها على المستوى الإعلامي، لتعقبه بعمل على الصعيد الميداني، تجسد في "عملية الخليل"، ومحاولات إطلاق الصواريخ، لينبري من جانبه الجيش الإسرائيلي الى الرد بالمثل، فتقصف طائراته غزة، ويقدم أخيراً على إغتيال أحد قادة حماس الميدانيين في الضفة الغربية اليوم 17/9/2010 في مخيم طولكرم، إنتقاماً لعملية الخليل..!؟

ولكن اللافت للأمر، وهذا ما يؤكده بعض من قادة الحركة ولعدة مرات؛ هو ما تسعى اليه الحركة من نقل "أعمال المقاومة" من نطاق قاطع غزة المسيطر عليه من قبلها الى الضفة الغربية، بإعتبار أن غزة قد جرى تحريرها من إحتلال " العدو" على حد تعبير البعض منهم، والآن جاء دور الضفة الغربية، وآن أوان تحريرها من الإحتلال، أو ما تعلنه قيادة الحركة بإستمرار : من أن مشروعهم أمام الإحتلال، هو المقاومة..!!؟؟

لا أظن أن هناك من وضوح أكثر من ذلك، ومن هنا فلا غرابة أن يُدق ناقوس الخطر منذراً بما قد يواجه عملية المفاوضات المباشرة من تهديدات جدية بإمكانية الفشل، التي سيكون من نتائجها المتوقعة، إشعال فتيل حرب عدوانية إسرائيلية، ليست في سعيرها ودمارها بأقل من غزوة غزة الأخيرة ورصاصها المصبوب، وهذا ما إنفك يهدد به عتاة العسكريين الأسرائيليين، وسيمنح اليمين الإسرائيلي الحاكم الفرصة للتمادي في التسويف بشأن إقرار الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وتمرير مخططاته في تثبيت حالة الإستيطان والتوسع بها بشتى الوسائل، للوصول الى أهدافه بتهويد القدس وإخلائها من سكانها الفلسطينيين، ولا أظن أن أحداً من قادة حركة حماس لا يدرك تلك الحقيقة، أما تجاهلها فهو الطامة الكبرى، خاصة وأن كل فرضيات الفشل التام للمفاوضات المباشرة، تسري على صعيد الواقع، كمسرى النار في الهشيم، بفعل التعنت الإسرائيلي الذي يجسده السيد نتنياهو، وكأنه في تناغم مع أمثال تلك التصريحات، بتصريحات أكثر تطرفاً حول "الدولة اليهودية" و"رفض وقف الإستيطان" و "تحذير الفلسطينيين من الذهاب لمجلس الأمن" وأخيراً وليس آخراً ، ما جاء به من " قانون الإستفتاء" و" قانون القدس عاصمة الدولة اليهودية" و"موقفه المتشنج من تسمية حائط البراق وليس حائط المبكى" ، ليجعل من كل ذلك عصياً في عجلة مركبة المفاوضات المباشرة، المتوقفة حالياً رغم ما يبذله راعي تلك المفاوضات، الولايات المتحدة الأمريكية، من جهود بين الطرفين لأستعادتها، والتي يريد السيد نتنياهو، أن يقودها طبقاً للطريق التي رسمها وحكومته العنصرية، وبالتالي دفع الفلسطينيين للإذعان بالقبول بها كأمر واقع..!!؟؟

فالتعنت الإسرائيلي، المدعم بالتهاون والتهادن الأمريكي، كما في صفقة " كلنتون _ نتنياهو" الأخيرة للعودة للمفاوضات، بات يشكل المحرك الرئيس في وقف عملية السلام في الشرق الأوسط، بكل ما لتداعياته على تلك العملية من آثار مدمرة، لدرجة أصبح معها من المسببات البنيوية والأساسية في رفع درجة التطرف في المنطقة، وإستمرار حالة التأزم الداخلي بين شعوبها، وأحد الأسباب الفاعلة في إفشال اية حلول ذات طابع سلمي لمشاكل المنطقة، إن لم يكن على العكس من ذلك، فهو أول من يقف ورائها ومن يؤجج نيران إشتعالها، وفي النهاية أول من يرفع عقيرته شاكياً من إنتفاضة الشعب الفلسطيني حتى وإن كانت بالحجارة؛ ليطالب ب" الأمن أولاً " من "إرهاب" موهوم، وإعتراف ب "يهودية" دولة عنصرية، و"مستوطنات يهودية" محمية في قلب الوطن الفلسطيني، وغيرها من المطالبات المشروطة واللامنتهية..!!؟

لقد أصاب رئيس الحكومة اللبنانية السيد سعد الحريري في حديثه الى صحيفة الشرق الأوسط في عددها 11687 بتأريخ 27/11/2010 كبد الحقيقة، حينما أشار الى عدم وجود عملية سلام حقيقية في الشرق الأوسط، ومرجعاً كل أسباب نمو التطرف الى إنعدام مثل تلك العملية، وداعياً في عين الوقت، المجتمع الدولي الى الإستيقاظ والمضي قدماً في عملية السلام..!

وفي ظل هذه الظروف الملغومة بالتلاعب الإسرائيلي، تصبح وحدة الصف الوطني الفلسطيني، في مقدمة الأهداف التي ينبغي السعي من أجل تحقيقها؛ وما المصالحة الوطنية، إلا إحدى المساهمات الفاعلة في تحقيق الهدف المذكور، وبعكسه فإن الطريق سيكون مفتوحاً أمام حكومة إسرائيل العنصرية بالتمادي في سياسة الإستيطان وتهويد القدس وعرقلة قيام الدولة الفلسطينية الموحدة الديمقراطية، في وقت تكون فيه القوى الفلسطينية مشغولة بتفاصيل ملف المصالحة ومطبات حسن الثقة وتبادل الإتهامات..!
 

(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=95290




 


 

free web counter