| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

الخميس 23/10/ 2008



الإتفاقية الأمنية والمأزق المزدوج..!

باقر الفضلي

الأيام القليلة الماضية والحالية، كانت من أصعب وأشد الأيام حلكة ومعاناة على مجمل الكتل السياسية الحاكمة في العراق اليوم؛ فقد لعبت الإدارة الأمريكية ذات الخبرة البعيدة في عمقها التأريخي في خلق الأزمات وفي حلها وفق هواها ومصالحها الأستراتيجية، أن ترمي الكرة الزئبقية في ملعب تلك الكتل الحاكمة لتضعها في مأزق الإجابة، وخلال فترة قصيرة من الزمن، عن رأيها في الصيغة النهائية لمسودة الإتفاقية "الأمريكية – العراقية" الأمنية دون تعديل أو تبديل..!؟

ولحد هذه اللحظة لم يمتلك أي طرف من الأطراف السياسية موقفاً واضحاً من مسودة الاتفاقية الاخيرة، والجميع يتقاذف الكرة ليحمل الآخر مسؤولية البت في أمرها، وإذا ما تجاوزنا الطرف الكردي ، فإن باقي الكتل السياسية تراوح في أماكنها وبحياء تعلن بأنها ليست مع الرفض او القبول، وإن الأمر يحتاج الى المزيد من الدراسة والتدقيق والحبل على الجرار؛ وحتى اللحظة لم تبادر الحكومة الى عرض بنود الإتفاقية على الشعب وتستفتيه بأمرها ليقول كلمته فيها دون لف أو دوران، وبعد الأخذ والرد، ألقى مجمع القيادات السياسية المتمثل بالمجلس السياسي للأمن الوطني، وبعد يومين من الإجتماعات "الثقيلة"، بالكرة في ملعب الحكومة العراقية، التي بدورها رفضت الصيغة المطروحة للإتفاقية وطالبت وزرائها بإبداء مقترحاتهم حول التعديلات المطلوبة على مسودة الإتفاقية..!؟

أما ما تظهره التصريحات الأخيرة للإدارة الأمريكية من خلال ردود فعلها على الموقف الأخير للحكومة العراقية من مسودة الإتفاقية في شكلها الأخير، والتي تمثلت في تحذير رئيس الأركان للجيش الأمريكي السيد مايكل مالن، والناطقة بإسم البيت الأبيض السيدة دانا بيرينو ، وأخيراً وزير الدفاع الأمريكي السيد روبرت غيتس، فإنها جميعاً تدور حول محور واحد لا يتعلق بمضامين إعتراضات الحكومة العراقية على مسودة الإتفاقية، بقدر ما يركز على أولوية التوقيع على الإتفاقية وإقرارها من قبل الجانب العراقي، وبالتالي فلم تأت تحذيرات رئيس أركان الجيش الأمريكي للطرف العراقي المبطنة بالتهديد الضمني لما قد يواجهه العراقيون من مخاطر أمنية وخيمة في حالة عدم التوقيع على الإتفاقية؛(1) أقول لم تأت عبثاً تلك التحذيرات، لتشعرنا بمدى جدية الموقف الأمريكي في تعامله مع أمر التوقيع على الإتفاقية من قبل الجانب العراقي، وكم هو غاية في الأهمية بالنسبة للجانب الأمريكي، أن ينتهي الأمر بوجود إتفاقية تحقق المصالح الأمريكية في الدرجة الأولى والأهداف المتوخاة من غزو العراق وإحتلاله، ولا ضير فيما بعد من الإستماع لطلبات العراقيين وما يبتغونه من تعديلات على النصوص، وهذا ما أكده وزير الدفاع مؤخراً رغم تحفظه المتشدد على المطالب العراقية..؟(2) (3)

إن الإدارة الأمريكية وبكل ما تمتلكه من أوراق اللعبة السياسية العراقية وتداخلاتها الإقليمية ، تدرك جيداً بأن الوقت يسير بالإتجاه المعاكس لصبر الحكومة العراقية، التي ألزمت نفسها بإنهاء التفويض الأممي لقوات متعددة الجنسية في نهاية هذا العام، كما تدرك بأن موقفها الضاغط على الحكومة بإتجاه التوقيع على الإتفاقية ، ليس وحده من يرهق كاهل الحكومة، بل هناك موقف كتلة الأحزاب الكوردية هو الأخر من يشكل ضغطاً مستمراً على الحكومة لدفعها الى التوقيع على الإتفاقية بصيغتها المطروحة، رغم ما للحكومة من تحفظات عليها. هذا الى جانب ما تعلمه تلك الإدارة يقيناً، من ضغوط تداعيات وحساسية التدخلات الإقليمية وفي مقدمتها إيران في الشأن العراقي، وإمتدادات ذلك التدخل عبر أوساط سياسية عراقية ذات نفوذ وتأثير على القرار العراقي، مما يضع الحكومة العراقية في وضع التردد والحيرة في إتخاذ الموقف الواضح من الإتفاقية، خاصة عندما يتعلق ذلك الموقف في نتائجه، بما ستؤول اليه العلاقة مستقبلاً بين الأطراف الحاكمة ودول الجوار، إذا ما علمنا بأن إيران تقف في مقدمة الدول الرافضة للإتفاقية..!؟

كل هذه الأوراق وأوراق أخرى غيرها ومنها الموقف الأمني والأصول النقدية العراقية المحفوظة في البنوك الأمريكية بعهدة الإدارة المذكورة، وضعف البنية العسكرية للجيش وقوات الأمن العراقية، وهذا ما أكده دعماً للموقف الأمريكي حول تلك القدرات، كل من وزيري الدفاع والداخلية العراقيين، جميعها تشكل أوراق ضغط فاعلة بيد الإدارة الأمريكية على الموقف العراقي، وقد بينت تلك الإدارة سواءً تلميحاً أو تصريحاً خلال اليومين الماضيين ما تعنيه تلك الإتفاقية بالنسبة لها من الناحية الإستراتيجية، بل حتى إستهانت بأية بدائل أخرى غير الإتفاقية..!؟(4)

كما شدد الأعلام المساند للموقف الأمريكي وفي مقدمته قناة الحرة الفضائية وإذاعة راديو سوا وعدد من الكتاب العراقييين، من ضغوطه هو الأخر، مستخدماً نفس تلك الأوراق بالإتجاه الذي يمثل أحدى عوامل الضغط المطلوبة على الجانب العراقي، ممزوجة بين التحذير والترهيب والنصح والإرشاد، من أجل دفع الحكومة العراقية بقبول التوقيع على الإتفاقية في صيغتها المطروحة أخيراً، وإلا فما بعد ذلك غير "الطوفان"..!؟

ولعل من البدهي القول؛ بأن ورقة الضغط بالتهديد بالتدخل الأيراني، تقف في مقدمة جميع تلك الأوراق، لحساسيتها بالنسبة للعديد من الكتل السياسية العراقية، والتي بهذا الشكل أو بغيره قد وجدت في موقف السلطات الإيرانية وتدخلها في الشأن العراقي زائداً موقف بعض الساسة العراقيين ممن أعلنوا عن موقفهم الرافض للإتفاقية من منصة القيادة الإيرانية، مثل موقف الجعفري الأشيقر أو أحمد الجلبي على سبيل المثال، مما يعطي زخماً كبيراً للماسكين بهذه الورقة وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية، ويعمل على سهولة خلط الأوراق بين جميع القائلين برفض الإتفاقية أصلاً أو مسودتها الأخيرة بصيغتها المطروحة بما فيهم الحكومة العراقية، ووضعهم جميعاً في الخانة الإيرانية، ناهيك عما يمثله لغط التكهن بالمبالغة بتضخيم الخطر الإيراني من قبل الجانب الأمريكي، وفي إطار حالة الصراع والتوازن القائم بين نفوذ البلدين في المنطقة، من عوامل الضغط النفسية على المفاوض العراقي من جهة، وبث حالة من التطير والتشوش بين المواطنين..!؟؟

ومن البدهي القول أيضاً، أن مسودة الإتفاقية المطروحة، والتي لا يحتاج المرء كثيراً الآن لتأكيد صياغتها الأمريكية من جهة، والحاجة الأمريكية الماسة لإقرارها من جهة أخرى؛ بأنها إتفاقية أمنية ذات أبعاد سياسية عسكرية، ولها تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على مجمل منطقة الشرق الأوسط سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً، وبالتالي فهي ليست مجرد إتفاقية لرسم الحدود بين بلدين أو لفض نزاع حول أراض وممتلكات، أو مجرد إتفاقية لتدريب القوات المسلحة أو لتوريد الأسلحة، أو إتفاقية لتنظيم وجود قاعدة عسكرية في بلد ما إو غيرها من الإتفاقيات العادية؛ فالإتفاقية المطروحة لا تنظم فقط وجود القطعات العسكرية الأمريكية المتواجدة في العراق بعد الإحتلال من الناحية التنظيمية ومراعاة علاقتها مع العراق من الناحية القانونية، فهي وبالرغم من كل ذلك، تذهب بعيداً الى حدود المشاركة الفعلية بين قوات الطرفين في أعمال قتالية على الصعيد الداخلي أوالخارجي، ولأهداف غير واضحة المعالم وبتسميات عمومية عن خطر دائم، وعدو غير مُعَرف، ولفترت زمنية غير محددة، وهذا في الحقيقة، ما يشكل الجوهر الأساس في صلب هذه الإتفاقية، وهو ما يعطيها أهمية إستثنائية من زاوية نظر كلا الطرفين المتعاقدين، الى مدى مصلحة أي منهما، من تداعيات تلك الأفعال القتالية ونتائجهاالمحتملة وأهدافها المرسومة..!

وبغض النظر عن توصيف تلك الأعمال القتالية، فمن نافل القول التساؤل؛ فيما إذا كان الطرفان المزمعان التوقيع على مثل تلك الإتفاقية متماثلين في إهدافهما وإمكاناتهما وخططهما المرسومة لتحقيق الأهداف التي رسمتها الإتفاقية الأمنية – العسكرية صاحبة الشأن، والتي توجزها الإتفاقية في أن: «حكومة العراق تطلب المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة بغرض مساندتها في جهودها من اجل الحفاظ على الامن في العراق، بما في ذلك التعاون على القيام بعمليات ضد «القاعدة»، ومجموعات إرهابية اخرى والمجموعات الخارجة عن القانون، بما في ذلك فلول النظام السابق». أم أن الطرف العراقي سيرتهن بقية ثروته النفطية المهدورة أصلاً، لتسديد فواتير نفقات حروب أمريكا القادمة..؟!(5)

وهل حقاً إن التحذيرات وما تبطنه من تهديدات ، والتي عبرت عنها ردود الفعل الأمريكية على موقف الحكومة العراقية من مسودة الإتفاقية أخيراً، ما يعكس حسن النية التي ينبغي أن يفترضها المرء بالنسبة لطرف مثل أمريكا ينوي إقامة حالة تعاقدية مع طرف أقل حجماً وإمكانات إقتصادية وبشرية وعسكرية مثل العراق..؟!

أم أن بناء الثقة وإفتراض حسن النية بين الدول الكبيرة والصغيرة يمكن أن يقام من خلال التلويح بالهراوة الغليضة، أو بإستخدام قوانين شريعة الغاب، كما تشير بذلك الخارجية الأمريكية في آخر تصعيد للتحذيرات الأمريكية الموجهة للجانب العراقي..؟؟!(6)

فمن خلال التلويح بصيغ التحذير والتهديد المبطن الذي يستخدمها الجانب الأمريكي إتجاه العراقيين في حالة عدم التوقيع، والموقف المتردد الذي يلوح في الأفق العراقي من الإتفاقية الأمنية الذي إستمر زهاء السنة، والإحجام عن عرض تفاصيل بنود الإتفاقية وطبيعة التحفظات العراقية على تلك البنود، على الشعب العراقي، وبالأخذ بطبيعة الأوضاع السائدة في المنطقة، على الصعيد الداخلي والإقليمي والتوازن الدولي، وإحتمالات توقعات حملة الإنتخابات الأمريكية، وتداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة على مصير النمو الإقتصادي العالمي وبالذات الأمريكي، كل هذا زائداً ما يلوح به الجانب الأمريكي من هشاشة الوضع الأمني العراقي وإحتمالات تدهوره الى الأسوء؛ ما يوحي للمرء بمدى عمق المأزق السياسي الذي يجد الجانبان فيه نفسيهما، وما تمثله بالذات تداعيات حالة الأزمة الإقتصادية الحادة التي يمر بها الإقتصاد الأمريكي في وقت أشرفت فيه الإدارة الأمريكية الحالية على الأفول، تاركة ورائها أمريكا وهي تجر أذيالها محملة بما لا يقل عن ثلاثة تريليون دولار من المديونية وتوقعات بتدهور نسب النمو الإقتصادي الى حدود مخيفة من الركود والإنهيار الإقتصادي..!؟


(1) http://www.metimes.com/Politics/2008/10/21/us_warns_time_running_out_as_iraq_cabinet_meets_on_pact/afp /
 http://www.yanabeealiraq.com/news_folder/n22100801.htm
(2) http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE49K18520081021
(3) http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_7682000/7682501.stm 
(4) http://www.radiosawa.com/arabic_news.aspx?id=2018518&cid=5
(5) http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=4&issueno=10919&article=491487&search
 =الاتفاقية%20الامنية&state=true

(6) http://www.radiosawa.com/arabic_news.aspx?id=1721006&cid=24

 

free web counter