| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

الخميس 1/7/ 2010



العراق: الكهرباء وحكمة الفشل..!!

باقر الفضلي

لم تمض إلا سويعات معدودة على قيام أبناء البصرة الكرام بتشييع "نعش" "المفقودة" الكهرباء" حتى أقدم السيد وزير الكهرباء على تقديم إستقالته من منصبه الوزاري يوم الإثنين 21/6/2010 بعد سلسلة من المظاهرات التي إجتاحت مدن البصرة والناصرية والرمادي وبابل، مطالبة بالكهرباء وتوفير الخدمات العامة من قبل الحكومة، وبعد وقت طويل من الشكوى والمعاناة، وبعد أن تعذر عليه تقديم أية وعود أخرى جديدة لزيادة نسب الكهرباء الى المحافظات كسابق عهده، وبعد أن أصبح الطريق مسدوداً أمامه والحكومة لتلبية مطالب الجماهير،(1) الأمر الذي دفع بالسيد رئيس الوزراء التعجيل في محاولة لتبريد الحديد الساخن والتهوين من الوضع المتردي، والذي بات الكثير من السياسين والمراقبين ينعتونه ب "إنتفاضة الكهرباء" ، وللتسمية قريناتها في تأريخ العراق القريب، مثل إنتفاضة عمال كاورباغي/1946، وإنتفاضة عام/1948 ضد معاهدة بورتسموث، وإنتفاضة تشرين الثاني عام/1952، وآخرها إنتفاضة آذار/1991 ، فعقد مؤتمراً صحفياً في مساء 22/6/2010 الثلاثاء، معترفاً فيه بعمق أزمة الكهرباء، ومشيداً بكفاءة السيد وزير الكهرباء ومؤكداً فيه؛ التحذير من خشية إستغلال أحداث التظاهر سياسياً من قبل أطراف منتفعة، وغيرها من أمور السياسة الأخرى..!؟(2)

فما الذي تشير اليه إستقالة السيد الوزير، وما الذي تعلن عنه تحذيرات السيد رئيس الوزراء، في أتون هذه الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد..؟!

لعل في تصريحات السيد رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي آنف الذكر، ما يغني عن أي من التكهنات والإستقراءات حول حقيقة ما إنتهت اليه تداعيات سياسة الحكومة في مجال الخدمات وبصفة خاصة "الكهرباء"، فبقدر ما يتعلق الأمر بهذا الشأن، فقد جاءت تلك التصريحات، متجاوبة مع تصريحات السيد وزير الكهرباء المستقيل في مؤتمره الصحفي الأخير، مرجعاً فيه أهم أسباب مشكلة النقص في الطاقة الكهربائية، الى الإفراط والفوضوية في إستهلاك الطاقة من قبل المواطنين، من خلال التوجه المتسارع الى إقتناء أعداد كبيرة من الأجهزة والمعدات الكهربائية التي لا تتناسب في أعدادها مع حجم الطاقة الكهربائية المتوفرة فعلاً، هذا من جانب، ومن جانب آخر، الى قلة التخصيصات المالية المفترض تقديمها الى الوزارة المعنية، من أجل إنجاز مشاريعها في زيادة الطاقة..!؟(3)

ومن هذا يفهم وكأنه لا مسؤولية لوزارة الكهرباء ولا للحكومة في مسألة الإختلال في ميزان التوازن الحاصل بين الأستهلاك والإنتاج للطاقة الكهربائية في البلاد، كما ويظهر بأن المواطن وحده من يتحمل مسؤولية هذا الإخفاق، نتيجة لفوضوية الحالة الإستهلاكية للطاقة على حد تصريحات السيد وزير الكهرباء..!!؟؟

يبدو الأمر منطقياً في عرف التخطيط والإقتصاد، ومما لاشك فيه فإن دلالات تبريرات السيد الوزير المدعومة بتأييد السيد رئيس الوزراء، بإمكانها أن تناطح مئات اللافتات التي رفعها المتظاهرون تنديداً بفشل سياسة الوزارة وبأداء السيد الوزير، في تأمين ما يكفي من الحاجة الضرورية للطاقة الكهربائية، ولكن الحقيقة تقول شيئاً آخر، فالتبريرات التي وردت على لسان السيد الوزير والمدعومة من قبل السيد رئيس الحكومة، لا يمكنها أن تصمد أمام أحكام وقوانين التخطيط أو الإقتصاد، ناهيك عن الواقع الموضوعي؛

فالإستهلاك "الفوضوي" للطاقة من قبل المواطنين، غير معني به المواطنون أنفسهم، في وقت بات فيه حصول المواطن على " إمبير " من الطاقة الكهربائية، حلماً لا يراوده إلا في المنام، فالمعني الأول بالأمر هي وزارة الكهرباء نفسها، ومن بعدها الوزارات الحكومية الأخرى، مثل وزارة التخطيط ووزارة التجارة ووزارة النفط، والجميع هم في مقدمة من يهمه شأن هذا الإستهلاك لا غير؛

فإذا ما كانت أبواب الحدود مشرعة أمام الإستيراد "الفوضوي" للمنتجات الكهربائية بمختلف أنواعها، وبما يلبي نهم سماسرة وتجار المولدات الكهربائية من حديثي النعمة حد التخمة، وإذ تمتليء أرصفة الشوارع بما يسر الأعين من تلك المنتجات، وفي غياب سياسة تخطيطية محكمة، بإمكانها تقدير حجم الإستيراد من المنتجات الكهربائية، بما يتناسب والحجم الحقيقي المتوفر من الطاقة الموجودة في البلاد أصلا، ومقدار ما موجود منها كإحتياطي الطواريء، وتجاهل حدود قدرة شبكات نقل الطاقة ومدى صلاحياتها، كل ذلك إرتباطاً بضعف التنسيق الدقيق مع الوزارات الأخرى المعنية بإمداد الوقود اللازم لتشغيل محطات إنتاج الطاقة، و..الخ من سوء تقدير حجم الإمكانات المتاحة من القوى والكوادر المهنية العاملة، وغيرها من المستلزمات الفنية والهندسية ذات العلاقة، وفقدان كل ما يصب بإتجاه ترشيد الإستهلاك، الى جانب قصور الوزارة وأجهزتها الفنية في رفع وزيادة الطاقة الإنتاجية لمحطات الطاقة الموجودة، مع الأخذ بالإعتبار لكل المعوقات التي تقف أمام ذلك؛

فالى أي جهة يا ترى، سيولي المواطن وجهه، ليتقي جحيم الصيف اللاهب وزمهرير الشتاء القارس، وهل أمامه من سبيل آخر لسد إحتياجاته من الطاقة الكهربائية في مثل هذه الظروف العصيبة، حينما تعجز الحكومة نفسها عن سد تلك الحاجة، وفي وقت ترفل وتنعم فيه مؤسسات الحكومة وبيوت المسؤولين الكبار بالكهرباء ليل نهار..؟؟!

مع كل هذا وهو غيض من فيض سياسة الوزارة التخطيطية، وتخبطها المتواصل كل فترة السنوات الأربع، رغم ما قيل عن قدرة وحنكة السيد الوزير، فإنه ومن تحصيل الحاصل، أن تكون الحصيلة لتلك السياسة، عبارة عن تخمة في أسواق المعدات والأجهزة الكهربائية المستوردة والمهربة، يقابلها فوضوية في إستهلاك الطاقة الكهربائية والتجاوز عليها، المقرون بالحاجة الماسة اليها من جهة، وتلاعب الطفيليين والسراق، وحلول تجار ومالكي المولدات الكهربائية الخاصة بديلاً عن الحكومة من جهة أخرى؛ وهو نفسه الحال مع سائر المنتجات الإستهلاكية الأخرى في عموم البلاد بعد توقف المصانع الإنتاجية الوطنية..!؟

فجميع ذلك لا يشكل غير عنوان واضح المعالم والإتجاهات، للفشل الصارخ لسياسة الحكومة في مجال الخدمات، سواء في حيز تخطيط ورسم السياسة الإقتصادية المناسبة، أو في ترشيد الإستهلاك، ناهيك عن الفشل في مجال البناء الإقتصادي بشكل عام، كما في الصناعة أو الزراعة، مقروناً كل ذلك بضخامة حجم الموارد النقدية التي تجاوزت المئات من مليارات الدولارات، التي يدرها ريع النفط السنوي على خزينة الدولة سنويا، والتي كان من أهم نتائجها الإنفاق الإستهلاكي المتضحم من قبل جهاز الحكومة التنفيذي، وجسامة حجم المبالغ المخصصة الى وزارة الكهرباء على سبيل المثال، المصحوب بشيوع حالة الفساد والإفساد المالي والإداري والسياسي على صعيد كافة أجهزة الحكومة المركزية والحكومات المحلية..!؟؟ (4)

فليس عيباً أو غريباً أن تكون إستقالة وزير الكهرباء أحد نتائج ذلك الفشل الذريع في مجال واحد من مجال الخدمات، إلا أن ما هو غريب وغير مبرر، ذلك التشبث بالدفاع عن الخطأ ، وكمن أخذته العزة بالإثم، ليلقى تبعة كل ذلك الفشل في النهاية على عاتق جمهور المواطنين الذين عانوا الأمرين من تداعياته المريرة، وكأن أربع سنوات من المماطلة والوعود والتلاعب بعواطف الناس، غير كافية لإصلاح الحال أو في أدنى الإعتبارات قول الحقيقة، لا التستر وراء فرضيات لا يدعمها الواقع، ولا يقبلها منطق الأحداث، والذي عبرت عنه المظاهرات الصاخبة خلال هذه الأيام القليلة المنصرمة، كرد حاسم من قبل الشعب نفسه؛

أم كان المطلوب من وراء تلك "التصريحات الحكومية"، هو ركون الشعب الى القنوط والإستكانة والقبول بالأمر الواقع..؟؟!!
فأين يا ترى هي الحكمة من وراء كل ذلك..؟؟!!


(1)
http://www.alsumarianews.com/ar/3/8063/news-details-.html
(2) http://www.alsumarianews.com/ar/1/8092/news-details-.html
(3) http://www.alsumarianews.com/ar/3/8062/news-details-.html
(4) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=186347

 

free web counter