| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

الجمعة 1/9/ 2006

 

 

الأنفال : مسؤولية المجتمع الدولي..!

 

باقر الفضلي

لو أظهر المجتمع الدولي، عام 87/1988 نفس القدر من الحماس والحمية التي أظهرهما عند غزو الكويت عام/1990، لكانت أمور كثيرة قد تغيرت، ولتجنب الشعبان العراقي والكويتي كارثة تلك الحرب، ولوجدت زمرة ساكني (قفص الإتهام) اليوم، نفسها في حال أسوء من الحال التي هي عليه الآن، ولأقتصت ضحايا جرائم الدكتاتورية من أبناء حلبجة والأنفال والإنتفاضة من جلاديها أعدل القصاص..!

المجتمع الدولي الذي أصيب بالعمى، وغلبت عليه مصالحه وأنانيته، قبل أن تستنهضه شيمه وإنسانيته، أسدل ستاراّ كثيفاّ من الدخان على أبشع جريمة أرتكبت في عصرنا الحديث، وأجهض أكبر محاولة بطولية لشعب بأجمعه*، للأقتصاص من جلاديه، ومنح الدكتاتورية دهراّ من العمر للإنتقام والتنكيل..!؟

المجتمع الدولي الذي وجد نفسه غارقاّ في مستنقع الحرب العراقية – الإيرانية، متلهفاّ للوصول الى النتائج التي توخاها من وراء تلك الحرب الهمجية، أغمض عينيه عن كل ما كان يرتكب من جرائم وأفعال شنيعة بحق المدنيين، ولم تحرك ضميره مئات الألوف من الضحايا التي كانت تسحقها آلة الحرب المدمرة في كلا الجانبين..!؟

المجتمع الدولي الذي هب بكل جبروته، وبكل آلته الحربية عام/1991 ليردع عدوان النظام العراقي الديكتاتوري على الكويت، هو نفسه الذي لم تكن تعنيه إنتهاكات قوانين الحرب التي إستمرت لثمان سنين، ناهيك عن قوانين السلم، وهو نفسه الذي كان يصب الزيت على النار المستعرة ويغذي لهيبها بالمال والعتاد، وهو نفسه الذي كان يرى بأم عينيه بشاعة الجرائم المرتكبة، وهو نفسه الذي كان قادراّ على وقف تلك المأساة البشرية منذ لحظة البداية..!؟

المجتمع الدولي هذا، قد وسم لطخة عارعلى جبين الإنسانية، حينما غض الطرف عن جريمة إبادة شعب تحت ستار الحرب، وهو نفسه من وفر وسهل وسائل تلك الإبادة..!؟
المجتمع الدولي مدان لصمته، مدان لمساهمته في الفعل، مدان لتركه الفاعلين بلا قصاص..!؟
المجتمع الدولي مدان لمشاركته في الصمت على خرق حقوق الإنسان وإنتهاك قوانين الحرب والشرائع الدولية..!
المجتمع الدولي مدين بالتعويض الى ضحايا جريمتي الدكتاتورية في الأنفال وحلبجة من أبناء الشعب الكوردي، ومن بعدهما ضحايا جريمة قمع الإنتفاضة عام/1991 من سائر العراقيين..! مدين في الأولتين لفعل الصمت والمساهمة، ومدين في الأخيرة، لفعل الإجهاض والمساعدة في قمع الإنتفاضة الشعبية..!؟

ومن باب التذكير والإستنكار والإدانة، فإنه ليس من نافل القول أن يصر الشعب العراقي، بعد سقوط الدكتاتورية عام/2003 ، على ضرورة وأهمية تقديم جميع المسؤولين من أقطاب النظام الدكتاتوري وفي مقدمتهم رأس النظام الى المحاكم ومحاسبتهم على ما إقترفوه بحق الشعب من أعمال القتل والإرهاب والإبادة البشرية ، والتي في مقدمتها جريمة الدكتاتورية في الأنفال، التي أزهق النظام الدكتاتوري خلالها، أرواح 180000 نسمة بإبادتهم بالغازات السامة، وجريمتها في حلبجة، التي راح ضحيتها ما يقرب من 5000 نسمة بنفس الطريقة، وغيرها من جرائم الإبادة ضد المدنيين وعلى رأسها جريمة قمع الإنتفاضة/1991..!؟ تلك الجرائم التي لزم المجتمع الدولي إزاءها الصمت، والتي لا زال مرتكبيها حتى اليوم - ومن داخل قفص الإتهام - يبررون فعلتهم النكراء، بأن ما إقترفوه من هذه الجرائم، إنما وقع أثناء وخلال الحرب التي كانت دائرة بين النظام وإيران في الأعوام (1980-1988)، يحاولون بذلك التنصل من مسؤوليتهم الجنائية في إستخدام السلاح الكيمياوي، والإبادة البشرية للمدنيين، وبتصميم مسبق "على إفناء قسم من الأقلية الكردية في العراق عن طريق الإبادة الجماعية." *

إن مسؤولية المجتمع الدولي، التي تجسدها الشرعية الدولية بميثاقها وهيئاتها المختلفة، هي مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية، وهي الجهة التي من خلالها وبواسطتها تلجأ الشعوب والأفراد الى طلب الحماية ورد العدوان. فعندما تخفق هذه الشرعية في ممارسة مسؤوليتها القانونية، بسبب تعقد ميثاقها وإختلال ميزان القوى الدولي، فلا يعفيها هذا من تحمل مسؤوليتها الأخلاقية، من خلال نشاط الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وإن إخفاقها في هذا الجانب، إنما يمثل أحد صور عجزها وضعف ثقة الشعوب في أداءها، وإنحسار دورها في توطيد السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان..!؟

إن ضحايا جرائم الدكتاتورية من حلبجة والأنفال والإنتفاضة، هم أيضا ضحايا صمت المجتمع الدولي، وهم يملكون كل الحق في مقاضاة هذا المجتمع كما يقاضون اليوم مرتكبي هذه الجرائم من رموز الدكتاتورية المقيته..!

 


*- إنتفاضة الشعب ضد الدكتاتورية/1991
**- كتاب (جريمة العراق في الإبادة الجماعية) – حملة الأنفال ضد الكرد/ مقدمة أولى /ص12