موقع الناس     http://al-nnas.com/

الزرقاوي: الاسطورة والظاهرة...!

الجزء الثاني

 

 باقر الفضلي

الأحد 18/6/ 2006

ومن هذا المنطلق، يمتلك العراقيون كامل الحق في تحديد موقفهم من "اسطورة الزرقاوي" ورسم تصورهم عنها، لا لشيء ، الا لكون ما جرى ولازال يجري في بلادهم ، قد مسهم في صميم حياتهم اليومية، وسبل عيشهم ، وتجاوز حدود المعقول واللامعقول، فلم يعد هناك ما يمكن وصمه بالارهاب المنظم الذي يتعرض له العراقيون يوميا، بل اصبح العراقيون وجها لوجه امام( ابادة جماعية) يندى لها جبين اي انسان متحضر مؤمن بالعدل؛ ابادة تشن عليهم بذرائع ما انزل الله بها من سلطان، ولم تقرها سنن ولا اعراف..!؟
فالزراقي قد قتل في ربوعهم، وما كانوا براغبيه، ولا بمنصبيه ، فلو كان ضيفا لاستضافوه، او مستجيرا لاجاروه..! دخل عليهم بغتة، ولما بعد ينفضوا عن كواهلهم براثن ثلاث عقود من الدكتاتورية والطغيان، ولما بعد يخرجوا من احزانهم، ويعيدوا البسمة الى الوجوه..!

بغتة دخل "الزرقاوي" على العراقيين، شاهرا سيفه دون استئذان، وملوحا بالموت لكل من يعترض سبيله، فاخلى الناس له المكان الذي وطاته قدماه، مكرهين فزعين، وذاكرتهم لن يغيب عنها ما كانت تفعله عصابات البدو الوهابية المتعصبة "الاخوان" في نهاية العشرينات من القرن الماضي، حينما كانت تغير على ابناء العشائر العراقية في تخوم بادية السماوة والناصرية( بصية) وكربلاء؛ تقتل الشيوخ والنساء والاطفال، وتحرق البيوت، وتهدم الشواخص والعتبات المقدسة كما حدث مع (المرقد الحسيني) سابقا في بداية القرن التاسع عشر/ 1802، مروعة سكان تلك المناطق، الى ان وضع جيش الاحتلال البريطاني انذاك وبقيادة كلوب باشا (ابي حنيك) حدا لسطوتها واعمالها التي اتسمت بالاجرام بحق الناس الابرياء في بداية الثلاثينات من القرن الماضي..!؟ وبعد ان دب الخلاف بينهم وبين ال سعود في بدايات تاسيس الدولة السعودية الحديثة، فاجهز عليهم الملك وكانت نهايات قادتهم ومنهم رئيس عشيرة (مطير) فيصل الدويش..!؟
ان ما يجمع ذاكرة العراقيين من ايام جماعات "الاخوان" الوهابية المتعصبين في نهاية العشرينات من القرن العشرين وذاكرتهم الحالية عن الزرقاوي وتابعيه في بداية القرن الحادي والعشرين، هو راية كليهما الطائفية، ووسيلتهما الدموية؛ ف"الاخوان" كانوا يقودون حملاتهم ضد سكان مدن الوسط والجنوب تحت راية تكفير الناس، وخاصة ابناء الطائفة الشيعية من غالبية سكان تلك الاصقاع، ونعتهم لهم ب "الرافضة" واعتبارهم كفارا، وبذلك كانوا يبررون افعالهم التي تحرمها الشريعة الاسلامية وكل الشرائع والاديان الاخرى والاعراف الانسانية..!؟
اما ما اقترفته ايادي "الزرقاوي" وتابعيه من افعال ابادة بحق العراقيين، فهي في ذريعتها وفي شكلها نفس افعال " الاخوان"_ الوهابيين المتشددين، قبل ما يقرب من مائة عام، وان كان هناك ما يميزها عن تلك، فهو نوع الوسائل المستخدمة وسعة وشدة فتكها وشموليتها الواسعة، فان كان "الاخوان" ينفذون غزواتهم ضد السكان الامنين، عن طريق مجاميع من البدو الغزاة حاملي السيوف , وبعض البنادق، فان سلاح الزرقاوي وتابعيه المفضل ، هو السيارات المفخخة والمتفجرات، لقدرته على حصد الالوف من الابرياء في لحظات، ناهيك عن حز الرقاب..!
لم يكن "الزرقاوي" ذلك الكريم الذي ارخص دمه في سبيل اسعاد العراقيين، بقدر ما اساء الى سمعتهم وعاداتهم وتقاليدهم، واصبح وبالا عليهم وطلعة شؤوم على مستقبلهم؛ فالوف العراقيين الابرياء سقطوا صرعى بيده جراء تعصبه الاعمى ومغالاته في الكراهية..! "الزرقاوي" اصبح ذلك الكابوس الرهيب الذي سبق ان عانى منه اجدادهم قبل قرن من الزمن على يد جماعات "الاخوان" من البدو من غلاة "الوهابية" المتعصبين..!؟
اما ما ادعاه "الزرقاوي" ومن يدعمه او يتعاطف معه او تستهويه طموحاته، فمهما كانت اهدافه والذرائع التي يتوسل بها، فهذا شان ليس للعراقيين فيه ناقة ولا جمل..! فان غمر نفوس العراقيين الفرح لنهاية " الزرقاوي" فليس ذلك لتشف او كراهية لشخصه، فالعراقيون قد جبلوا على التسامح والطيبة حتى مع من يؤذيهم..! ان مدعاة فرح العراقيين بموت "الزرقاوي" انما هو في جوهره، فرح بزوال ذلك الكابوس الرهيب الذي جثم على صدورهم، واذاقهم طيلة ثلاث سنوات، شتى صنوف الويل والعذاب زيادة على ما هم فيه من محنة ومعاناة..!؟ فهل هناك من يعقل ، ان شخصا يدعو الناس للجهاد ضد المحتلين " ان كان صادقا في قصده" وفي الوقت نفسه، يحرض الناس طائفة ضد اخرى للاقتتال وسفك الدماء ، بل ويوغل هو بنفسه، في سفك دماء العراقيين لتحقيق ذلك، وهذا ما اعلنه جهارا ومارسه عمليا وكشفته الوثائق.؟؟؟! *لاحظ الصحيفة السويدية اعلاه- الجزء الاول
تلك هي الصورة التي رسمها "الزرقاوي" لنفسه ، ولا اظن ان انسانا سويا مهما كان مذهبه اودينه او عرقه، سوف يرضى لنفسه ان يتمثل بصورة كصورة "الزرقاوي" في العراق، فالعراقيون ليس وحدهم من اكتوى بنار طغيان "الزرقاوي" بل حتى ابناء جلدته وقومه من الشعب الاردني الشقيق، اذ كان لهم نصيب من ذلك..!؟
لقد ادرك العراقيون حقيقة دعوة "الزرقاوي" واهدافه في تمزيق لحمة العراقيين بشتى مكوناتهم العرقية والدينية والمذهبية بهدف تاجيج نار الحرب الاهلية..!
وان تواجد " الزرقاوي" وتابعيه على ارض العراق، قد جاء في وقت لا زال فيه العراق في مراحله الاولى من تثبيت اعادة كيانه كدولة مستقلة ديمقراطية ذات سيادة بعد انهيار هيكلية الدولة، جراء الاحتلال عام 2003، وان ظروف الصراع الداخلي على السلطة بين اطرافها المتعددين كان واحدا من اسباب ذلك التواجد، حيث سهل الطريق امامه وامام غيره من الاخرين للعبث بالشان العراقي..! ولا غرابة ان تكون محنة العراقيين مع " الزرقاوي" وتابعيه، تعيدهم في الذاكرة الى محنة اجدادهم مع اسلاف هؤلاء من "الوهابيين- الاخوان" المتعصبين قبل قرن من الزمن، فظروف الحدثين اشبه ببعضهما من حيث الذرائع والوسائل وان اختلفت من حيث الاسباب والاهداف، وكليهما سابقا ام حاليا كانا جزءّ من عملية سياسية واسعة النطاق، الاولى اقترنت بتخطيط الحدود بين المملكة العربية السعودية والكويت والاردن والعراق وتاسيس المملكة العربية السعودية، اما الثانية فسعيرها لا زال مستمرا واهدافها متباينة، والكبش فيها هو العراق وحده..! ومن خلال عملية الصراع القائمة بين جميع من يهمهم شان العراق، سيتقرر مصير هذا البلد الذي اكتوى بنار نفطه وحلاوة خيراته..!
فالزرقاوي، رجل قد خسر معركة هو صانعها، وخاض حربا هو مؤجج نارها، واستباح ارضا لم ترحب به، وارهب قوما لم يانسوا "لاستضافته"..! الا ان السؤال الذي يطرح نفسه الان ؛ هل ان نهاية "الاسطورة" ، قد قطعت الطريق على مسيرة الارهاب، ام انها مجرد انهاء لحلقة في مسلسل من "الاساطير" القادمة..؟؟ اما الاجابة عليه فهي رهن بما تخبؤه ملفات المتصارعين من خطط وسيناريوهات، وما يملكه اي منهم من قدرات وامكانات..!! ان القادم من الايام كفيل بايضاح الصورة ، وفك رموز اللعبة السياسية الشائكة في العراق رغم تعقدها، فبصيرة الشعوب اقدر على قراءة مستقبلها مهما وضعت امامها من الصعاب والعراقيل..!

خلاصة القول؛ فان ظاهرة "الزرقاوي" وامثاله وسبل مكافحتها، ابعد من ان تكون مجرد بحث امني _ مخابراتي يمكن اختزاله في اطار عمليات عسكرية _ امنية تحت مسميات "الحرب على الارهاب" وحسب؛ بل انها في الحقيقة احدى اشكال الصراع القائم على الصعيد الدولي والذي تفرزه عملية (العولمة) في سيرورتها المستمرة، بكل سلبياتها وايجابياتها، وبصورها المختلفة، واستشرائها في العراق كان احدى افرازات حالة الاحتلال/2003 الذي هيا المناخ والارضية المناسبة لوجودها، ناهيك عن تفاقمها في ظل ظاهرة "المليشيات " المسلحة لعدد من الاطراف السياسية المتصارعة على السلطة، والتي تعبث بامن المواطنين وتزرع الرعب والخوف في نفوسهم، وما يصاحب كل ذلك من ممارسات خرق حقوق الانسان من قبل قوات الاحتلال واجهزة الدولة الامنية، مما عمق شعور المواطنين الدائم بعدم الاطمئنان والخوف وفقدان الثقة باجهزة الدولة، واختلاط الامور عليهم، لدرجة بات من الصعب التفريق بين من يقف وراء كل ذلك، ولكنها( الظاهرة) من جانب اخر، انما تعكس من الناحية العملية والممارسة اليومية، شكلا متخلفا وبوسائل لا انسانية، مرفوضة على جميع الاصعدة الشرعية والدينية والقانونية، ولا يبرر وجودها كل الذرائع والادعاءات، هذا اذا ما جردناها من محاولات توضيفها من قبل مختلف الاطراف التي لها مصلحة في الشان العراقي، كل حسب هواه ومبتغاه ..!؟
ان بناء عراق مستقل اتحادي ديمقراطي تعددي، بعيد عن كل ما يمت بصلة للطائفية، هو الغاية الاسمى التي يناضل من اجلها جميع المخلصين من العراقيين دون هوادة..!