| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

الأحد 15/2/ 2009



صورة الإنتخابات..!

باقر الفضلي

تجربة الإنتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات في العراق، أثبتت أنها وبمجملها، قد منحت كافة مكونات الشعب العراقي؛ طبقات وشرائح إجتماعية أو أحزاب سياسية، وقوميات على تنوعها، درساً بعيداً في جوهره عن تطلعات نظرة مستقبلية لآفاق مسيرة الوضع السياسي الراهن في العراق .

فمن أي منظور يمكن للمراقب أن يحدد وجهات النظر المختلفة لهذه الإنتخابات، التي تعتبر بالنسبة للأعم الأغلب من المراقبين، بإنها فريدة في نوعها، كونها تأتي في أعقاب خمس سنوات عجاف مررن بالعراق، وبعد ثلاث عقود من الحكم الفردي الديكتاتوري..؟!

فالناخب الذي عاش كل التجربة الماضية، غير معني اليوم، بوضع جدول للمقارنة بين ما فات وما هو آت من مسلسل حياته بكل صخبها وآلامها، فكل ما يعنيه الآن ، أن يتمدد ويلقي ما في جعبته من هموم ومعاناة، على كتف الزمن الذي أذاقه الأمرين، بين الوعد والوعيد، وبين الحاجة الشاخصة والأمل البعيد..!

الناخب الذي تطبعت حياته على السؤال، والذي أُرتهنت حاجتُه دوماً عند الحكومة، من خفيرها الى الوزير، والذي أدمت قدميه طوابير الإنتظار، لا زال يرى في الحكومة، سواء محلية أو مركزية إتحادية، الأمل المرتجى، والمثل المحتذى؛ تبهره صورة رئيس الحكومة، خلال الدعاية الإنتخابية، وعيناه تحدقان فيه في كل منعطف شارع، وعلى كل شاشة تلفزيون، وآذانه تصمها كلماته ودعواته للإنتخاب، وقناعاته تبلبلها الوعود، بين ما يسمع وبين ما يرى، فتحل الحيرة بدل اليقين، وتختلط لديه الأشياء، وتتشابه عليه الصور ، وتتوحد عنده الخطابات، فجميع الصناديق تعلن بضاعة واحدة، وكأنها إتفقت على برنامج واحد، وجميع مالكيها يعلنون رغبتهم في إنقاذه..!!؟

لقد كثر المنقذون، وتزاحم المقاولون، فتأمل نفسه وقطع حبل حيرته، بعد أن تشابه الأمر عليه، فلم يجد غير الأقرب الى سمعه والأدنى من بصره، والذي بيده الأمر والنهي، متمثلاً بالمثل الشعبي الشائع : " شين التعرفه خير من زين الما تعرفه" ، فإستخار ربه وألقى ب"صوته" الخجول في صندوق الدنيا، لا أسِفاً ولا بطرا، وراح يجرجر قدميه لا يلوي على شيء..!!؟

الناخب العراقي لم يسلم أمره، ولكنه لم يجد ما يعوض به ما خسره في خوالي السنين، وقد عكست نسبة المشاركة 51% من عدد الناخبين، أحد مؤشرات الحالة النفسية التي عاشها خلال الفترة الماضية، وليس تردده في المشاركة، إلا تعبيراً عن حالة عدم الثقة والإحتجاج الصامت..!

أصحاب الصناديق كانوا أكثر تحمساً حتى من تحمس حماس الغزاوية، وكل منهم يحسب الدقائق والثواني، ودقات قلبه تخفق صعوداً ونزولاً مع كل داخل الى مراكز الإقتراع..!؟

فالإنتخابات كانت في مغزاها ومدلولاتها، تعبر عن حالة تنافسية بين متنافسين غير متمايزين، ومن شتى القوى السياسية والإجتماعية ؛ أحزاب أو تجمعات أو أفراد، لا يحكمها قانون للإنتخابات، لعدم تشريعه حتى اللحظة، ولا سجلات دقيقة للناخبين، بل يحكمها التهافت المنفلت على تصيد أصوات الناخبين، والأساليب والطرق غير المنضبطة للدعاية الإنتخابية، ولم تعكس جموع الناخبين من خلالها ، تمايزات إجتماعية أو طبقية تمكن للمراقب المتابع لسريان العملية الإنتخابية، من رصد حالة التنافس الإنتخابي الحقيقي بين الطبقات والشرائح الإجتماعية المتنافسة في العملية المذكورة..!

ومن خلال هذا الواقع للعملية الإنتخابية، والذي هو أقرب في حقيقته، الى ما يسمى ب "الفوضى الخلاقة"، منه الى عملية إنتخابية معروفة فيها سلفاً، طبيعة القوى السياسية المشاركة ، وما تمثله على الصعيد الإجتماعي من الفئات والشرائح والطبقات الإجتماعية، ومحسوبة سلفاً أيضاً، أحجام نسب الناخبين من هذه الطبقات والشرائح الإجتماعية التي ستدلي بأصواتها لصالح من يمثلها حقيقة من بين القوائم الإنتخابية المتنافسة، ولم تتحدد في برامجها الإنتخابية المواقف من الأمور العقدية..!

فقد كان متوقعاً سلفاً، في ظل حالة التشتت الإجتماعي، وفقدان التمايز بين طبقات وفئات وشرائح المجتمع، أن تظهر نتائج الإنتخابات بالشكل الذي ظهرت عليه، وأن يصبح من الصعب على أي تحليل إجتماعي أو سياسي أن يرسم صورة صحيحة عن الخارطة السياسية – الإجتماعية في ظل هذا الخضم الهائل من المكونات السياسية، والذي لا يعبر عن حالة سياسية متوازنة أو مستقرة، بقدر ما يعبر عن حالة التشتت والتمزق اللذان عصفا بالنسيج الإجتماعي، الذي ساد المجتمع العراقي خلال السنوات الخمس الماضية، والذي كان لسياسة المحتل الأمريكي أشد العواقب المدمرة عليه..!؟

فالعملية الإنتخابية التنافسية، لم تكن في الحقيقة، تجري وفق برامج إنتخابية واضحة المعالم للقوائم المشاركة، بقدر ما إعتمدت على القدرات والإمكانات الخاصة، ومقدار ما تمتلكه قوى تلك القوائم من مصادر نفوذ وهيمنة على الشارع العراقي، وبالذات مراكز النفوذ الحكومية، والعشائرية، والدينية الطائفية والمليشياوية، على قاعدة من عدم تبلور المكون الإجتماعي ، للطبقات والشرائح الإجتماعية، والضعف الظاهر لمنظماتها المدنية والمهنية والنقابية..!

ومع هذا الواقع القائم، لم يعد مستغرباً، أن تتلاشى أو تضمحل تأثيرات القوى السياسية ذات التوجه المدني الديمقراطي العلماني، بل يصبح عسيراً عليها أن تجد لها موضع قدم خارج كتل منتسبيها ومؤيديها؛ وفي ظل هذا الخضم المتلاطم من التشتت الإجتماعي، ومعدلات البطالة العالية، والتدهور الإقتصادي، حيث الإقتصاد يلعب دوراً مهماً وأساسياً في بلورة مصالح الطبقات والشرائح الإجتاعية، فلا يعزى النكوص الإنتخابي لهذه القوى والحال، فقط في ضعف أدائها أو إدارتها أو حتى تاكتيكاتها أثناء سير العملية الإنتخابية، أو في ضعف إمكاناتها الذاتية، التنفيذية والميدانية، بقدر ما ينصرف الى طبيعة الظروف غير المناسبة التي فرضت عليها المشاركة في العملية الإنتخابية، معتمدة بالأساس، لا على قدراتها وإمكاناتها الذاتية، وهي ليست بمستوى القوى الأخرى حسب، بل على ما تمتلكه من أرث نضالي تأريخي في الحياة السياسية، وهو عامل ثانوي في هذه الحالة، وتطلع إيجابي في السير قدماً لإرساء مقدمات العملية الديمقراطية من خلال الإسهام في العملية الإنتخابية، وفي الحالتين، وفي الظروف التي جرت في ظلها الإنتخابات، فلا أظن أن هناك ما يمكن أن يركن اليه من تقييم يبنى على أساس ما أحرزته تلك القوى من نتائج في هذه الإنتخابات، وهو في إعتقادي، أقرب في أسبابه الى الظروف الموضوعية المحيطة بالعملية السياسية، منه الى الظروف الذاتية لقوى هذا التيار، رغم ما لها من تأثير نسبي في بعض الأحيان ..!

وإنطلاقاً من هذه الحقيقة، ينبغي البحث والتدقيق لا في ما أسفرت عنه إنتخابات مجالس المحافظات من نتائج والتعويل عليها فقط، كأساس في تقييم أداء القوى ذات التوجه المدني الديمقراطي العلماني حسب، بقدر ما ينبغي البحث في أسس العملية الإنتخابية، الناتج الفطري للعملية السياسية نفسها، وطبيعة وأرضية الظروف الإقتصادية – الإجتماعية، التي جرت خلالها، وطبيعة المؤثرات الخارجية التي أسهمت في إنجازها ، وفي مقدماتها مؤثرات الإحتلال والتدخلات الإقليمية..!

وإنه لمن الصعب القول، بأن التنافس الإنتخابي الأخير، قد جرى في ظل ظروف إنموذجية من حيث الإستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي، ومن هنا تصعب أيضاً، المقارنة بين القوى السياسية المشاركة في العملية الإنتخابية من حيث نتائج الفوز والخسارة، فهي جميعاً تدخل في نطاق ظروف التنافس نفسها والحالة اللانموذجية لتلك الإنتخابات، رغم أنها جرت في ظل ظروف من الأمن والهدوء التي سمحت للناخب من الإدلاء بصوته في صندوق الإقتراع ، ولا تخفى هنا مصلحة كل من ساهم في عملية إستتباب الأمن والهدوء..!

أسئلة كثيرة أثيرت حول ما أفرزته العملية الإنتخابية، وفي معظمها دارت حول النتائج المعلنة، وإتخذت منها معياراً لإحتمالات التغيرات المستقبلية والتوقعات المنتظرة للبدائل المنشودة، بإتجاه التخلص من ثوابت هيكلية البناء السياسي، التي شيدت أصلاً على أسس لا تمت بصلة لكل ما له علاقة بجوهر العملية الديمقراطية، كمبدأ "المحاصصة"، الذي بني على أساس الطائفية المذهبية، والعرقية الإثنية..!

وبالتالي فإن كل ما يمكن التعويل عليه للخروج بتقييم مناسب وقريب من الواقع، وعطفاً على الأسباب المتقدمة، لا يمكنه أن يعطي صورة حقيقية يمكن من خلالها رسم الحجم والنفوذ الحقيقي لأي مكون من الكونات السياسية التي شاركت في العملية الإنتخابية، ومن ضمنها التيار المدني الديمقراطي - العلماني، ومقدار عمق تأثيره السياسي في المجتمع بإعتباره الممثل الحقيقي لمصالح أية طبقة أو شريحة إجتماعية، وذلك من خلال نتائج الإنتخابات التي تمت في ظل ما أشرت اليه فيما تقدم، بقدر ما هو إلا إنعكاس قريب من الحقيقة لواقع الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية الراهن..!

وحيث أن إستمرار وبقاء دعائم الهيكلية السياسية يظل ثابتاً في أطره الحالية، المبنية على مبدأ "المحاصصة"، وعقدة إيجاد رئيس جديد لمجلس النواب مثال صارخ على ذلك، فليس غريباً ان تأتي نتائج الإنتخابات القادمة للبرلمان على نفس المنوال، لتصبح عملية الإنتخابات أقرب الى لعبة "إستبدال الكراسي" التي كنا نمارسها في المدارس الإبتدائية عندما كنا أطفالا..!؟

ومن هنا فليس بوسع التقييمات المبنية على نتائج الإنتخابات وحدها، أن تعطينا لوحة بيانية واضحة المعالم لخارطة القوى السياسية الطبقية وحجم وتأثير هذه القوى في المجتمع، أكثر من كونها تعبير عن ممارسة شكلية لعملية إنتخابية في إطارها الديمقراطي، تظل مرهونة في تطوهرها وتجذرها بمدى التطور اللاحق لقوى الإنتاج في المجتمع، ومقدار ما يمكن أن ينهض بالعملية الإقتصادية- الإجتماعية نفسها، من تطور إستراتيجي على كافة المستويات، للِّحاق بسير الحضارة والتقدم..!

 

free web counter