| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

 

 

 

السبت 14/7/ 2007

 

 


الرابع عشر من تموز: اليوم الذي لا ينسى..!


باقر الفضلي

ليست أدباّ، ليست نثراّ، ليست شعراّ ، بل خاطرة من وحي الآلام..!

تموز الفجر..!

أمس كان موعدنا..

حين تعفرت الوجوه بضوء الفجر، وإكتوت الأجساد من شدة العناق..

تعلو الشفاه البسمة، وتصم الآذان زغردة النسوة،

وتميد الأرض تحت دبكات الرجال ..

حشود تدفعها حشود، سيل بشري عرم.. من كل الأجناس والألوان والأديان..

شوارع ضاقت بمارتها، بيوت أصفرت من قاطنيها..

محصنات حطمن قيود البيت، كتل بشرية تتحرك كالطود..

رايات مطرزة بأزهى الألوان، أناشيد تشق عنان السماء..

دموع تحتضنها الضحكات، إلتحام بشري ليس له حدود ..

فرح منثور في الساحات.. قلوب تخفق فوق الهامات..

حلم سومري قديم.. إنها الثورة بكل معانيها...

*********

ذلك كان الرابع عشر من تموز 58، يوماّ للشعب ويوم الشعب..

وهو اليوم؛ جبار تعصف به قرائح البعض ، لتضفي عليه صفة الإنقلاب..

وتوصم صناع الحدث (الثورة) الأبطال، بالإنقلابيين..

فتدير له ظهر المجن، لتسدل ستاراّ من النسيان على هبّة الملايين؛

الذين إكتسحوا الخوف والتردد في لحظة ..

وإحتضنوا بالصدور، بقوة الثائر المتمرد على الظلم والإستبداد،

ما يدعيه البعض اليوم ب"الإنقلاب"،

فأحالوه ثورة عارمة، سداها الشعب ولحمتها الشعب،

سندها الجبهة وحلف الشعب..

فكان يوماّ ليس كباقي الأيام..

ومجداّ للوطن والشعب..

وعزاّ للأبناء وأحفاد الأحفاد..

ذلك الرابع عشر من تموز 58، الحلم السومري القديم..

*********

فإن تمرد الفلاحون على مستعبديهم ،

فقد إستردوا حقهم المغتصب؛ أرضاّ وحرية..

وإن إنتظم العمال في النقابات،

فقد إسترجعوا حقهم في التوحد والتنظيم..

وإن كسرت المرأة قيود البيت،

فقد إستعادت مجدها في الأرض..

وإن خرج الشعب من خناق الإسترليني،

فقد أثبت رجولته وحقه في الإستقلال..

وإذ أسقط الشعب حلف السماسرة في بغداد،

فقد أشاد رمز الحرية في قلب بغداد..

وإذ هزم الشعب شركات النفط والإحتيال،

فقد حاز وإمتلك ثروته المنهوبه وثإر لكرامته المهدورة..

*********

ولما ركل الشعب شركات النهب والإحتيال، وإبتدأ مسيرة الحياة،

علا فحيحهم ، وكشروا عن أنيابهم، وإستدعى حاضرهم غائبهم؛

فبثوا سمومهم، ولملموا شراذمهم، وهيؤا لطبختهم ..

فمنهم من كفر بهذا اليوم،

ورآه يوم نهايته وزوال ملكه..

ومنهم من وجد فيه، يوماّ عبوساّ قمطريرا؛

أطاح بأحلامهم، وأفقدهم مصادر كنوزهم،

وأخرجهم من بلاد طمعوا فيها وجعلوا إعزة أهلها أذلة..

فأضمروا له ما أضمروه؛

من كيد وضغينة..

وأعدوا له ما أعدوه؛

من شديد عقاب وشر المآب..

فلم تكد تمض إلا بضعة أعوام،

حتى أقدموا على ما عاهدوا أنفسهم عليه؛

فتهادوا في وقت ظلمة.. وإنتقموا في يوم غفلة؛

فأزهقوا ما أزهقوه من دماء..

وإستباحوا ما إستباحوه من ذمم وأعراف،

كما يستباح اليوم، وطن الأجداد والأبناء..

غدروا في وضح النهار،

وإستلوا الحلم من بريق عيون الأطفال..

فلول إسودت وجوهها من فرط الحقد،

فجاءت على كل شيء..

فكان يوماّ عصيباّ يشيب له الطفل..

وكان أملاّ ضرجته قطعانهم بالدماء..

*********

بعد عام ستمر الخمسون..

ومن عاش ذاك اليوم، يزحف الآن ما بين الستين والثمانين..

مخضوضب الرأس بالفضة، متهدل لحم الوجه..يرقب بحزن وأمل..

أضعفت ذاكرته قسوة الأيام، وقللت حيلته مكائد الزمن..

فالذاكرة تبقى نسغ التواصل بين الأجيال..

*********

لو يدرك جيل اليوم؛ ماذا يعنيه هذا اليوم،

لتملكتهم الدهشة ، ولأصابهم الذهول،

وإعتصرتهم مرارة الحسرة..

لو يعلم جيل اليوم؛ أنهم يدفعون ضريبة مأثرة الآباء والأجداد،

ويحصدون آمال الأجداد والآباء؛

هموماّ وعرقاّ ودماء،

لإزدادوا ثقة ووفاء..

فالوطن يستحق كل فداء،

والدماء التي سفكتها يد الغدر وأموال السحت ورشاوي شركات النفط،

دماء قاسم والرهط الأبطال،

دماء سلام وسريع وكل الأخيار..

كانت دماء الشعب، روح الشعب..

كانت دماء الشهداء..إنها دماء الشهداء..

لا زالت تسفك دماء الأحفاد،

لا زال القاتل يخبط بالأبواب ...

والقاتل نفس القاتل، والدماء نفس الدماء..

فلتعلم كل الأجيال...

فالوطن يستحق كل فداء..

الوطن يستحق كل فداء..!

للذكرى مجد ومقام.. وللتحليل رؤياّ ومقال...!


14 تموز 2007