| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الأحد 9/3/ 2008

 

هل من نهاية لثقافة العنف ؟

باسل أودو

تجربة السنوات الخمس العراقية الماضية ، ناهيك عن ما قبلها ، كشفت وبشكل واضح عن عدم القدرة والفشل في أيجاد القواسم المشتركة الفكرية والسياسية ، بين أطراف العملية السياسية ، وبينها وبين النّخب الثقافية .

تجربة السنوات الخمس ، لم يستطع القائمون على أدارة أحداثها ، من كبح وأنهاء العتف السّائد فيها ، بل مدّته بأشكال ووسائل عنف جديدة ، لم تكن معروفة في مجتمعنا .

أن الأعتماد على التحليل القائل ، بأن الواقع الحالي هو تحصيل حاصل لسياسات النظام البائد الشوفينية والديكتاتورية ، لا يكفي لتغيير الواقع ، بل ان المطلوب هو تغيير أفكار وأساليب موروثة أيضا من قناعات
سابقة فرضتها طبيعة الأجواء السياسية التي كانت سائدة حينها .

فثقافة العنف لم تكن ثقافة الأنظمة الديكتاتورية فقط ، وانّما كانت ثقافة الأحزاب والتنظيمات المعارضة للديكتاتورية ، ومن المؤسف له ، أنه رغم التغيير ألذي حصل ، لم يتم التخلص من هذه الثقافة الكارثية بنتائجها على المجتمع .

أن من حق الدولة والحكومة أن ترّد على الأرهاب والجريمة المنظّمة بعنف وقسوة ، ولكنّها ولكي تؤمّن لمجتمعها ثقافة حضارية جديدة مناهضة لثقافة العنف ، عليها أن تنشر وتثقّف لأفكار حضارية تقوم على أحترام الآراء والثقافات والأفكار الأخرى ، لتصل الى اعتبار الحوار هو الأسلوب الأمثل والأنجح لحل المعضلات والأشكالات والأختلافات .

أن مشاهد العنف اليومي الحاصل ، وأنهار الدم الجاري ، واستباحة أرواح البشر ، جرائم كبرى بحق الناس ،ولكن الجريمة الأكبر تكمن في تحولها الى مشاهد طبيعية تنتزع من انساننا احساسات مرهفة بحب الحياة ، وتحوّل فكره وثقافته نحو قناعات اللاّجدوى من الحياة لتوصله الى حالات نفسية كئيبة وتقتل فيه كل روح ابداعية جميلة .

ان منظر ذبح الحيوانات المقرف ، وعلانية ، طبيعي لدينا ، بسبب التشبّع الذي حصل من مناظر الدم والعنف المستمرة منذ عشرات السنين ، مناظر التطبير وجلد الأجسام تنقل نقلا مباشرا عبر شاشاتنا وفضائياتنا العراقية للأيغال في نشر ثقافة العنف والتبشير بها . حتى الدعاية لبعض الأغذية تساهم في نشر ثقافة العنف ك ( يوجد لدينا قلب خروف أو لسان بقر أو معلاك ) .

على الدولة والحكومة ، والى أن يتم لها القضاء على الأرهاب ، أن تنتبه وتباشر بأيقاف كل التوجهات والثقافات المؤدية الى العنف . فالأبتعاد عن الأستعلاء السلطوي على المثقفين ومحاربتهم وقتلهم أو دفعهم للهجرة أو على أقل تقدير تهديدهم بالقتل فيما لو واصلوا التنبيه للثغرات والأخطاء والسلبيات ، الأبتعاد عن هذا الأستعلاء سيقود الى الوحدة بين المثقف والسياسي بدل الفرقة .

وحتى في التصريحات ، يجب الأبتعاد عن الكلمات الدّالة على العنف والقسوة ، خاصة بين أطراف تشترك سويا في بناء الوطن ، كمثل ، فاز بالأغلبية الساحقة ، أو تمّت الموافقة بأغلبية ساحقة ..... ساحقة لمن ؟ للذين أعترضوا، أو كان لهم وجهات نظر أخرى ؟ الا يمكن القول ... أغلبية مطلقة أو نسبية ، لما لمفردة السّحق من مدلول عنفي لا يجوز أستخدامه بحق جهة أو جهات تشترك في بناء الوطن .

لم نتخلص لحد الآن من هذه الثقافة ألتي أبتلينا بها ، ولم نلمس خلال السنوات الخمس الماضية اي توجّه جدّي حقيقي عملي لقبرها والشروع بتبنّي ونشر ثقافة حضارية في التعامل السياسي والأجتماعي .

كل تأريخ شعبنا لم يقبل بأية ثقافة توجهه نحو صراع قومي أو ديني أو طائفي ، بل كانت دائما العلاقات الأجتماعية بين أبنائه ، وعبر التأريخ ، تتحقق وتقوم على أساس القناعة والمزاج الفردي أو العائلي البعيد
عن النظر الى الأنتماءات القومية أو الدينية أو الطائفية .

لكننا نجد في السنين الأخيرة توجّها غريبا ، وخاصة لدى أحزاب وتيارات الأسلام السياسي ، في أشاعة الثقافة الطائفية والمذهبية والقومية ، وبروز ظاهرة السؤال عن الأنتماء اليها عند الحديث بين الأشخاص .
ما يصرّح به القادة علانية شئ ، وما يضمرون من أفكار ، وينفذون على أرض الواقع ، وعن طريق العنف المسلح ، شئ آخر .
أنها لكارثة أجتماعية كبيرة ، أن تجعل الأنسان يعيش هذا التيه ، وتدفعه الى الشك بقادته وطروحاتهم وأفعالهم ، مؤدية به الى اليأس ، جاعلة أياه انسانا سلبيا ، انه قتل متعمد للأنسان .

أما الهوّة ألتي تزداد عمقا يوما بعد يوم ، بين المثقف المستقل خاصة ،من جهة ، وبين الدولة والحكومة والسياسي من الجهة الأخرى ، فهي الأكثر كارثية ، ما يدفع بالمثقفين العراقيين المخلصين ، الى التراجع شيئا فشيئا عن أهتمامهم المخلص بشؤون وطنهم ، وبذلك يتم تفريغ الساحة الوطنية من التفاعلات الفكرية الأيجابية المطلوبة لبناء الوطن ، وجعل تلك الساحة حكرا على فكر واحد يقود بالنتيجة الى صناعة ديكتاتورية جديدة ، بأفكار وأسماء وممارسات جديدة .

ان الأصرار المتعمد في أنتزاع الروح العراقية الطيبة المتجذّرة في أعماق النفس العراقية ، وتوجيهها وجعلها تتعامل مع الوقائع والأحداث كأنعكاس لمواقف سياسية أو دينية أو طائفية أو قومية ، يؤدي الى مسخ روح الأنسان العراقي .

علينا أزالة حالة الشك والخوف ألتي أعتاد عليها الأنسان العراقي ، بسبب عدم الأستقرار السياسي والأجتماعي الذي مر به تأريخ العراق القريب منه خاصة .
فلا زال العراقي يشّك في غد مستقر ويخاف من وقائعه ، لا زال العراقي حتى في أبسط الأمور يحتاط لأيام أو في بعض الأوقات لشهور قادمات ، خوفا من المفاجآت ألتي أعتاد عليها ، لا تزال العائلة العراقية ، على سبيل المثال ، والمتكونة من أربعة أفراد أو أكثر ، تشتري كل يوم خبزا يفوق حاجتها الفعلية ، خوفا من غد لا تعرف أحداثه .

هل هذا قدر العراق الأبدي ؟ أم أنه قرار المتحكمين بتوجيه هذا القدر عبر تأريخه ؟

منذ مئات السنين والعراق تتنازعه وتشتت شعبه أنظمة وأفكار وثقافات وممارسات وطروحات أعتمدت ثقافة العنف في مواجهتها للأحداث أو في العمل على تحقيق أهدافها . ويوم توفّر العراق على فرصة للأنطلاق نحو آفاق جديدة ، تمّ أغتيال فرصته وفرحته بها في مهدها . ومن أغتال الفرحة جهات عدّة من داخله وخارجه ، وأعيد العراقيون مرة أخرى الى قناعات اللاّحل وعدم الأيمان بأي مستقبل زاهر ، الى اليأس والقنوط والكسل الفكري والأبداعي ، الى الشك والخوف من الطوفان .
أن أفكار قيادة الوطن عن طريق السياسيين فقط ، أصبحت أفكار خاطئة ، فالوطن يقوده ويبنيه الجميع ، قادة أجتماعيون ، مثقفون ، أدباء ، شعراء ، فنانين ، رجال دين ، أساتذة ، اكاديميون ، واى آخره من أختصاصات فكرية و يدوية ، علمية وثقافية ، تتفاعل جميعها وتنتج أوطانا مستقرة مزدهرة متقدمة ، ومجتمعات حضارية .


 


 

Counters