| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الخميس 31/1/ 2008



بعيدا عن التعصب ... قريبا من الوطن
بين الرغبات .... والواقع

باسل أودو

الخراب الذي وعد به المقبور صدام للعراق ولشعبه ، لم يكن يقصد به فقط خرابا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، بل الأهم من ذلك خرابا في الوعي والفكر .
فتجربة السنوات الخمس الماضية ، قدّمت للمفكرين وفي كل المجالات ، مساحة واسعة من الأحداث وفي شتّى الميادين ، من الضروري استغلالها للمراجعة والتأمل في الذي حصل ، ودراسته بشكل هادئ وعلمي وموضوعي ، والبحث عن أسبابه والتّقصي الدقيق عن مقدماته وحلقاته المترابطة ، لتقديم صورة واضحة حقيقية محايدة ، للشعوب الأخرى ، للأستفادة من تجربة العراق ، الحقل الدائمي والسبّاق والزاخر بالتجارب المؤلمة.

أن تجربة السنوات الخمس الماضية ، رغم التعقيدات التي رافقتها ، ركّزت على الصراع بين القوى السياسية ، وانسحب ذلك على تحالفاتها ، ركّزت على سياسة تثبيت الأقدام على الساحة ، وبطريقة التفكير العسكرية ، التي لا تزال مهيمنة على عقول وأفكار القائمين على ادارة العراق ، الهزيمة والأنتصار ، المصطلحين المستخدمين في المنطق العسكري للتثبت من واقع نتيجة صراع حربي على الأرض . مفترضة (تلك القوى) وبعيدا عن العقلانية ، وغير مدركة لطبيعة الأوضاع الدولية واتجاهاتها وتأثرها وتأثيراتها ، بأن الأنتصار سيكون أبديا ، وسيوّرث ، وفق فكرها الى أتباعهم أو أولادهم . موضوعيا وفكريا . متناسين أن من سبقهم في هذا النهج اتّبعه وانتهى الى ما انتهى اليه من المصير البائس .

ووفق تلك القناعة ، كانت الحلول وفي كل المجالات ترقيعية وعلى سبيل التجربة ، ففي حال الفشل يتم التحول نحو حلول أخرى غير منطقية وغير علمية أيضا ، وفي حال النجاح ، الذي لم ولن يحصل أبدا وفق هذا المنهج في التفكير ، فسيكون بالمستطاع تثبيت الأقدام لا بإتجاه الرغبة في تطوير البلد ، بل بإتجاه فرض الأفكار والسياسات بالقوة وتعميمها على المجتمع .

ان هذا الأنشغال الواسع بتلك التوجهات ، والأستقتال غير المبرر اطلاقا للفوز بنتائجها المدمرة ، ساهم وبشكل كبير في تأزيم الوضع المعقّد والناتج أصلا من أسباب ومقدمات تاريخية سبقته ، وأبعد الفكر عن التركيز على الأهتمام بمسببات هذا التّشوه المتصاعد للواقع الأقتصادي والسياسي والأجتماعي والثقافي العراقي .

ان التعامل مع الظواهر والأحداث بتجريدها عن مسبباتها ومقدماتها يقود الى الفشل في القضاء عليها أو تعطيل فعلها على الأقل لحين القضاء عليها . فالتخلف الفكري والأقتصادي والتّسيب واللااحترام للدولة والحكومة وقوانينها والفساد الأداري والمالي المستشري والمتفاقم والوضع الأمني المأساوي وتبعاته ونشوء وتطور عمل حركات متعصبة طائفيا وفكريا وبعيدة جدا ، بل لا يمكن لها اللقاء أو الألتقاء بالحضارة ، كلها ظواهر لها مسبباتها وارضياتها ومترابطة فيما بينها لحد امكانية التنسيق المتبادل لتحقيق اهدافها المشتركة في التحطيم والتدمير ، ولا يمكن النظر والتعامل معها كلّ على حدة ، وفصلها عن الظواهر الأخرى .

ان الأتكاء على عكازة الوضع الأمني لتبرير الفشل في الرغبة بالأرتقاء بالبلد الى مستوى أكثر تقدما ، يعتبر تبريرا ضعيفا ، ولكن دراسة الوضع الأمني وأسباب أزمته بعيدا عن سياسة توجيه الأتهامات لهذا الطرف أو ذاك أو لذلك البلد أو تلك الجهة ، رغم الدور الكبير والمؤثر الذي تلعبه جهات التدخل ، يقود هذا الأتكاء الى تضييق النظر وعدم فسح المجال للنظر الواسع والمتوسع للبحث عن الأسباب والحلول .

ان الدراسة المتأنية الهادئة الواقعية تقود الى معالجات صحيحة ، فالأرهابيون والمجرمون والقتلة والمخبولون والمتخلفون والمتعصّبون موجودون بين ظهرانينا ، عربا وعراقيين ، ميليشيا ، منظمات قاعدة ، جيوش بأسماء خلفاء ، جيوش بأسماء ائمة ، حماس ، يماني ، جند سماء ، جند أرض - جو ، أحباب الله ، وبانتظار اخرى ، كل هؤلاء لهم من الأتباع ما لا يمكن الأستهانة به ، او وضعه تحت مسمّيات مختلفة فقط ، مغرر بهم ، فئة ضالة ، متطرفون ، تكفيريون والى آخره من مسّميات تبريرية .

أن ما حصل ويحصل يحتّم البحث عن أسباب عدم القضاء ، أو تجريبية التحييد الفاشلة ، على تلك الفئات المجرمة والفاقدة لانسانيتها ، رغم الحجم الهائل من عديد القوات العسكرية العراقية والمتعددة الجنسيات وأسلحتها المتطورة وامكاناتها المادية والتقنية ، ويحتّم البحث ايضا في طرق الخلاص من هذا الأندساس من قبل اولئك المجرمين في الأجهزة الأمنية والقتل اليومي الذي يمارسوه وبشكل بشع ارهابي وبأسلحة وهويات ومركبات الدولة (الحادث الأجرامي البشع الأخير بحق عائلة الشهيد وهاب الصافي) .

ان الظواهر وأسبابها ، في بلدنا ، لا يمكن ابعاد ارتباطها بالصراعات على المستوى الدولي بين مراكز السيطرة العالمية ، وبينها وبين الأنظمة ذات المصلحة في التأثير السلبي على العراق وشعبه .

ان التخلف في كافة المجالات الأقتصادية والأجتماعية والثقافية وما تبعه وانعكس عنه من تخلف في المستوى الفكري والثقافي للأنسان العراقي ووعيه ، منعكسا على ممارساته اليومية أو منطلقات تحليله للواقع الموضوعي ومسبباته وآفاق تطوره .
ان هذا التخلف لم يكن وليد ما بعد سقوط النظام الفاشي ، بل كان استمرارا لما مارسه ذلك النظام الشوفيني المجرم من سياسات وفي كافة المجالات على بلدنا وشعبنا .
فمن الحقائق الواجب الأنتباه اليها جديا ، ، هو ذلك الأنقطاع الذي أحدثه ، متعمدا ، النظام المقبور بين العراق كبنى اقتصادية علمية واجتماعية ، وبين التطور الأقتصادي والعلمي والتقني والثقافي والسياسي والحضاري ألذي عمّ العالم خلال العقود الأخيرة ، ممّا سبّب في أقتطاع حلقة هامة ضمن سلسلة التطور المتأملة للعراق ، وعلى الجميع العمل على اعادتها بروحية مخلصة للوطن والشعب .
ان سياسة الأرقام المبالغ فيها ، أو الصحيحة ولكن بلا نتائج مفيدة للناس ، وعقود المشاريع الخيالية والنجاحات الأمنية المبالغ فيها والتحالفات الأعلامية وكسب العشائر والقبائل وتبويس اللحى والوجوه الحليقة ليل نهار ونسب الأنخفاض في الجريمة والأرهاب غير الواقعية والقاء القبض غير المتوقف على قادة ارهابيين وعناصر ارهابية ، كلها ضعيفة أمام واقع حال يراه ويلمسه الناس ، وأثبت فشل هكذا سياسة أعلامية تأريخيا .
فالمصارحة والشفافية وكشف الوقائع ، وبالمستندات والوثائق ، غير المنحازة لأية جهة . هي التي نستطيع من خلالها من زيادة عدد الفاعلين من أبناء شعبنا ، في الأندفاع والمساهمة بأخلاص في بناء البلد .
عليه ولمّا كانت لحد الآن سياسة التجريب معتمدة وبقوة لدى القائمين على ادارة البلد ، فلم لا نجرب لقاء جميع القوى الفاعلة على الأرض ، أحزاب ، منظمات ، شخصيات ، بعيدا عن التعصب الفكري والموقف المسبق ، بعيدا عن قناعة امتلاك الحقيقة والحلول ، بعيدا عن الدين والطائفة والعشيرة والقبيلة .

وقريبا من الشعب والوطن .
 


 

Counters