| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

باسل أودو

 

 

 

الأحد 20 /7/ 2008



أل (أنا) و أل (ألآخر)

باسل أودو - الدنمارك

كيف تنتسب إلى العقيدة أو الآيديولوجيا ألتي تحدد أنماط التفكير ، وتحافظ في نفس الوقت على روح البحث المستقل . وكيف يمكنك حل الإشكال القائم بين الآيديولوجيا ألتي تعبّر عن العام وبين الديمقراطية ألتي تعبّر عن الخاص .

هل نحن بحاجة إلى خصم أو عدو أو الآخر كي يكون محركا وشاحذا للفكر ؟
هل نحن بحاجة إلى صدمات تحرّض الفكر وتشحذه للرد بأدوات ووسائل تكون المعرفة أهمها ؟
إنّ الإحتكاك بين الأفكار والرؤى والثقافات يجب أن يكون معرفيا خالصا ، وأن يصل إلى مستوى (( المعرفة المغتبطة )) حسب تعبير نيتشة . لا أن يكون صراعا دمويا حربيا ، يؤول إلى فرض ثقافة الغالب ، بعد نزالات غير متكافئة .

فالثقافة المؤمنة بقدراتها الذاتية ، والمستجيبة دوما للجديد ، لا تخشى الثقافة الأخرى ، لأنها تحمل في ذاتها الرغبة الدائمة والحاجة الدائمة والإستجابة المستمرة لكل ما هو جديد ، وبالتالي تستطيع تقديم الردود ، بل وحتى تستطيع إحتضان الإستثناءات و (( تصالحها )) وتتحاور معها .

إنّ الخوف الدائم من تجديد الطروحات والإبداع فيها ، سواء على مستوى الأفراد بسبب ضغوطات عصر الآيديولوجيا وإلتزاماتها و (( عقوباتها )) القاسية وسلطات أوّلي الرأي والمعرفة الواسعة ، وعلى مستوى الحكومات وأوّلي الأمر بسبب الهزائم والخيبات المتكررة وفي كل المجالات ، العسكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية ، الهزائم ألتي تشكّل الأرضية المناسبة للقمع والتخلص من هاجس الخوف المرافق للسلطات القمعية من التفتت والإندثار . هذا الخوف الدائم هو ألذي أدّى إلى إستمرار الإخفاقات والإنتكاسات ، والإستحضار الدائم للقديم وملاءمته عنوة لحاضر تجاوزه ويلفظه .

فتبادل الأفكار والثقافات ، ب (( إعجاب )) متبادل هو ألذي يصنع حضارة ، هو ألذي يحقق التقدم ، فالثقافة  بحاجة إلى ثقافة مقابلة لكي يزدهرا سويا ، كما الزهرة بحاجة إلى زهور ليصنعا ربيعا .

بإمكاننا إحداث إنعطاف ثقافي عبر تغيير طريقة النظر إلى الآخر ، سواء الآخر ألذي في الداخل ، أو الآخر ألذي في الخارج . فقد مضى زمن طويل دون أن نتمكن من أن نبدع ثقافة متفوقة ، ولا زلنا ننظر إلى الآخر كعدو ، وليس كمتفوق في معارفه وسلوكه وحضارته ، ولا زلنا منقسمين بين تيارين كبيرين متعارضين ، علماني وديني أصولي ، إزاء النظرة إلى الآخر ، وإزاء النظرة إلى الغرب .

الحضارة ذات سمة عالمية ، بغض النظر عن مصدرها ومركزها ، فالحضارة العربية الإسلامية لم تكن  تأثيراتها في قرونها الأولى على منطقة نشوئها ، بل تعدّتها إلى المناطق ألتي هي الآن مركز للحضارة ، بل ومنجم ضخم من المعارف ، لا يجوز عدم الإستفادة منه أو النظر إليه كعدو . من الممكن الإختلاف معه في بعض خصوصياته ، ولكن رفضه يجعلنا في نفس فترة الإنحطاط والتدهور ألتي مرّت على مجتمعاتنا والتي دامت لأكثر من خمسة قرون ، حتى بدأ الغرب يدقّ أبوابنا ، وأدخل إلينا الدولة الحديثة ، وأنشأ المؤسسات الإقتصادية والتعليمية ... ، وبدا واضحا مدى العجز عن إستيعاب العلوم الجديدة ومدى التخلف ألذي وضعنا أنفسنا فيه ، بسبب أفكار تعتقد بل وتصر على إنّ تحررنا يكمن في مواجهة الثقافة الأخرى وإلغائها .

إنّ نوعية الإستجابة للثقافات الأخرى هي الأهم في الإحتكاك الثقافي . من هو الآخر ، الآخر / العدو أم الآخر / الحاجة المكمّل ؟ .

فالديمقراطية الحقيقية ، هي الساحة الوحيدة ألتي تصل بالجهود الباحثة إلى إكتشاف النقطة الصالحة للإقلاع  بإتجاه الحضارة المدنية الحديثة .

التقدم والتطور يفترض ويستوجب الخلاف ، إلاّ أنّ الخلاف لا يقترض ولا يستوجب القتال . التقدم والتطور يفترض ويستوجب الحوار ، إلاّ أن الحوار لا يفترض ولا يستوجب الإرهاب والإلغاء والعنف . المواجهة مع الذات ومع الآخر من غير سفك للدماء ومن غير تعصّب .

فلعصرنا ثقافته وخصوصياته . وثقافة عصرنا غنية بالثقافات الخصوصية المتبادلة التأثير والتأثّر فيما بينها ، وخصوصياته غنية بتفاصيل مشتركة ، وولوج عصرنا وثقافته وخصوصياته لا يتم إلاّ عبر المعرفة التامة بثقافته وخصوصياته ، لا عبر أل (( أنا )) والخشية والخوف من تبدل الهوية أو ضياعها أو إندثارها .

الحضارة عالمية ، تصل إليها وتتطور مع تطورها شعوب ، وتتخلف شعوب ، والتخلف ليس مكون طبيعي للشعوب ، التخلف متعمد ومقصود ، سببه النظريات والمصالح وليس الشعوب .

العجز المعرفي هو العدو ، العجز في التواصل مع الآخر وقبوله والتأثر به والتأثير عليه .


 

free web counter