| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس
http://dr-bahjat.com

 

 

 

                                                                                    السبت 8/9/ 2012

 

قصص من الحياة

د. بهجت عباس

1. بداية رحلة الحياة
كانا صديقين من الطبقة الفقيرة . يميلان إلى اليسار. يصدران نشرة أدبية جدارية مدرسية نصف شهرية في العهد الملكي استمرت من الصف الثاني المتوسط حتى الخامس الثانوي. حصل أولهما على درجة عالية في امتحان البكالوريا تؤهله للقبول في أيّ كلية عراقية وحتّى البعثة إلى خارج العراق. وحصل الثاني على درجة واطئة لا تسمح له إلاّ بالدراسة في كليات محدودة.

أخذ الثاني يلعن الحكومة وينعتها بالعمالة .
علّق الأول بسخرية وهو لا يعني ما يقول : "لماذا تسبّ الحكومة الطيّبة؟"
أجابه الثاني غاضباً " بعد مصار بأظافيرك طحين كَمت تمدح بالحكومة" أيْ (قبل أن تحصل على النعمة أخذت تمدح الحكومة)

وكان آخر لقاء بينهما.

2. نكد البشر أمِ الدّنيا ؟
كان شابا متخصصاً في برمجة الكمبيوتر ومقيماً في الإمارات العربية المتحدة . وجد وظيفة في شركة بعد جهد جهيد فأبدى نشاطاً وكفاءة نالت استحسان مديرها الذي أعجبته خبرته وإخلاصه في عمله فوعده بترفيع قريب وزيادة مرتبه.

بعد أسابيع قلائل من عمله ذهب إلى بغداد بإجازة، فرحاً متفائلاً بمستقبل زاهر ليتزوج من قـريبته . عاد معها إلى الإمارات ليبدأ حياة عائلية سعيدة.
أقام حفلة زواج باذخة رُغم نصيحة عمّه بعدم إقامتها ، دعا إليها شلّة من الأقارب وجمعاً  من زملائه في الشركة.

بعد يومين تلقّى رسالة من الشركة تتضمن الاستغناء عن خدمته .

3. فتاة من بودابست - لعبة الحياة
كان اسمها تينا ، فتاة هنغارية جاءت إلى كندا في بداية السبعينات من القرن الماضي ولم تتجاوز العشرين عاماً.
تزوجت موسيقاراً يهوديّاً وذهبت معه إلى ميامي - ولاية فلوريدا الأمريكية.

لم ينجح الزواج ، فعادت إلى كندا وعملت محاسبة في شركة تضمّ مختبراً للتحليل وصيدليات .

تعيّن صاحبنا رئيس قسم فيها فانعقدت صداقة عمل بينهما. كانت تستشيره في أمورها الخاصّة حيث كانت قلقة وتتوجّس خيفة من المستقبل الذي قد يأتي بيوم ماطر ( يوم أسود ) فكانت توفّر ما استطاعت من المال تأهّباً للقاء ذلك اليوم .

تزوجت مرة ثانية من مهندس هنغاري فلم يستمر الزواج سوى سنتين فعادت تعيش مرة أخرى وحيدة بضع سنين.

تزوجت مرة ثالثة من صينيّ يعمل في تجارة العقارات وكان يشكو من مرض القلب . أصيبت بسرطان الثدي وأخطأ الطبيب في التشخيص فجاءت عملية استئصاله متأخرة وانتشر المرض في جسدها.

بعد ثلاث سنين من الزواج الأخير ذهب الصينيّ للقاء ربّه فبقيت وحيدة مرة أخرى. كان صاحبنا قد ترك العمل في الشركة واتّخذ عملاً (حرّاً) وتركت عملها أيضاً بعد بضع سنين وكان يدعوها في كل مناسبة إلى بيته وكانت زوجته تعدّها واحدة من العائلة وتتبادل معها الأحاديث التلفونية بين آونة وأخرى . نصحها بالعودة إلى بودابست ، بعد تحرّر هنغاريا من السوفييت ، لتعيش مع أمها التي تملك بيتاً كبيراً وأختها ، وتأخذ ما ادخّرته ، كانت تملك شقة ومائتيْ ألف دولار وكيلوغرام من الذهب الخالص ، وهي ثروة هناك ، فبهذا لن ترى اليوم الماطر  أبداً فرفضتْ.

بقي الاتّصال مستمراً وفجأة انقطع ، ربما لانشغال كل منهما بأمور الحياة المعقدة . دام الانقطاع شهراً . أدارت زوجته قرص التلفون لمكالمتها ، فكان على الجانب الآخر صوت نسائيّ آخـر. هل يُمكنني التكلم مع تينا رجاء؟ فأجاب الصوت النسائي الغريب، إنّ تينا انتحرت ، فقد التهمت كمية من الحبوب المنوّمة ولم تفق بعدها! وأوصتْ بحرق جثمانها ! وها هي ذي رماداً في القارورة على الرفّ منذ ثلاثة أيام لإرسالها إلى بودابست. جاء في وصيّتها أيضاً إعطاء كلّ ما تملك إلى المرأة التي قامت بخدمتها.
 

 

* عضو متمرس في جمعية الكيمياء الحياتية البريطانية

free web counter