| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس
http://dr-bahjat.com

 

 

 

الثلاثاء 8/2/ 2011



شركات التقنية الجينية تضع جيناتك في يديك ولكن بأيّ ثمن ؟

 د. بهجت عباس

تفكيك الجينوم البشري بدأ العمل فيه عام 1990 وانتهى عام 2003 لقاء كلفة 3 بلايين دولار. بعد هذا أخذت شركات التقنية الجينية تتسابق لفكّ جينوم الأفراد الراغبين في معرفة جيناتهم الشخصية وما هي عليه من تشوّه أو انحراف يقود إلى أمراض تصيبهم في المستقبل القريب أو البعيد ليتداركوا الأمر قبل فوات الأوان. فقد فككّ العلماء بعض الجينومات عام 2007 في مدة بضعة أشهر وبكلفة بضعة ملايين من الدولارات . ثم تطورت التقنية أكثـر حيث صار من المستطاع تفكيك 100 جينوم بشري مرة واحدة بماكنة (حاسوب) ضخمة صًمِّمت حديثاً حيث جعلت الكلفة تقل كثيـراً . وبعدها نشطت الشركات التجارية للقيام بهذا المشروع المثمر دائماً ، فشركة إلّومينا Illumina مثلاً في سان دييغو – كاليفورنيا استطاعت تفكيك جينوم الإنسان لأول مرة تجارياً في حزيران 2010 بمبلغ 48 ألف دولار ، وكان زبائنها من الممثلين والأثرياء ، وبهذا وضعت جينات الفرد كاملة أمام (الزبون) ، فمنها الصحيح ومنها المشوّه ، مشخصة الجينات التي لها استعداد للتشوّه في المستقبل والمرض الذي سيصيب ذلك الشخص من جرّائها . ثم ّ خفّضت سعرها بعد ذلك ليصبح 19500 دولار. وأعطت تخفيضَ 50% لأشخاص يعانون من أمراض مهمة . أما إذا أراد الشخص أنْ يُشخِّصَ قِطَعـاً صغيرة من الدنا DNA بتفكيكها ومعرفة الجينات التي تهمه فقط ، كجينات البروستات في الرجل و جينَيْ الثدي BRCA1 و BRCA2 في المرأة ، فيما إذا أصابهما التشوه الذي يقود إلى السرطان ، فسيكلف ذلك مبلغ 1000 دولار أو أقل ، حسب حجم القطعة الجينيّـة المراد تفكيكها .

وهناك شركات أخرى منافسة مثل شركة (23 and me) وتعني (23 زوجين من الكروموسومات)، فقد تفكك قطعة بين نصف مليون ومليون قاعدة زوجية بمبلغ يقل عن الـ 500 دولار . وهناك شركات أخـَر. ولكن الشركة Complete Genomics تعتبر من الشركات الكبرى في هذا المضمار ، فقد فكّكت 500 جينوم ، وتتوقع أنْ تفكّكَ مليون جينوم سنوياً بحلول 2013 وهي تنافس الشركة Illumina في الأسعار. ومن المتوقع أنّ انخفاض السعر إلى 1000 دولار فقط لتفكيك الجينوم كاملاً سيؤدّي إلى تفكيك جينومات الأطفال عندما يولدون ، وهذا ما سيكون له رد فعل سلبيّ أيضاً . فمعرفة تشوّهات الجينات عند الأطفال والأمراض المُتَـوَقَّع إصابتهم بها في المستقبل يجعل مستقبلهم في الوظيفة والعمل وحياتهم الاجتماعية أمراً غير مريح . ولكنّه من ناحية أخرى يكون ذا فوائد كثيرة ، إذ سيحاول هؤلاء اتخاذ الإجراءات والتحفظات اللازمة لتجنب الإصابة أو تأخيرها على الأقل .

وستُعرف الفوارق في الجينات بين أفراد المجتمع الواحد من ناحية وبين أفراد مجتمعات أخرى من ناحية أخرى وتأثير هذه الفوارق على التصرّف والسلوك . فالبيئة تلعب دوراً في تغيير فعالية الجين في أنتاجه البروتين . فإدخال مجموعة المثيل CH3 أو مجموعة الأستيل CH3COO إلى الدنا يغيّـر فعاليتها ، فقد يثبّط إنتاج البروتين (هرمون أو خميرة/إنزيم) ، وهذا يؤثر على صحة الفرد أو نشاطه أو تصرفه . إنّ تفكيك الجينوم سيُظهر تسلسل الجينات والقَطَع الجينية الأخرى من الدنا على حقيقتها ، كما هي عليه في خلية الإنسان ، ولكن ليس من الضرورة فهم كل المعلومات والتفاصيل الأخرى للجينات ، فليست كل الجينات معروفاً عملها ، إذ أنّ بعضها لا يزال في دور الاكتشاف ، وكذلك يعتمد على قدرة الشركة التي تفكّك الجينوم فليس كلّ الشركات متساوية في تفسير النتائج .

إنَّ هذه التقنية تعتبر إنجازاً عظيماً في علوم الجينات ، إذ سيجعل الجينات مكشوفة للفرد وللطبيب ولذوي المهن الصحية ، وبهذا يعلمون أيّ مرض سيصيب حامل هذه الجينات في المستقبل ، فيكون بالمستطاع تقليل وقوع المرض الجيني أو تفاديه تماماً. ستكشف هذه العملية عن حامل الجينات المتنحية التي تورث ولا تصيب الطفل ما لم تكن جينات متنحية في كلا الأبوين ، فبهذا يؤخذ الحذر عند الإنجاب . كما ستكشف هذه العملية عن أبوة الطفل الحقيقية وهذه مشكلة قد تسبب هدم العلاقة الزوجية . وكذلك تكشف عن النسب أباً عن جدّ فيما إذا كان صحيحاً أم مزوّراً ، أيّ أن تغييراً أساسياً في العلاقات العائلية أو المجتمعية قد يكون وارداً . فالفرد سيكون مكشوفاً وكتاباً مفتوحاً وهذا ما يؤثِّـر سلباً على الشخص ، وخصوصاً في بلادنا التي يكون كشف المستور الذي يعاقب عليه القانون في الدول الغربية فيها أمـراً عاديّاً.

 

 

free web counter