| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس
http://dr-bahjat.com

 

 

 

الأربعاء 8/7/ 2009



الطبع والتطبع والجينات

د.  بهجت عباس

شغلت مسألة الطبع والتطبع أفكارَ مئاتِ الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع عشرات القرون، فكانتْ نتيجة ذلك نظريات متعددة متناقضة، تـؤيد إحداها الطبع الموجود أصلاً في الإنسان عند ولادته، بينما تـؤيد الأُخرى التطبع المكتسب من البيئة والظروف الاجتماعية التي يسبح في لججها. فمِنْ قائلٍ إنً الإنسانَ مُسَيرٌ لا مُخَير، فإذا عمل شيئاً، فذلك مكتوبٌ على جبينه عند ولادته، سواء أواتاه حظ أمْ سوءُ طالع. كان أبرزُ دعاة هذه النظرية قديماً الأشعرية (نسبة إلى حسن الأشعري المتوفى عام 340 هجرية والذي كان من تلامذة المعتزلة وانقلب عليهم ). الإنسان عند المعتزلة مخيرٌ وليس مسيراً، فهو ذو عقل وإرادة حرة وهو مسؤول عن أعماله، لأنً عقله يُريه الصواب من الخطأ، وهذا مضاد للجبرية التي تقول إنً كلً شئ مسببٌ مباشرة من الله، وعلى هذا ذهب الأشاعرة :

              ألقاه في اليمِّ ِمكتوفاً وقال له         إيّاكَ إيّاك أن تـُبتـَلَّ بالماءِ

إنَّ إحلالَ الروح في الجسد أو امتزاجَ الروح بالمادة كان جوهر الفلسفات الهندية والبونانية القديمة، والتي طورها الفلاسفة المسلمون، وظهرتْ في كثير من الشعر العربي قديماُ وحديثاً والتي حبذ أكثرُها الطبعَ، كقول بشار بن برد مثلاً :

             خُلِقتُ على ما كُنتُ غيرَ مُخيَّرٍ      هواي، ولو خُيرتُ كنت المُهذَّبا

وقوله أيضاً :

             والشيخُ لا يترك عاداتِه             حتى يُوارى في ثرى رُمسه

وقول شاعر آخر :

             ومُكلفُ الأشياءِ غيرَ طباعها        مُتطلبٌ في الماء جذوةَ نارِ

ولكنَّ أبا العلاء المعري يناقضها

             كذب الظن، لا إمامَ سوى العقلِ مشيراً في صبحه والمساءِ

وكذلك :

             وينشأ ناشئُ الفتيان فينا       على ما كان عـلـَّمَهُ أبوهُ

ولكنه ينقض ذلك عند تشاؤمه :

           كمْ وعظ الواعظون فينا     وقام في الناس أنبياءُ
           فانصرفوا والبلاءُ باقٍ       ولمْ يزلْ داؤك العَياءُ
           حكمٌ جرى للمليك فينا       أمْ نحن في الأصل أغبياءُ؟


أما الشيخُ إبراهيم اليازجي فقد مزج الطبع والتطبع معاً :

         ألفتمُ الهونَ حتى صار عندكمُ       طبعاً وبعضُ طباعِ المرءِ مُكتَسَبُ

والأمثلة كثيرة جداُ، وما ذُكر لا يُعَدٌ إلا النزْر منها.
فإذا أخذنا (الطبع) بالمَفهوم العلمي حالياً، وجدنا (الجين) يلازمه. هذا الجين المسؤول عن المظهر الخارجي للكائن الحي سواءٌ أكان جرثومةً، حشرةً، نبتةً، حيواناً أو إنساناً، يلعب الدور الرئيس في العمليات الجارية (داخل) هذا الكائن الحي. فكما (يمنحه) الهيكل الخارجي، أو (البنية الخارجية)، يمنحه أيضاً (البنية الداخلية أو التحتية). الجين الذي يعطي الفرد ملامحه الشخصية مثل الطول، لون البشرة أو الشعر أو العينين وغير ذلك يكون مسؤولاً أيضاً عن الإفرازات الداخلية التي تسيطر على وظائف الجسم كلها، كالخمائر والهورمونات والبروتينات الفعالة وغيرها. فإذا كان للجين (قابلية) تحديد المظهر الخارجي، أليست له (قابلية) تحديد فعالية الإنسان أيضاً؟. وهنا يجب أن نعرف عن الجين طبقاً لمشروع الجينوم البشري الذي أنتج مسودة الخريطة الجينية في حزيران 2000.

الخريطة الجينية أو ما سُمِيّتْ بـ (كتاب الحياة ) نصًتْ على ما يلي:
كل إنسانٍ على سطح الأرض يشترك في 99.9% من الجينات.
تُكوّن البكتريا (230) جيناً من جيناتنا.
إنً 95% من الجينات تافهة (غير فعالة) و5% فقط فعالة. أما التافهة، فيُظنّ ُأنها تسيطر على وقت عمل البروتين ومكانه.
إنً عدد الجينات الفعالة يقارب 25 ألف جين.
قد يُكَوّن الجين 3 أو 4 بروتينات وليس بروتيناً واحداً، كما كان يُعتقد من قبلُ.
فالاختلاف إذاً هو%0.1 فقط بين الأفراد. وهذا يعني أنّ في كل سلسلة وحدات جينية (نيوكليوتيدات ) تتألف من ألف قاعدة، هناك قاعدة واحدة مختلفة و999 قاعدة متشابهة.
وإذا عرفنا أنّ ثمة 3 بلايين (مليارات) قاعدة زوجية تُكَونُ جزيئة الـ دي. أنْ. أي ( دنا ) DNA ، يكون ثمة 3 ملايين قاعدة زوجية مختلفة بين أي فردين (عدا التوأمين المتناظرين – من خلية مُخَصبة واحدة). فماذا يعني هذا الاختلاف؟ لا يعني شيئاً في أكثر الأحايين وقد يكون قاتلاً في بعضها.
تقع الجينات على تراكيب خيطية الشكل تدعى بالـ (كروموسومات)، وعددها 46 في كل خلية وتكون بشكل زوجي (23 زوجاً-22 جسمياً وواحد جنسي ) ويكون كل زوجين متماثلاً، عدا زوجيْ الذكر، حيث يكون أحدهما ( X ) والآخر ( Y ). والكروموسومات التي نرثها من أبويْنا هي ليست تماماً الموجودة في الأبوين، إذْ أنَّ تبادل أجزاء (مواد جينية) بين الكروموسومات المتشابهة يحصل في الانقسام الأول (الميوزي) للخلية الجنسية بتقارب زوجيْ الكروموسومات المتماثلة التي تتكسّرعند نقاط معينة في طولها متبادلة أجزاءً متساوية من (الدنا) ثم تتصل ببعضها مرة أخرى. هذا التبادل يؤدي إلى كروموسومات تحتوي على مجموعات جديدة من الجينات والعلامات الفارقة. و(مجموعات) الجينات هذه الموجودة في قطعة الكروموسوم قد لا توجد في أي من الأبوين. فحصول الجنين على أحد هذه الكروموسومات الجديدة والجينات المحمولة عليها يعتمد على الحظ فقط. ومن هنا يأتي الاختلاف بين الأخوة.
أكثر الاختلافات في جينومات الأفراد بسيطة، فهي تكون إما عدة قواعد زوجية مفقودة هنا أو مضافة هناك، وهي لا تؤثر كثيراً، إذ أنَّ أغلبَها يقع في المناطق التي لا تُدون البروتين. فالجينوم ( مجموعة المواد الجينية في الخلية ) هو مجموعة التغيرات الجديدة والقديمة. والتغيرات المتتابَعة تـُؤدّي إلى انتقال هذا الجينوم (المتغير) إلى الأجيال اللاحقة. فلذا يكون التشابه بين الأقارب موجوداً.

الاختلاف بين الأفراد
سبق أنْ ذكرتُ أنَّ ثمّةَ 3 ملايين نقطة (وحدة جينية) مختلفة بين الأفراد. والأخطاء الحاصلة في الجينات المنفردة تكون مسؤولة عن أكثر من أربعة آلاف مرض . وكما توجد الكروموسومات في ازدواج، توجد نسختان من أكثر الجينات أيضاً، ويُستـثـنى من هذا بعض الجينات الواقعة على الكروموسومات الجنسية، مثل الكروموسوم الذكري ( X ) فهو مفرد، ولذا فهو يحتوي على جينات منفردة، كما لا يوجد مُناظِر لكروموسوم ( Y ) الذكري.
ويبقى ثـَمّة سؤالٌ هام، وهو: هل تـُؤدّي الجينات الموجودة والمتشابهة نفسَ الوظيفة والعمل؟
إذا عرفنا أن الشمبانزي يشترك في 98.7% في جينات الإنسان، فإنَّ مجلة ساينس ذكرتْ في عددها الصادر في 21 نيسان 2001 أنّ الجينات في دماغ الإنسان تعمل بطريقة مختلفة عن الجينات الموجودة في الشمبانزي. وهذا يُعطي الإنسان سبقاً كبيراً في القوة العقلية على ما يقاربها من القرود. فعند فحص أكثر من ستة آلاف جين فعالة في دماغ الإنسان، وُجِدَ أن 175 جيناً منها تنتج من البروتينات خمسة أضعاف ما تـُنتج مثيلاتـُها في الشمبانزي. إنَّ هذا التركيبَ المُتغير لهذه الجينات أعطت هذا التمايز الذي منح الإنسان المعرفة. ويظهر أنً الفرق 1.3% من الجينات ضئيل عدداً والواقع إنه يُمثل خمسين مليون وحدة مختلفة في التدوين الجيني الذي يتكون من ثلاثة بلايين قاعدة زوجية. ورغمَ أنَّ أكثر هذه النقاط ليس بذي أهمية كبيرة، إلا أنّ بعضَها ذو تأثير كبير على آلية عمل الدماغ. إنَّ ثمة حقيقة ًوجب ذكرها، وهي أنَّ الجينات الموجودة في البشر ليستْ مُتساوية في الفعالية منْ حيث إنتاجها البروتينات. والبيئة تلعب دوراً هاما أيضاً. الجينات قد تستنسخ ذاتها إذا اقتضت الحاجة . فمثلاً في البيئة الملوثة بمادة الكادميوم (مادة سامة تكثر في التربة) يحتاج الجسم إلى مادة (متالوثايونئين) لمعادلة سُمِيـّـته، فالجين المُكلف بإنتاج هذه المادة يضاعف (يستنسخ) نفسه مرات كثيرة ليلبـّي الإنتاج المطلوب، وقد يصل عدد نسخ هذا الجين إلى ألف نسخة إذا لزم الأمر. وقد تنعدم وظيفة هذا الجين وحتى قد يختفي إذا عاش الفرد في بيئة خالية من الكادميوم، حيث تنعدم الحاجة إليه. وهكذا تتصرف غالبية الجينات الأخرى الفعالة. وإذا كانت هذه الجينات (المتغيرة) في الخلية الجنسية للفرد، يرثها أطفاله وتكون في أجيالهم.
وهذا أحد الفوارق بين جينات البشر الذين يعيشون في بيئات مختلفة وظروف متباينة.

الجين وتصرفات الفرد
الدراسات المتتالية أثبتت أن الجينات تلعب دوراً هاماً في تصرفات الفرد وحاله العقلية. فالتوائم المتناظرة، مثلاً، الذين يشتركون في جيناتهم وليس في بيئاتهم، متشابهون في الشخصية والذكاء والتركيز العقلي أكثر من إخوانهم غير التوائم الذين يشتركون معهم بنصف الجينات، ويرثون أيضاً الأمراض مثل انفصام الشخصية والكآبة. لكن الجين يجب أنْ (يعمل) مع جينات أخرى في عمليات معقدة ليُظهـِرَ فعلَه. إنً عمل الجين يرجع إلى فعل البروتين الذي يُنتجه. فمثلاً نقصان مادة السيروتونين من الدماغ يُؤدي إلى الكآبة، لأنَّ السيروتونين يسيطر على مزاج الإنسان وعاطفته وتصرفاته في المجتمع. السيروتونين يسيطر على الشهية والرغبة في تناول المشروبات الروحية، وينظم النوم ويُحسّـنه، فلذا يُحسّن النشاط والحيوية. وهو موجود في الغدة الصنوبرية ويُنتـَج أثناء النهار ويتحول إلى مادة الميلاتونين بتوسيط (cAMP ) ليلاً. فتركيزه يرتفع استجابة للضياء. أما الميلاتونين فيرتفع في الظلام. وهذا الأخير يسيطر على الساعة البيولوجية في الإنسان ويتناقص مع التقدم في العمر، إذ ينخفض تركيزه ليَصلَ 10% عندما يبلغ الإنسان ثمانين عاماً من عمره نسبة إلى ما هو موجود منه في من كان في العشرين. وهو يساعد على النوم المنتظَم، فلذا يكون كبار السن عادة أكثرَ أرقاً من الشباب إذا كانوا في ظروف متشابهة.

وثمة مادة أخرى تـُـفرَز في الدماغ كناقل كيميائي هام هي الدوبامين. هذه المادة التي تـفرزها جينات معينة في خلايا (منطقة الانشراح) الدماغية، وتكون مسؤولة عن الطرب والانشراح وإنَّ نقصانها يسبب مرض الرعاش (باركنسون) والكآبة.
ولا ننسى الناقل الكيمياوي أوكسيد النتريك (NO ) الذي يُنتـَج كغاز يدوم بضع ثوان فقط مسبباً انبساط الأوعية الدموية، ومن هنا يأتي عمل العـقـّار المعروف بـ (فياغرا).

إنً قلة وجود أكسيد النتريك في الدماغ أو قلة إفرازه نتيجة خلل في خميرة نايتريك أسيد سينـثيـس التي تتوسط إنتاجه، يسبب الغضب والعنف، كما يقول مكتشفه د. سنايدر وزملاؤه (1993) من جامعة جون هوبكنز. هذه الخميرة هي نتاج جين مُعَيّن والخلل الذي يصيب هذا الجين أوعدم وجوده أصلاً يقود إلى العنف.
وهناك حقيقة وجب ذكرها، ذلك أنَّ كثيراً من الجينات لا يظهر فعلها ما لمْ تجابه ظروفاً ملائمة. فالشخص الذي يرث جين مرض السكر النوع الثاني من أبيه أو أمه ليس محتماً عليه أن يصاب بمرض السكر إذا التزم بنظام صحي في الغذاء ومارس الرياضة والتمارين البدنية المنتظَمَة، فالجين في هذه الحال ( نائم)، ولكن (استفزازه) بالانغماس في الطعام والشراب وزيادة وزن الجسم وعدم الحركة أو قلة النشاط البدني (يوقظه) وهذا ما يؤدي إلى الإصابة به.

فالدماغ يسيطر على العاطفة والتفكير والكلام، وهذه السيطرة تـتمّ بواسطة موادَّ كيميائيةٍ تفرزها خلاياه العصبيةُ وتؤدّي فعلَها كما ذُكر سابقاً. تُـفـرَز هذه الموادّ إستجابةً لظروف البيئة أو نتيجةَ تعاملها معها، وقد أُطلِقَ عليها بالنواقل العصبية neurotransmitters، وهي متخصصة ويُـقـدّر عددها بخمسمئة ناقلٍ. واهمها هي: أدرينالين (إبينفرين)، نورأدرينالين، دوبامين وسيروتونين، هذه النواقل الكيميائية تلعب دوراً هاماً في ضغط الدم والسيطرة على العاطفة. ولكنَّ ثمة خميرةً ( بروتيناً ) في الدماغ تنظـِّم عملَ هذه النواقل، وتسمـّى مونوأمين أوكسيديس monoamine oxidase، وهذه تحطِّم الأدرينالين ونورأدرينالين وسيروتونين وتحولها إلى مواد َّ غيرِ فعالةٍ. وقد و ُجـد حديثاً أنَّ هذه الخميرةَ تلعب دوراً كبيراً في تصرف الإنسان، وخصوصاً العنف، حسب كميتها الموجودة في الدماغ. فقد وجد الدكتور هانز برونر ( هولندا ) بالتعاون مع زاندرا بريكفيلد جيناً يقع على الذراع الطويل للكرموسوم X في الذكـر، فإذا كان هذا الجين (مـُشـوَّهاً أو متغيِّـراً mutated) أيْ غير فعال، وبمعنى آخر، لا ينتج الخميرة مـونوأمين أوكسيديس، يكون حامله (عنيفاً) إذا صادف ظروفاً ملائمة . ولما كان التركيب الجيني الجنسي للرجل هو XY ، لذا يوجد هذا الجين بنسخة واحدة ، ويُورث من الأم فقط . أما الأنثى، فهي تملك نسختين لتركيبها الجيني XX ، فإذا كان أحدُ الجينين متغيراً (عاطلاً)، فالجين الثاني يعوِّض في الإنتاج. أما إذا كان الجينان
سليميْـن (طبيعيَّـيْن) فيها ، تكون عرضة للكآبة ، وذلك لكثرة إنتاج الخميرة مونوأمين أوكسيديس التي تحطم النواقل الكيميائية المذكورة أعلاه أكثر مما يتطلب وخصوصاً الدوبامين مسبِّب الفرح والإنشراح .

وفي حالات نادرة أنْ ترثَ الأنثى نسختين عاطلتين من هذا الجين، فإن ورَثتْ، فالعنفُ قد يكون ديدنَها. وقد تبيّـن من دراسات قام بها باحثون أخرون مثل أفشالوم كاسبي من معهد لندن للأمراض النفسية سنة 2002 أنَّ بعض الأولاد الذين يُساء إليهم في طفولتهم ينشأون طبيعيا،ً إذا كانوا يحملون الجينَ غيرَ المشوَّه، وبعضهم يكون عنيفاً في تصرفاته، إذا كان الجين الذي يحمله مشوهاً. وهذا يعني أن ثمة اختلافاً ( جينيّـاً )، فالأشخاص الذين لديهم كمية طبيعية من البروتين مونوأمين أوكسيديس يكونون ( مـُحصَّـنين ) من العنف، والذين هم بكمية واطئة من هذا البروتين، إذا أُسيء إليهم في طفولتهم، يكونون أقـلَّ امتزاجاً بالمجتمع وأربعَ مراتٍ أكثرَ عنفاً ومسؤوليةً عن حوادث الإغتصاب والسرقة والإعتداءات، وبمعنى آخرَ، إنّ الإساءةَ إلى الطفل ليست كافيةً، فيجب أن يكون ثمة جين واطئُ الفعالية، كما أنَّ هذا الأخيرَ ليس كافياً وحده للعنف، بل يجب أن تكون إساءة مصاحِـبة له. وهذا يعني أنَّ كمية البروتين مونوأمين أوكسيديس تلعب دوراً في العنف، سواء أ ُسِيءَ إلى الشخص في طفولته أم لم يُـسَـأْ إليه.

ويمكن القول إنَّ بعض الأشخاص أكثـرُ عنفـاً من الآخرين. هذه حقيقة. ويمكن لظاهرة العنف هذه أن يسيطر عليها جين واحد فقط يتفاعل مع ظروف البيئة، وهذا يعني أن ( كلَّـنا يحمل " جين العنف " – ولكنّ الباحثين شخّصوا تغيراً جينياً بسيطاً يؤدي إلى الإنفجار)، كما يقول د. جيمس واتسون مكتشف التركيب الجزيئي لـ دي. أن. أي.، على أنَّ هذا الإنفجارَ لا يحدث إلاّ إذا كان ثمة دوافعُ أو حوافـزُ.

لذا يمكننا القول إنَّ الجينات تلعب دوراً في تصرفات الإنسان بالتناغم مع البيئة. الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تلعب دوراً كبيراً في (تحفيز) أو(إثارة) جينات العنف، الغضب، الكآبة وغيرها. أما الفوارق بين الأفراد فهي في درجة هذه الحال من حيث شدّتـُها أو ضَعفـُها، فقد يعود إلى عدد (نسخ) هذه الجينات التي تعود بدورها إلى الظروف التي تجابهها أو قوة الإثارة أو الاثنين معاً ومدى استعداد الفرد لتحمّـلِ هذه الظروف.
النواقل الكيميائية التي تتوسط جينات الخلايا العصبية في الدماغ بإفرازها، تلعب الدور الأساس في تصرفات الإنسان. فقلة إفرازها أو كثرته تعتمد على (فعالية) الجين المختص الموجود أصلاً أولاً وعلى (تفاعله) مع البيئة ثانياً. لذا تكون استجابة الأفراد الذين يعيشون في بلدان مختلفة لأحداثٍ متشابهة، متباينةً، نتيجة ( تصرّفِ ) الجينات التي أثَّـرتْ عليها البيئة.
 


(1) من كتاب (الجينات والعنف والأمراض) – فيشون ميديا – السويد 2007





 

free web counter