| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس
http://dr-bahjat.com

 

 

 

الخميس 4/6/ 2009



هل الليلة كالبارحة أم السّماء كالحة!
تجربتي مع الجامعة المستنصرية

د. بهجت عباس

عُيِّـنتُ في كلية الطب – الجامعة المستنصرية مدرساً في قسم الكيمياء الحياتية الطبية عام 1978، فبدأت أوّلُ مشكلة ، ألا وهي تحديد راتبي الاسمي . فبعد حساب خدماتي الرسمية وممارسة مهنة الصيدلة وسنوات الدكتوراه حُـدِّد الراتب الاسمي بـ 130 ديناراً شهرياً ، ولكن المسؤولين لم يحسبوا سنة الماجستير في الباثولوجي التجريبي التي حصلت عليها بعد الدكتوراه في الكيمياء الحيوية ! و حجتهم أنها (زائدة) ، لأنَّ شهادة الماجستير يجب أن تأتي قبل الدكتوراه التي حصلت عليها دون المرور بمرحلة الماجستير في الكيمياء الحيوية ؛ لأنَّ البحوث التي أجريتها في بداية الدراسة كانت ناجحة جداً مما دعت جامعة نوتنغهام أن تعفيني من مرحلة الماجستير أسوة بالطلبة البريطانيين وأبدأ مباشرة في الدكتوراه التي أكملتها في ثلاث سنين . لذا كان ثمة التباس في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيث الماجستير ، وكانت سنة دراسية أكاديمية واحدة مُكثَّفـة ، وإن كانت في موضوع آخر، وهو (الباثولوجي التجريبي والفارماكولوجي) ، أتت بعد الدكتوراه ، لذا وجب حسبَ رأيهم ألاّ تحسبَ خدمة لغرض الترفيع (العلاوة). ولكنهم من ناحية أخرى كانوا يحسبون سنوات الأبحاث بعد الدكتوراه ( Postdoctoral research) خدمة لغرض الترفيع . ولم يرضوا أن يشملوا دورة الماجستير بالعلاوة . هذه التي كانت أول دورة تُفتح في بريطانيا كلها والتي كلّفت الحكومة البريطانية حينذاك أكثر من مائة ألف باون إسترليني ، وهو مبلغ كبير جداً ذلك الوقت لتخريج ستة طلاب فقط (أربعة بريطانيين وطالب كندي وأنا) متخصصين في تأثير المواد السَّرطانية والسّموم على الخلايا والأنسجة . كلفتني الدراسة حواليْ ستة آلاف باون ، تضمنت تكاليف المعيشة وأجور الدراسة البالغة سبعمائة وخمسين باوناً (وهذا مبلغ ضئيل جداً بالنسبة إلى تكاليف اليوم). كان كل شيء رخيصاً ذلك الوقت قبل أن تأتي السيدة مارغريت ثاجـر ، كرئيسة وزراء عام 1978. ومن ناحية أخرى لم يفهموا هذه الشهادة ، فقد كانت غريبة حقاً عليهم ! فقالوا بأنني حصلت على هذه الماجستير لغرض العلاوة ! فقلت أتعتقدون أنني صرفت ثلاثة آلاف دينار (كان الدينار يساوي باونين اثنين) لأحصل على خمسة دنانير شهرياً ، فكم سنة أحتاجها لأسترجع ما صرفت وأنا الذي لم يأخذ مساعدة من أيِّ واحد من البشر! أم ْ الغاية المعرفة والعلم ؟ على كلِّ حال تألفت لجنة من كلية الطب – جامعة بغداد (كانت كليتا طب في بغداد حينذاك) وكليات أخرى . وبعد أن عرفوا المواضيع التي درستها والتجارب التي عملتها والبحوث التي أجريتها ( من ضمنها بحث نشرته في مجلة الفارماكولوجي إنترناشينال – سويسرا عام 1980 تبيع المجلة المذكورة النسخة منه الآن ، خمس صفحات فقط ، بعد مرور 29 سنة على نشره ، على صفحات غوغول ، بثلاثين دولاراً أمريكياً، وأنَّ هذه الشهادة منحتها الكلية الطبية الملكية بعد التخرج Royal Postgraduate Medical School في مستشفى همرسميث المشهور في لندن ، اعترفوا بها . ولكنَّ تحديد الراتب مع احتساب درجة الماجستير أخذ زمناً جاوز الثلاثة أشهر لم أستلم خلالها ولا فلساً واحداً ، وبمعنى آخر كنت أدرّس وأداوم ثلاثة أشهر دون راتب دون أنْ يقولوا كيف يعيش هذا الفتى ! وبعدها حُدِّد الراتب الاسمي مع احتساب الماجستير كعلاوة ودفعوا الرواتب السابقة . ولكنَّ مُنغِّصات أخرى حدثت (سيأتي ذكرها في وقت آخر) جعلـتـني أنظم هذه الأبيات :

جامعة العلم بها حاكم                   حاز على الحكّام تفضيلا
ما فيه من عيبٍ سوى أنَّ في         أحكامه جوراً وتهويلا
يقرّب الواشي على بغْيِه               ويُبعد المخلص تنكيلا
وحوله عُصبةُ سوءٍ حَوتْ             كلَّ مخازي الخلق تفصيلا
فيا عبادَ الله لا تَعجبوا                 مِنْ أنْ تُحاكي الفأرةُ الفيلا
تبّتْ يدا مَنْ جار في حكمه            مُصدِّقاً زوراً وتضليلا

هذا ما كان بالأمس. أما اليوم ، وبعد أن تغـيّـر كلّ شيء (هل تغـيّـر حقاً؟ ربما الوجوه الجديدة التي طُعِّـمّت بالوجوه القديمة الكالحة) ، أمـرّ بتجربة أخرى ولكنها عجيبة ، وهي سلب تقاعدي! هل سمعتم أو رأيتم أنّ دولة محترمة في العالم هضمت حقوق موظفيها باغتصاب تقاعدهم؟ لست وحدي الذي اغتُـصِب تقاعده في العراق الجديد ولكن المئات وربما الألوف ، لست أدري وليست لديّ أيّـة إحصائية ، ولكن من (ترقيم) كتاب الرفض للجنة القانونية في الجامعة المستنصرية ، وهو 10635 ، يظهر أنَّ هناك ألوفاً . والأغرب من هذا أنَّ اللجنة القانونية المضطربة في قراراتها وأحكامها ركلت القانون الذي استندت عليه في قرارها بقدمها وعملت عكس ما نصَّ عليه! فكتبت اللجنة القانونية في كلية الطب التابعة للجامعة المستنصرية إلى اللجنة القانونية في رئاسة الجامعة المستنصرية تقول :
(يرجى التفضل بالعلم بأنه لا يستحق الراتب التقاعدي كون الاستقاله (الاستقالة) ليست احدى طرق نيل الراتب التقاعي (التقاعدي) وحسب المادة (1) من الفقرة خامسا (الخامسة) من قانون التقاعد الموحد رقم 69 لسنه (سنة) 2007 والتي تنص على (لا يمنع عزل الموظف او فصله او تركه للخدمه (الصحيح تركه الخدمة) لاسباب اضطرارية عدا الاستقاله دون موافة (موافقة ) الجهه المختصه اوما ( أو ما) في حكمها من استحقاقه الحقوق التقاعدية) انتهى !

ولما كتبتُ إلى السيد رئيس جامعة المستنصرية كتاباً أثبتُّ فيه أن ليس ثمة (استقالة) بل (عزْلٌ) أو (فصلٌ) من الوظيفة ، وأن اللجنة القانونية في كلية الطب لم تفهم أو أساءت قراءة الوثائق والمستندات المرفقة بطلبي، شطبت اللجنة القانونية القابعة في رئاسة الجامعة المذكورة كلمة (الاستقالة) وكتبت بدلاً عنها (لا يستحق التقاعد لتركه للخدمة)! أهي حزّورة ؟ ومع هذا فـترْك الخدمة لأسباب اضطرارية (هذا إذا كان ادِّعاؤهم صحيحاً) لا يمنع استحقاق التقاعد . فماذا فهموا من المادة المذكورة أعلاه وكيف استندوا عليها في حكمهم ، وحكموا بعكس ما نصّتْ عليه ؟ لا أستطيع أنْ أقول إنَّهم لم يفهموها ، ولكنْ من يدري ، لأنَّ تلميذ الابتدائية لا يعسر عليه فهمها ، إلا إذا ابتلِـيَ بعمى البصيرة ، أم أنَّ وراء الأكمة ما وراءهـا . وفي كلتا الحاليْـن ، وعلى هذا الأساس ، هل يحق لأعضاء هذه اللجنة أن يحكموا ويتلاعبوا بمصير المواطنين أم يجب أن يوقّـفوا عند حدِّهم ويُحقَّـقَ معهم ؟

إنَّ التمايـزَ بين الخلق مُـنْـطـلقٌ      نحو الحضيض وشأؤ العابث القاسي
والعدلُ يربأ أنْ يَحظى بمنـزلة        مَـنْ كـان ديدنُـه تـفـريـــطَ قسطـاسِ

 

 


 

free web counter