| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس

 

 

 

 

الثلاثاء 24/4/ 2007

 

 

الجين وتصرفات الفرد *

د. بهجت عباس

الدراسات المتتالية أثبتت أن الجينات تلعب دوراً هاماً في تصرفات الفرد وحاله العقلية. فالتوائم المتناظرة، مثلاً، الذين يشتركون في جيناتهم وليس في بيئاتهم، متشابهون في الشخصية والذكاء والتركيز العقلي أكثر من إخوانهم غير التوائم الذين يشتركون معهم بنصف الجينات، ويرثون أيضاً الأمراض، مثل انفصام الشخصية والكآبة. لكن الجين يجب أنْ (يعمل) مع جينات أخرى في عمليات معقدة ليُظهـِرَ فعلَه. إنً عمل الجين يرجع إلى فعل البروتين الذي يُنتجه. فمثلاً نقصان مادة السيروتونين من الدماغ يُؤدي إلى الكآبة، لأنَّ السيروتونين يسيطر على مزاج الإنسان وعاطفته وتصرفاته في المجتمع. السيروتونين يكبح الاعتداء والغضب، ويسيطر على الشهية والرغبة في تناول المشروبات الروحية، وينظم النوم ويُحسّـنه، فلذا يُحسّن النشاط والحيوية. وهو موجود في الغدة الصنوبرية ويُنتـَج أثناء النهار ويتحول إلى مادة الميلاتونين بتوسيط (cAMP ) ليلاً. فتركيزه يرتفع استجابة للضياء. أما الميلاتونين فيرتفع في الظلام. وهذا الأخير يسيطر على الساعة البيولوجية في الإنسان ويتناقص مع التقدم في العمر، إذ ينخفض تركيزه ليَصلَ 10% عندما يبلغ الإنسان ثمانين عاماً من عمره نسبة إلى ما هو موجود منه في من كان في العشرين. وهو يساعد على النوم المنتظَم، فلذا يكون كبار السن عادة أكثرَ أرقاً من الشباب إذا كانوا في ظروف متشابهة.
وثمة مادة أخرى تـُـفرَز في الدماغ كناقل كيميائي هام هي الدوبامين. هذه المادة التي تـفرزها جينات معينة في خلايا (منطقة الانشراح) الدماغية، وتكون مسؤولة عن الطرب والانشراح وإنَّ نقصانها يسبب مرض الرعاش ( باركنسون ) والكآبة.
ولا ننسى الناقل الكيمياوي أوكسيد النتريك (NO ) الذي يُنتج كغاز يدوم بضع ثوان فقط مسبباً انبساط الأوعية الدموية، ومن هنا يأتي عمل العقار المعروف بـ (فياغرا).
إنً قلة وجود أكسيد النتريك في الدماغ أو قلة إفرازه نتيجة خلل في خميرة نايتريك أسيد سينثيز التي تتوسط إنتاجه، يسبب الغضب والعنف، كما يقول مكتشفه د. سنايدر وزملاؤه (1993) من جامعة جون هوبكنز. هذه الخميرة هي نتاج جين مُعَيّن والخلل الذي يصيب هذا الجين أو عدم وجوده أصلاً يقود إلى العنف.
وهناك حقيقة وجب ذكرها، ذلك أنَّ كثيراً من الجينات لا يظهر فعلها ما لمْ تجابه ظروفاً ملائمة. فالشخص الذي يرث جين مرض السكر النوع الثاني من أبيه أو أمه ليس محتماً عليه أن يصاب بمرض السكر إذا التزم بنظام صحي في الغذاء ومارس الرياضة والتمارين البدنية المنتظَمَة، فالجين في هذه الحال ( نائم)، ولكن (استفزازه) بالانغماس في الطعام والشراب وزيادة وزن الجسم وعدم الحركة أو قلة النشاط البدني (يوقظه) وهذا ما يؤدي إلى الإصابة به.
لذا يمكننا القول إنَّ الجينات تلعب دوراً في تصرفات الإنسان بالتناغم مع البيئة. الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تلعب دوراً كبيراً في (تحفيز) أو(إثارة) جينات العنف، الغضب، الكآبة وغيرها. أما الفوارق بين الأفراد فهي في درجة هذه الحال من حيث قـوّتـُُها أو ضَعفُها، فقد يعود إلى عدد ( نسخ ) هذه الجينات التي تعود بدورها إلى الظروف التي تجابهها أو قوة الإثارة أو الاثنين معاً ومدى استعداد الفرد لتحمُلِ هذه الظروف.
النواقل الكيميائية التي تتوسط جينات الخلايا العصبية في الدماغ بإفرازها، تلعب الدور الأساس في تصرفات الإنسان. فقلة إفرازها أو كثرته تعتمد على (فعالية) الجين المختص الموجود أصلاً أولاً وعلى (تفاعله) مع البيئة ثانياً. لذا تكون استجابة الأفراد الذين يعيشون في بلدان مختلفة لأحداثٍ متشابهة، متباينةً، نتيجة ( تصرّفِ ) الجينات التي أثـّرتْ عليها البيئة.

* من كتاب ( جيناتنا والأمراض ) مـعـد للنشر.