| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس

 

 

 

 

الأربعاء 20/6/ 2007

 


 

الروبوت وجراحة البروستاتة


د. بهجت عباس

بعد أن أخبر الأخصائي في عملية استئصال البروستاتة باستخدام المنظار الباطني Laparoscope من مستشفى الجامعة في تورنتو السيد توم ( ليس اسمه الحقيقي ) بأن هذه العملية تستغرق بين أربع وخمس ساعات ، وإذا ما وجد (الجراح) بأنها ستستغرق وقتاً أطول ، فليس ثمّة خيار له سوى اللجوء إلى الجراحة التقليدية ، أخذ توم يفكر ليس مرتين بل عشر مرات ، لأنه يعرف أنَّ سلس بول دائماً ومضاعفات أخرى قد تكون نتيجة محتملة. اتصل توم بطبيب العائلة يخبره بما يشغل باله من القلق ، فأخبره الطبيب بأنه قرأ إنّ عملية استئصال البروستاتة تـُجرى بالجهاز الآلي وإنه مندهش بدقتها وجودتها ، ولكنه لا يعرف عنها كثيراً سوى أن جراحاً في تكساس يقوم بها وتكلف كثيراً. بالتجائه إلى الإنترنت لمعلومات أكثرَ عنها وجد توم أن مستشفيات كثيرة وليست تلك الموجودة في تكساس فقط ، تقوم بها. وببحثه أكثر وبتعمق في الإنترنت حول استخدام الجهاز الآلي في استئصال البروستاتة توصل إلى نتيجة هي أن هذه العملية هي عملية المستقبل . فاتـَّخذ قراراً على الفور ودون أيّ تباطؤ بأن تـُجرى هذه العملية له. ولما أ ُجريت له ، وجد النتيجة مدهشة حقاً . استغرقت العملية ساعتين ونصف ساعة وكان قادراً على مشي مائة متر بعد بضع ساعات من إجراء العملية . وبعد أن غادر المستشفى في اليوم التالي لإجرائها ، سار إلى الشقة التي تقع في ساحة المستشفى دون صعوبات تـُذكر . وبعد يومين من رفع الأنبوب (الصوندة Catheter) ، أيْ بعد تسعة أيام من إجراء العملية، ساق سيارته في طريقه إلى بيته . فما هو هذا النوع من العملية ، ومتى بدأت ، وما هي فوائدها والفرق بينها وبين العمليات الأخرى؟ هنا أودّ أن أعرض هذه المعلومات بصورة مبسطة لتكون سهلة الفهم للمرضى الذين يعانون من مشاكل البروستاتة ، وليعرفوا ويفهموا مشاكلهم ، ولتكون لديهم فكرة حول هذا المرض واتخاذ الإجراء الصحيح في وقته وليس متأخراً .

ما هي البروستاتة ؟
البروستاتة ، غدة الرجل ، تقع تحت المثانة ، قريباً من الشرج ، محيطة بمجرى البول ومحاطة هي ذاتها بكثير من الأنسجة والأعصاب وأوعية الدم . مهمـّة في أوائل العمر للتكاثر ، وتـغدو عبئاً بل تشكل خطراً في المرحلة الأخيرة لحياة الإنسان.

سرطان البروستاتة والجراحة
البروستاتة ، كأي عضو آخر ، عرضة للأمراض . الأمراض الرئيسة التي تنتابها هي تضخـّم حجمها ، الذي هـو بحجم الجوزة ، الالتهاب وأسوأ ما يصيبها هو السرطان . فقد قدر أن أكثرَ من عشرين ألفاً من الكنديّـين يصابون به كل عام ، وأن ثمانية آلاف منهم يُنصحون بإجراء عملية جراحية لاستئصالها . والطريقة التقليدية لهذه العملية هي الجراحة المفتوحة ، التي تكون بإحداث جرح بطول 6 – 8 إنشات ( 15-20 سم) تحت السرّة يجعل الجراح قادراً أن يرى البروستاتة . ولكنّ هذه العملية قد تكون مؤلمة جداً للمريض ومحدثة مضاعفات جمة وشفاء طويل الأمد . وقد تكون ذات جوانب سيئة جداً ، مثل سلس البول الدائم والعـنـّة. غير أن طريقة أخرى جاءت بديلة عنها ، وهي عملية استخدام (المنظار الداخلي Laparoscope) وقد سُمـيـّت بعملية استئصال البروستاتة بواسطة المنظار الداخلي Laparoscopic Radical Prostatectomy (LRP) . هذه العملية تتطلب إحداث فتحات جروح صغيرة في الجسم وإدخال كاميرا صغيرة . والنتيجة هي بقاء قصير في المستشفى وألم قليل ومعاناة أقل . ولكن للعملية عقبات. "بعملية المنظار الداخلي العادية يكون لديك كاميرا واحدة فقط ، وهذه تعطيك رؤية بـُعـديـْن اثنين . تفقد بعداً واحداً هو الإلمام بالعمق ." يقول الدكتور ديفيد صمدي Dr. David Samadi، مدير جراحة الروبوت في Columbia Presbyterian Medical Centre في مدينة نيويورك . إضافة إلى منطقة الجراحة المسطحة ، تحد الآلات ذوات القبضات المتصلبة غير المتحركة من مهارة الجراح .

الروبوت دا فنشي
للتغلب على العقبات المذكورة أعلاه ، ولتحسين العملية الجراحية أوجد الباحثون نظام الروبوت الجراحي المسمّـى دا فنشي في عام 1999 الذي صادقت على استعماله مديرية الغذاء والدواء FDA في تموز سنة 2000 لاستخدامه في العمليات الجراحية ، مثل جراحة القلب وزرع الكلى واستئصال الرحم وغيرها و استعمل في عمليات استئصال البروستاتة في مايس سنة 2001 .
يتكون دا فنشي من لوحة مفاتيح للجراح ، عربة مريض جانبية بأذرع روبوت أربع للعمل داخل جسم المريض ، جهاز رؤية مثبت ذي فعالية عالية وآلات بأرسغ / معاصم للعمل داخلياً . إنّ حركة يد الجراح تقاس جيداً وتترجم إلى حركات دقيقة جداً إلى أرسغ الآلات . يعمل الجراح عند لوحة المفاتيح بكل راحة مشاهداً موطن الجراحة بأبعاد ثلاثة من غير أن يلمس جسم المريض ، والأذرع على العربة الجانبية تدخل جسم المريض خلال فتحات صغيرة ، والملقط يمسك بالنسيج لتقطعه السكين الصغيرة الحادة بينما (المساعد) يغسل موقع العملية ويمتص حطام / بقايا الأنسجة المتهدمة . والجرح الكبير الوحيد يكون طوله خمسة سنتيمترات تحت السرّة ، والذي من خلاله تسحب البروستاتة بعد أن توضع في كيس مطاط مرتبط بخيط يغلقها لئلا تنفصل منها خلايا سرطانية تتسرب إلى الجسم ، بعد فصلها عن الأنسجة المحيطة بها ، بعد الانتهاء من العملية . إنها عملية فعالة دقيقة ومضبوطة ( شاهد كاتب هذه السطور فيديو كاملاً عنها.)
إنَّ مرضى عملية الروبوت يكونون أكثر حظاً بـ 14 في المائة بإزالة السرطان من العمليات الأخرى، ويستعيدون قدرتهم على ضبط التبول في 44 يوماً (أربع مرات أكثر من مرضى عملية فتح البطن التقليدية) ونشاطهم الجنسي في مدة أحد عشر شهراً ، بينما يكون نصف مرضى عمليات فتح البطن لا يستعيدون نشاطهم الجنسي حتى بعد مرور سنتين ، كما ورد في تقرير معهد فاتيكوتي للمجاري البولية Vattikuti Urology Institute في مستشفى هنري فورد في ديترويت، بالمقارنة بين العمليتين الجراحيتين اللتين أُجريتا في المستشفى المذكور .
يستعمل LRP بديلاً عن الروبوت لإجراء العملية في مقاطعة أنتاريو ، أدمونتون ومدن أخرى في كندا ، ولكن د. مايكل هوغارت Dr. Michael Hogart ، رئيس قسم المجاري البولية في مستشفى أدمونتون يقول : " إنـَّه لصعب على الجراحين أن يتعلمـوا كيف يقومون بالجراحة الأقل (غزواً) للجسم باستعمال أيديهم في عملية المنظار الداخلي ( LRP ). " في تقرير وكالة سي بي سي في ديسمبر 2006 – الإنترنت . ولكن د. لورنس كلوتـز Dr. Laurence Klotz، رئيس قسم المجاري البولية في مستشفى سنيبروك Sunnybrook Hospital – Toronto يقول " حتى الآن لم تـُظهـِر لنا المعلومات فوارق مهمة حقيقية بخصوص ما يحصل للمريض." – المصدر أعلاه.
ولكنّ فوائد العمليات التي تـُجرى بمساعدة الروبوت لخـّصها د. ستيفن باوتلـرDr. Stephen Pautler، جراح السرطان في مركز سانت جوزيف الطبي في مدينة لندن – أنتاريو ، والذي يستعمل الروبوت " نحن قادرون أن نرى من 10 إلى 12 مرة تكبيراً باستعمال الروبوت ، لذا يتيح لنا هذا أن نـُجري عمليات أكثر دقـّـة من عملية فتح البطن التقليدية ." – المصدر أعلاه . وكذلك قال د. توماس إي. ألـَرينـغ Dr. Thomas E. Ahlering، مدير سرطان المجاري البولية ، جامعة إرفاين كاليفورنيا مديكال سكول " كمتدرب في الأمراض السرطانية ، أتاح لنا جهاز دافنشي عمليات سرطان أحسن بنتائج سريرية / كلينيكية حسنة. "
الروبوت دا فنشي ، الروبوت الوحيد المستعمل في الولايات المتحدة وفي العالم ، يـُستعمل بنطاق واسع من قبل معهد فاتيكوتي للمجاري البولية في مستشفى هنري فورد - ديترويت ، حيث أجرت هذه المستشفى أكثر من 3000 عملية استئصال بروستات به ، أكثر من أي مستشفى في العالم ، وقد حسّن د. ماني منن Dr. Mani Menon ، مدير المعهد المذكور ، قوة التكبير في الجهاز 35 مرة ، مشخـّصاً المواطن الذي ينتشر فيها السرطان ، وخصوصاً المنطقة التي تقع تحت البروستاتة ، بيت البروستات، والمثانة . وقد طور د. منن تقنية لحفظ الصِّفاق Fascia أو ما يـُسمـّى (حجاب أفروديت *) ، الذي ظهر أنه يـُسرع في جودة الاحتفاظ بالعصب أثناء عملية استئصال البروستاتة بالروبوت . " النتيجة الحاصلة للقوة الجنسية بعملياتنا الجراحية بواسطة الروبوت هي الأعلى التي سُجـِّلت حتى اليوم." يقول د. منن. " إن 97 في المائة من المرضى الذين أُجريتْ لهم العمليات استطاعوا القيام بالنشاط الجنسي دون استعمال أدوية لهذا الغرض ." وللمقارنة بين نظام الروبوت المستعمل في معهد فاتيكوتي في مستشفى هنري فورد وفتح البطن في المستشفى المذكور يلخص د. منن الفوارق أو ميّزات الروبوت كما يلي :
- أقلّ أذى إلى الأنسجة .
- أقلَّ نزيفاً للدم ولا حاجة إلى إعطاء المرض دماً .
إقامة في المستشفى قصيرة .
- أسرع نقاهة ورجوعاً إلى الفعاليات اليومية الاعتيادية . ( أسبوعين في الروبوت مقابل شهرين عملية فتح البطن .)
- أقل ندوبـاً .
- أكثر حطاً للمريض أن يكون خلواً من السرطان - 91 % بالروبوت مقابل 76 % في فتح البطن-
- حفظ الأعصاب والعضلات التي تسيطر على المثانة والانتصاب .

( موقع مستشفى هنري فورد .)
يوجد 300 جهاز آلي (روبوت) في الولايات المتحدة وبضعة أجهزة في كل من بريطانيا ، فرنسا ، هولندا ، بلجيكا وأقطار أخرى في العالم .، بينما يوجد جهازان في كندا ، واحد في لندن – أنتاريو وآخر في مونتريال
هل نحن في طريقنا لرؤية الروبوت في المستشفيات الكندية في المستقبل القريب لإجراء استئصال البروستات المأمون والفعال بألم ومعاناة أقل وفترة نقاهة قصيرة للمرضى ؟
الذي أجريت له مثل هذه العملية الجراحية ، مثل توم ، يدرك قيمة الفوائد المدهشة للروبوت .


* أفروديت Aphrodite هي إلهة الحب في اليونانية القديمة وفينوس في الرومانية ومثيلاتها إنانا – سومرية وعشتار – بابلية .