| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس
http://dr-bahjat.com

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 15/2/ 2012

 

عصر التقنية الجينيّة
عمليّة منع الحمل للبعوض

د. بهجت عباس

الحمّى الدِّنجيّـة (حمّى الضّنك)
يُسبّب هذه الحمّى فايروس من مجموعة أربو Arboviruses التي يحمل معظمها الحامض النووي رنا RNA ، وأهم أعراض هذا المرض ألم حادّ في المفاصل والعضلات ، طفح جلدي مهيّج للحكّة ، صداع ، التهاب اللوزتين ، حمّى ورشح الأنف الذي يُصيب الأطفال الصّغار والكبار والبالغين ولا يوجد له دواء يَشفيه أو لقاح يمنع الإصابة به ، ولكن المريض يعالَج عادة بالأسبرين والكودئين لتخفيف الألم ويُستعمل غَسيل الكالماين Calamine lotion لتخفيف الحكّة. وهو ليس بذي خطر عادة ولكنّ المريض يُصبح عاجزاً عن الحركة ويحتاج إلى عناية خاصّة ، ويكون ذا خطر إذا تحوّل إلى الحمّى النزفيّة أحياناً فيكون مميتاً وخصوصاً في الأطفال. تظهر الأعراض عادة خلال فترة 3-14 يوماً . أما كيف يصيب هذا الفايروس الإنسان ، فبواسطة عضّة (لسعة) بعوضة Aedes aegypti . هذه البعوضة منتشرة في أرجاء واسعة من العالم ولكنّ أكثرَ من 70% منها موجود في جنوب شرق آسيا . وتوجد أيضاً منطقة غرب الباسيفيك وفي أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي والمناطق الاستوائيّة. تلسع الحشرة الأنثى الإنسان في النهار، فهي تحوم حوله ، وتضع بيضها في أماكن عدّة. أمّا الذّكّـرُ منها فلا يستطيع العضّ، لذا لا يسبب المرض.

المبيدات الكيميائية والتقنية الجينيّة
تُستعمل المبيدات الكيميائية للقضاء على هذه الحشرة في مختلف الأماكن التي تتواجد فيها ، وهذه تكلّف ليس أموالاً طائلة وحسب بل تلوّث المحاصيل الزراعية وتؤثر على البيئة بصورة عامة . ففي كي ويست ، ولاية فلوريدا الأمريكية مثلاً ، تكلف إبادتها حواليْ 400 ألف دولار سنوياً ولكن بيضها الذي قد لا يتأثر بالمواد الكيميائية أو ما يتبقّى منه يفقس عن يرقات أُخَـر إضافة إلى ما ينجو منها من الإبادة . ولكن شركة أوكسيتك Oxitec البريطانية استطاعت أن تستنبط طريقة غريبة لإزالة هذه البعوضة دون اللجوء إلى استعمال مواد كيميائية. أما كيف تمّ ذلك ، فبواسطة حقن ذكر البعوض بجين خاصّ سامّ جعله قاتلاً لذريّته دون أن يتأثر هو به لإعطائه مادة التتراسايكلين (أنتيبيوتيك) التي تقيه من الإصابة بما ينتجه الجين من سموم . يتنافس ذكر البعوض المحوَّر جينيّاً مع الذكر الطبيعي/البرّي الذي لا يحمل الجين السّام على أنثى البعوض فيتغلب لكثرة عدده ، وبعد تزاوج الأنثى (البرّية) المسببة للمرض مع الذكر المحوَّر جينيّاً تضع الأنثى بيضها الذي يرث الجين القاتل . يفقس هذا البيض عن يرقات تحمل جيناً ساما يقتلها قبل أن تصل مرحلة البلوغ ممّا يجعل البعوضة تتناقص في عددها وبتكرار إطلاق الذكور المحوَّرة جينيّاً تنقرض البعوضة. ينفي ديريك نيمّو رئيس الأبحاث في شركة أوكسيتك في أبنون، إنكلترا خطر هذا الجين الموجود في هذه الحشرة التي يلتقطها الطير أو تبلعها السمكة . ولكن لا أحد يعرف العواقب السيئة الناجمة عن التقنية الجينيّة هذه على البيئة بصورة عامة. وقد جرّبت شركة أوكسيتك هذا البعوض المحوَّر جينيّاً أول مرة في جزر كيْمان في 27 أكتوبر 2009 وفي ماليزيا عام 2010 أُطلقت ستة آلاف حشرة محوّرة جينيّاً، وحسب قول نيمّو فإنّ التجربة أظهرت بأنّ هناك أكثر من 80% تقليصاً للبعوض في مدة ثلاثة أشهر. وكان المفروض إطلاق هذا البعوض المحوَّر جينيّاً في كي ويست في ولاية فلوريداً في شهر كانون الثاني الماضي ، وستُنمي شركة أوكسيتك بيض البعوض في إنكلترا وستُرسله إلى كي ويست حيث يقوم المسؤولون هناك بفقسه. ستُقتلُ إناث البعوض في مختبر التناسل/الإستيلاد . أمّا الذكور ، فستُعلَّم بالفلوروسنت، كما يقول دويْـل مدير مراقبة الحشرات، لمراقبة محلّ طيرانها. وستُطلق 5- 10 آلاف من هذا البعوض المحوّر جينيّاً ، وهو عدد كاف للتغلّب على عدد ذكور البعوض البرّي الطبيعي لمنعه من الحصول على الإناث. يعتبر العلماء هذه التقنية عمليّة منع الحمل للحشرات التي هي بديلة عن العمليّة التي كانت جارية منذ خمسين عاماً على بعض الحشرات والقائمة على تعريض ذكور البعوض للإشعاعات لتعقيمهم (قطع النسل) فقد يتزاوجون ولكن دون إنجاب. هذه العملية استُعملت في الزراعة كثيراً، ولكنَّ مساوئَـها أنْ قد يفقد الذكر فعاليته فتبوء بالفشل. أما في هذه التجربة بحقن الجين القاتل ، فهو أنّ التناسل يحدث ويفقس البيض عن يرقات ترث جيناً يقتلها قبل أن تصل مرحلة البلوغ للإخصاب . يتخوف كثيرون من أنَّ إحلال المحوَّر جينيّاً محل الطبيعي (البرّي) قد يسبب خللاً في الطبيعة وتأثيراً لا يُعرف بعدُ ، كما يتخوفون من عواقب التلاعب بالجينات وتخليق كائنات غريبة ، كما حدث أنْ أنتج العلماء البريطانيون في العام الماضي كائناً خليطاً من إنسان وقرد
(1). ولكننا ، شئنا أم أبينا، سنرى كثيراً من غرائب التقنية الجينية ، فلا أحد يدري أيّ جين يُغرز في الإنسان أو الحيوان أو الطير يغيّر صفات هذه الكائنات أو ينتج كائنات غير معروفة من قبل نتيجة مزج بينها . التجارب العلمية الجينية، بعضها في العلن وآخر في الخفاء، جارية وستجري أكثر في هذا المضمار وسيكون هذا القرن قرن التقنية الجينية بكلّ معانيها.

 

(1) هل تُصبح بعض الأساطير حقيقة واقعة بفضل التقنية الجينيّة؟
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/BAbas/29jin1.htm
 

 

* عضو متمرس في جمعية الكيمياء الحياتية البريطانية

free web counter