| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. بهجت عباس

 

 

 

الثلاثاء 15/4/ 2008



عَـتَـمـةٌ

جورج غـوردن ( لورد بايرون ) 1788- 1824
ترجمة بهجت عباس

حلمتُ، ولم يكنْ كلّه حُـلماً .
أ ُطفِـئَتِ الشَّمسُ المنيـرةُ ، و سَرَتِ النّجـومُ
في عَـتَـمـةٍ في الفضاء الأبديّ ،
لا شعاعٌ ، ولا مَمـرٌّ ، والأرضُ الثَّلجيّـةُ
تأرجحتْ عمياءَ ومُظلمةً في الهواء بلا قمر؛
صباحٌ أقبلَ ومضى - - وأقبلَ ، ولمْ يأتِ بنهار،
ونسِيَ الناسُ عواطفَهمْ من رُعب الوَحشة ؛ و قَرّتِ القلوبُ
كلُّها في ابتهالٍ أنانيّ للضِّياء :
وعاشوا بنار الحراسة - - والعروشُ ،
قصورُ الملوك المُتَوَّجة – الأكواخُ ،
المساكنُ التي تستوطنها الأشياءُ كلّـُها ،
أُحرِقَتْ واستعمِلتْ كَـفَـنار ؛ أ ُستُهلِكَـتْ مُـدنٌ ،
وتجمع رجالٌ حول بيوتهم المشتعلة
لينظر الواحد بوجه الآخر مرّة أخرى ؛
سعداءُ أولئك الذين أقاموا في عين
البركان ، وفي مِشعَـل الجبل :
أملاً مُخيفاً كانَ كلُّ ما احـتوتْ الدّنيا عليه ؛
غاباتٌ أ ُحرِقَتْ -- ولكنْ ساعةً بساعة
تسقط وتتلاشى -- و الجّذوع الهَـشّة
أ ُطفئتْ بانهيار -- وكلّ شيء كان أسودَ .
وأجبُنُ الرجالِ اكـتَسَتْ مظهراً أرضيّـاً
بالضّياء اليائس ، كما لو أنَّ القَبَساتِ
مُفَصّـلةً بقياس سقطتْ عليه ؛ بعضهم استلقى
أرضاً وأخفى عينيه وبكى ؛ وبعضهم أراحَ
ذقنَه على يده المُتـوتِّرة ، وضحك ؛
وآخرون أسرعوا ذَهاباً وإياباً ، وغذَّوْا
أكوامَهم الجنائزيّة بوَقـود ، ونظروا إلى أعلى
بقلق جنونيّ إلى السّماء الشّاحبة ،
غطاء النعش لدُنـيا ماضية ؛ ومرّة أخرى
لعناتٌ أطلقوها إلى أسفلَ على التّراب ،
وأصَرّوا بأسنانهم وصرخوا : صرخت الطّيور البرّيّـة
وارتعشتْ على الأرض مُرتعبةً ،
ورفرفتْ بأجنحتها عديمة الجدوى ؛ الأشدّ ُوحشيَّـةً
جاءَ مُـدَجَّـناً وجبـاناً ؛ والأفاعي زحفتْ
وازدوجتْ فيما بينها بين الحشود ،
تَفِـحّ ولكنْ من غير لَدغٍ -- نُحِرَت لطعام .
وحربٌ ، وهْيَ ما كانتْ لبُرهة غير موجودة ،
أجَّجتْ ذاتَها مرَّةً أخرى: وجبةٌ شُرِيَتْ بدم ،
وكلّ ٌارتوى مُقَطِّـباً على انفرادٍ
ملتَهمـاً ذاتَـه في اكتئـاب : لا حُبٌّ تُـرِكَ ؛
ولم يكن على الأرض إلاّ فكرة واحدة -- تلك هي موتٌ
فوريّ وشائن ؛ وأسى المجاعة غذّى الأحشاءَ كلَّها -- رجال
ماتوا، ولا قبرَ لعظامهم أو للحومهم ؛
افترس الضّامـرُ الضّـامـرَ .
حتّى الكلابُ هجمتْ على أسيادهـا، كلٌّ أنقذَ واحداً ،
وكان مُخلِصـاً لجثمانٍ ، وأبقى الطّيـورَ
والوحوشَ والرجالَ المتضَوِّرين جوعاً عند حدِّهم ،
حتّى ضيَّـق الخناقُ الجوعَ عليهم ، أو الموتُ النازل
أضَلَّ فكوكَهم المُتهدِّلـةَ ؛ وهْوَ نفسَه لم يتَوخَّ أيَّ طعام ،
ولكنْ بتأوِّهٍ مستديمٍ يُرثى له ،
وبصرخةٍ سريعة كامـدةٍ ، لاحساً اليـدَ
التي لم تستجِبْ له بمداعبـةٍ – مات .
جُـوِّعَ الحشدُ بدرجاتٍ ؛ ولكنَّ اثنين
من مدينة عظيمة استطاعا البقاءَ ،
وكانا عدوّينِ : التقيا بجانب الجمرات
المائتة لهيكل الكنيسة ،
حيث تكوّمتْ كتلة من أشياءٍ مقدّسة
لاستخدام غير مُقَـدّس ؛ سحباه ا،
وبارتعاشٍ حكّا بأيديهما العظميّة الباردة
الرمادَ الرقيق ، ونفخ تنفسّهما الضّعيف
لحياة صغيرة ، وصنعا لهباً كان سخريّةً ؛
ثمَّ رفعا عيونهما ، كما لو نمتْ أكثرَ ضياءً ،
ورمق كلّ ٌ منهما مظهرَ الآخر – رأيا ،
وصرخا ، وماتا--
وحتّى لاختفائهما ذي الفائدة المشتَركة ماتا ،
غيرَ عارفَـيْـن من هو الذي كتبتِ المجاعةُ
على جبينـه (شيطان) . الدنيا كانتْ باطلةً ،
الآهِـلُ والقويّ كان ورماً ،
بلا فصول ، بلا عشب ، بلا شجر ، بلا بشر ، بلا حياة --
ورمَ موتٍ -- فوضى طينٍ صلبٍ .
الأنهارُ ، البحيراتُ والبحرُ المحيط صمدوا كلُّهم ساكنين ،
ولمْ يُحَرَّك أيّ ُ شيء بين أعماقهم الصّامتة ،
سُفُنٌ بلا ملاّحين مُلقاةٌ مَعطوبـةً على البحر،
وصواريها سقطتْ أسفلَ شيئاً فشيئاً : كما سقطتْ
رقدتْ في الهاوية بلا جَـيَـشان –
الأمواج كانتْ ميتةً ؛ التيّارات كانتْ في مقبرتهم ،
القمر ، عشيقهم ، انتهى مفعوله من قبلُ ؛
الرياحُ ذوتْ في الهواء الآسن ،
وتلاشت الغيوم ؛ العَـتَـمةُ ليست بحاجة إلى
عونٍ منهم -- كانت هـي الكونَ .


 


 

Counters