| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ئاشتي

 

 

 

السبت 22/10/ 2011

 

أوراق نصير (29)

أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي
(9)

ئاشتي

 (الولادة بسيطة،
أنت تصبح أنت،
الموت بسيط،
أنت لم تعُد أنت
)

هل استنجد بهذا الإغماء التخشيبي للشاعر غونار أكلف، وأنا أحاول أن أفك سر الولادة والموت؟ أم أن الموت انحنت قامته عندما عرف طاقتنا على التحمل، فتنحى جانبا وظل يراقب إصرارنا على مواجهته بكل ما نحمل من أبجدية في التخلف والعناد. قد يمط شفتيه سخرية وهو الواثق من أن عودتنا إلية قائمة لا محالة، لهذا تركنا لينتقل إلى مجاميع أخرى من البشر، فهو بطبعه يخشى الذين لا يخشونه، لاسيما وأن المثابة التي إنتقلنا إليها بعد وادي قرية (بينه رنكَه) لا تبعد أكثر من نصف ساعة مشيا، وبما أن التعب قد استولى على مجساتنا، لهذا تقاسمنا سر الليل وكان هو الشهيد أبو أيار، مثلما تقاسمنا ساعات الحراسة، وقد أعفي الوهم من ساعة الحراسة، ليس لشيء بل لأنه كان ضيفا علينا.

 كانت ساعة حراستك هي الأولى، ومثلما تعودت أن تمضي صداقتك مع الليل، حتى يداعب النعاس جفون عينيك، لهذا كان حرس الساعة الثالثة صباحا، غير محظوظ في الاستمرار بالنوم، ورغم أن الصخور أكثر الأماكن تحصينا في القتال، إلا أنها أكثر الأماكن خطورة في الليل، خاصة عندما ترتفع درجات الحرارة، لا تعرف من أين يأتي كل أفواج العقارب وهي خارجة من تحت الصخور، مع هذا صنعت من حقيبتك الظهرية وسادة، ونمت بكل اطمئنان حتى الصباح.

ربما لم يكن مثل كل الصباحات هذا الصباح، فرغم كثافة أشجار (السبيندار)، ورغم أن المكان لا يعرفه غير الرعاة، إلا أن الخشية من انكشافه كان هاجس الجميع، فهو مكان غير محصن، وليس هناك إمكانية للمقاومة، مثلما كانت عند قمة جبل كَارا، لهذا انتظرنا الشمس أن ترتفع كي نشعل نارا من أجل صنع الشاي، إذ يمكن أن يتحمل المقاتل يومين أو ثلاثة أو حتى أربعة أيام، الجوع والعطش، وقد ينساهما، ولكن لا يستطيع أن ينسى الشاي والسكائر. هل كان الشاعر الكوردي يعي أهمية التبغ بالنسبة للمقاتل عندما قال (كوردي وصخرة وكيس تبغ، وليأتِ العالم كله).

عند منتصف النهار، جمعنا الأغصان اليابسة وتلك المتساقطة أسفل شجيرات (الهفرست)، لكي نشعل نارا دون دخان، وهذا بالطبع يلغي معنى المثل الساذج (ماكو نار من غير دخان)، وللحقيقة هو ليس انعداما كليا للدخان، بقدر ما هو خيط دخان لا يرتفع كثيرا في الجو، أو يتلاشى بسرعة، والدخان يتصاعد بشكل كثيف من الأغصان الخضراء، لهذا جمعنا كمية من الأغصان اليابسة، لكي نقوم بشي الدجاج الذي جلبناه من وادي (بينه رنكَه).

لا ندري كيف مرّ النهار سريعا، رغم أننا لم ننشغل بالأحاديث طويلا، وقبل أن يحل الظلام، كنا نراقب الطريق الذي يربط ناحية اتروش بالقلعة، وحددنا نقطة عبورنا التي تستوجب منا السير في (الروبار) مسافة لا تقل عن خمسمائة متر، بعد ذلك تمكنا من عبور شارع الإسفلت، بعيدا عن المواقع المؤقتة للجيش، وواصلنا السير حتى قرية بريفكا المهجورة.

أنت تعرف كل تفاصيل هذا المكان، فقد تواجدت فيه قرابة الثلاثة أعوام، تذوقت طعم ثمار التين في بساتينه، مثلما عشقت طعم ثمار أشجار الرمان. مولع أنت حد الذوبان بالتين والرمان، لهذا تسلقت أول شجرة تين رأيتها رغم ظلمة المكان. كنت تتحسس التين الذي جف على الأغصان، بعضه يستقر بين فكيك، والآخر يستقر في جيب سروالك، حتى جاء النداء الذي يدعوك للنزول، فقد كان خبر أسر الحبيبة كاذبا، وعلينا التحرك إلى مكان أكثر أمان.


أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (8)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (7)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (6)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (5)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (4)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (3)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (2)
أيام الأنفال... أيام الحشر الألهي (1)


 

free web counter