| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالستار نور علي

 

 

 

الجمعة 11/3/ 2011



الثورات العربية الشعبية والدروس

عبد الستار نورعلي

الثورات الشعبية في الدول العربية بدءً من تونس والتي تفجّرت ضد الحكام المستبدين والمتسلطين والحاكمين برقاب شعوبهم لعقود طويلة هم ونساؤهم وأبناؤهم وحواشيهم الفاسدة التي جثمت على أنفاس الناس بالحديد والنار وبالتضليل والكذب والفساد والاضطهاد والبلطجة الأمنية وسرقة ثروات شعوبها ، هذه الثورات البوعزيزية (نسبة الى محمد البو عزيزي الشاب التونسي ذي 26 ربيعاً العاطل عن العمل الذي أحرق نفسه يوم 17 ديسمبر2010 لتكون شرارة الثورة التونسية على نظام زبن العابدين بن على لينفرط بعدها عقد الثورات من مصر الى اليمن الى ليبيا الى البحرين الى عمان الى الجزائر الى الأردن والبقية قادمة) ، هذه الثورات فاجأت وأدهشت العالم وأذهلته فقلبت حساباته أمام عنفوانها وانطلاقها الذي لم يتوقف زخمه وموجه ومطالبه الا بازاحة الطغاة عن كراسيهم مثلما أراد لها مفجروها من الشباب (مصر وتونس وليبيا واليمن على الطريق). هذه الثورات تمخضت عن دروس وعبر مهمة ومفيدة على الشعوب التواقة الى الحرية والعدالة والمساواة وعلى القوى والأحزاب السياسية والمتابعين والباحثين والحاكمين والأنظمة المماثلة للأنظمة التي تفجّرت في وجهها أن تأخذها في الحسبان وتعتبر بدروسها المستخلصة:

1- انطلقت هذه الثورات وتفجّرت على يد الشباب وأحلامهم بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والحرية في التعبير والرأي والاختيار وحرية وسائل الاعلام والحرية الفردية عموماً وتداول السلطة بالانتخاب والقضاء على الفساد والتسلط ومحاربة سراق المال العام ومحاسبة المفسدين اياً كانوا وتفكيك الأجهزة القمعية.
2- تجاوزت هذه الثورات العُقد والأهداف والمشاعر العنصرية والدينية من خلال خلوها من الشعارات القومية والدينية والايديولوجية الحزبية الضيقة والسياسية الراديكالية ، فقد تركزت شعاراتها أولاً على العدالة والمساواة والحرية لتصل بعدها الى اسقاط النظام وتحريم الحزب الكارتوني الحاكم الذي خرج من رحمه خدمة لمصالح ومطامع قادته المتحكمين بالسلطة والحكم وبانتخابات هزيلة شكلية مزوّرة النتائج سلفاً ، والمطالبة بدولة العدالة والمساواة والحرية وحرية الرأي والاعلام والديمقراطية الحقيقية من خلال تداول السلطة سلمياً وبنزاهة وسيادة القانون ورفض الدكتاتوية والظلم ودولة المخابرات والأمن والجمهوريات الوراثية. وهذا يعني ابتعادها عن التطرف والراديكالية واقتصارها على اهدافها الانسانية والسياسية لشعوب عانت من الاضطهاد والقهر والكبت والفقر والبطالة والتمييز في مقابل سيطرة زمرة الحكام وعوائلهم وازلامهم على كل شيء من السلطة والنفوذ والوظائف والتجارة الى المال العام ونهبه، اضافة الى تسلط فرد واحد لعقود من السنين على حكم ومقدرات هذه الشعوب ومصائرها بالحديد والنار والشعارات الفارغة الكاذبة والعنتريات التي ما قتلت ذبابة كما قال نزار قباني في قصيدته بعد هزيمة حزيران 1967 (هوامش على دفتر النكسة). وبذا يمكن اعتبارها ثورات تحررية ليبرالية أممية بامتياز لأنها تجاوزت الشعارات القومية والدينية والسياسية الحزبية والفئوية الضيقة ، لذلك كان لها تأثيرها البيّن على الشعوب في كل مكان من الأرض (ايران مثلاً) ، كما أننا نسمع بخروج الآلاف من الكروات في العاصمة زغرب ضد الأوضاع الاقتصادية المتردية وكذلك الغليان غير المرئي تحت السطح في الشارع الصيني المطالب بالديمقراطية التعددية ، وعلينا أنْ لا نستغرب إذا وصل التأثير الى الشارع الأوربي بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة والانقضاض الرأسمالي على المنجزات الاجتماعية وقوانينها الانسانية من ضمان اجتماعي وصحة وغيرها بصعود الأحزاب البرجوازية واليمينية الى السلطة والتي تتسبب في احداث الفوارق الطبقية في المجتمعات الأوربية بحيث تتحول الآن الى طبقتين طبقة غنية وطبقة فقيرة مثلها مثل الدول التي كانت تسمى بالعالم الثالث . فهذه الثورات الشعبية والشبابية في العالم العربي هي بحق (ثورات عابرة للقارات).
3- أظهرت هذه الثورات الحجم والدور الحقيقي للأحزاب السياسية التقليدية التي كانت في الواجهة الاعلامية متضخمة في نظر الرأي العام وتبيّن أنها لا تمتلك القاعدة العريضة والمؤثرة (مصر ، القوميون والاسلاميون واليساريون) ، وظهر أنها لا تتحكم بالشارع إلا بقدر النفخ الاعلامي الظاهر والمُضلّل مع محاولتها أن تركب موجة الثورة عساها تفوز بغنيمة سياسية فظهرت بعض وجوهها البارزة على وسائل الاعلام مع رصيدها الأسود المخزي في تأييد الديكتاتوريات العربية الأخرى وطغاتها من القتلة والبلطجية والسراق وقد تسلّموا رصيدهم في مقابل تأييدهم لها وحتى تأييدهم لنظام حسني مبارك الساقط (حمدين الصباحي ومصطفى البكري مثالاً) ، لكنّ الثوار الشباب قادة الثورة ومفجريها حجّموا هذه القوى ووضعوها في حجمها الحقيقي فاعطوها دوراً شكلياً على اساس معارضتها للنظام السابق، مع أنها كانت ناشطة إبان حكمه لها مقراتها وأنشطتها واعلامها وصوتها العالي وتشارك في الانتخابات ولا تفوز إلا بالنزر اليسير وبعضها لا يفوز بشيء ، وقد تبيّن أنها كانت ولا تزال لا تمتلك رصيداً يُذكر إلا صوتها العالي ، فقد كشفت الثورة الشعبية حجمها الحقيقي هذا.
4- وبذا فإنّ الأحزاب التقليدية فقدت تأثيرها فأخذت الجماهير الشعبية والشبابية المستقلة غير المرتبطة بحزب أو قوة سياسية دورها في عملية التغيير والثورة بخروجها سلمياً عفوياً (تونس ومصر وليبيا) بالملايين والآلاف الى الشارع وذلك بإزالة حاجز الخوف الذي كان مستحكماً بالنفوس بسبب قسوة القمع وحجم الأجهزة الأمنية الضخم وخنق الأصوات من خلال التهديد والوعيد والاعتقال والتعذيب والقتل الذي كان ينال حتى أبعد الأقارب في العائلة (العراق) إذا ظهر فيها معارض أومناوئ أومقاوم أو رافض للنظام والقائد الضرورة.
5- إنّ زوال حاجز الخوف هذا من الشعوب الثائرة في الشرق العربي في ظل أنظمة القمع والاستبداد هو جرس انذار لكل الدول التي تحكمها دكتاتوريات من خلال عائلة حاكمة او حزب شمولي فاشي أو فرد متسلط متحكم بكلّ شيء، وبأنه عليها أن تبدأ بالتغيير الديمقراطي وازالة الظلم والحيف والتحكم ونشر العدالة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ومنح الحريات بكل اشكالها الانسانية . ولا تعني الحرية بمفهومها الانساني والسياسي والاعلامي هنا الفوضى السائبة المنفلتة وباسم الحرية زالديمقراطية مثلما في العراق ، لأنّ الحرية تعني المسؤولية واحترام حرية الآخرين واختياراتهم وحياتهم والحفاظ عليها والدفاع عنها. وتطبيق الديمقراطية الحقيقية وسيادة القانون وحقوق الانسان، فليست الانتخابات هي ديمقراطية حقة حتى لو كان فيها تعددية (العراق).
6- لم يعد بالامكان تعمية الشعوب واخفاء الحقائق عنها وبناء ستار حديدي بينها وبين ما يجري في كلّ بقاع الأرض حتى في الزوايا القصية المنعزلة في الجبال والغابات وذلك بفعل ثورة المعلومات والانترنيت ، حيث تحوّل العالم ليس الى قرية صغيرة وانما الى جهاز بحجم الكفّ يتنقل مع الانسان أينما حلّ وارتحل ومن خلاله يستطيع الاطلاع على ما يجري في العالم ، ويمكن له أنْ يصوّر ما يراه وهو في زاوية قصية لينقله الى العلن في كل زوايا الكون ليطلع عليه الناس في كل مكان. وبذا لا يمكن اخفاء الظلم والاضطهاد والقتل وما يجري في مكان ما من الأرض عن عيون الناس حتى لو مُنعت وسائل الاعلام عن متابعتها ونقلها، لأنّ كاميرات المحمول (المويايل) تستطيع تصوير كل شيء وبثه ونقله مباشرة لينكشف ما يجري عارياً أمام الناس في بقاعهم المختلفة واينما كانوا. وعليه فلن يكون الطغاة والدكتاتوريون والانظمة القمعية بمنأى عن انكشاف ما يقومون به من قمع لشعوبهم ، وليعوا جيداً أنهم عرضة للمحاسبة والمطاردة إذا لم يلحقوا أنفسهم .
7- يتوهم البعض من مؤيدي الديكتاتوريات ومن الأحزاب والقوى والشخصيات ذات التوجهات القومية والدينية والطائفية المتطرفة والتي تبحث عن القفز الى الحكم والتحكم بمصائر الناس وكذلك من الذين فقدوا الحكم والسلطة والنفوذ والامتيازات مثلما في العراق ، يتوهم هذا البعض أنه يمكن له استغلال هذه الظاهرة المكتسحة للمنطقة العربية وتطبيقها في دولها للوصول الى السلطة والعودة الى حكم الفرد والحزب الواحد والعائلة الواحدة والعشيرة والطائفة ، وفاتها عن جهل وغباء أنّ هذه الثورات انفجرت في وجه هذا النوع من الحكم وضد الشمولية والدكتاتورية والتمييز وتسلط الفرد الواحد والحزب الواحد والتحكم بمصير الناس بعيداً عن حقوقهم وعن القوانين المدنية والانسانية ، وانطلقت بحثاً عن الحرية والديمقراطية الحقيقية وحقوق الانسان ودولة العدالة والحريات والقانون والقضاء على الفقر والتخلف والبطالة والتمييز الطبقي والعرقي والديني والطائفي . فلا يمكن والحالة هذه عودة مثل هذه ألأنظمة الشمولية الدكتاتورية القمعية والعنصرية والدينية والطائفية.
8- لقد اصبح لثورة المعلومات والانترنيت دورها في نشر الوعي بين الناس وخاصة الشباب ، كما أزالت الحواجز بينهم ، حواجز تبادل المعلومات والعلاقات الانسانية والمشاعر المشتركة والأفكار والتوجهات والرغائب والأهداف الانسانية التي لا تختلف بسبب اللون والعرق والعقيدة. وعليها أصبحت الحرية مطلباً اساساً للناس وخاصة الشباب الذي يتربى على هذه المعلومات والعلاقات وتبادل الأفكار والخبرات عبر الانترنيت (الفيسبوك والتويتر). فالشباب العربي والاسلامي يريد اللحاق بركب الحضارة والتقدم واقامة العلاقات المشتركة مع غيره من الشباب في البلدان الأخرى بعيداً عن الأمراض الاجتماعية القديمة التي اعاقت تقدمه ولحاقه بركب الحضارة والتكنولوجيا المعاصرة والتقدم العلمي والانساني وحرية التفكير والاختيار التي تعمّ بلداناً أخرى وخصوصاً المتقدمة منها، وهو يرى نفسه اسير عُقدٍ لا تقدّم شيئاً لكنها تؤخّر وتعيق حياته وحريته وتقدم له الخراب الروحي والاجتماعي والحضاري. لذا اتسمت هذه الثورات بالشبابية بما عُرف عن الشباب من التوق الى الانطلاق بلا حدود مصطنعة قافزاً على كلّ تقليدي ثابت متحجّر يحاول جرّه الى الوراء ، وفي انطلاقه وثورته يستند الى رأي عام عالمي متعاطف معاضد يراقب ما يجري ويتفاعل معه بالضد من الذين يحاولون ايقاف الزمن واعاقة زحف جحافل الثورة في سبيل الحرية والعدالة والحقوق الانسانية الطبيعية فلا يستطيع ايقاف هذا الزحف أو لجمه أو القفز عليه.
9- على الثوار الشباب اليقظة من الثورة المضادة التي تقف لهم بالمرصاد وفي وجه تقدمهم وثورتهم ، لأن أجهزة وفلول الأنظمة المتساقطة والمهددة بالسقوط لن تسكت ولن تقبل بسهولة بانهيار امتيازاتها وسلطتها فتخلق العراقيل والمشاكل والصعاب وبشراسة من خلال استغلال التعددية الاجتماعية الدينية والطائفية والقبلية والسياسية (مصر ، البحرين ، اليمن ، ليبيا) فتُحرك فلولها في محاولة لاسقاط الثورة وحرف مسارها وخلق أزمات لها لتجري المقارنة بينها وبين الأنظمة الساقطة وبالذات في مجال الأمن والاستقرار الشكلي ووحدة الكيان الاجتماعي للدولة والتي للأنظمة الحاكمة دورها الأساس في تفكيكها واثارتها لاستغلالها لمصلحتها في البقاء .

إنّ هذه الدروس والعبر هي أبرز مستخلصات هذه الثورات الشبابية الشعبية العفوية التي تفجرت بسبب الكم الهائل من الظلم والحيف والتمييز السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والطائفي وانتشار الفساد وسرقة المال العام. وليس أحدٌ من الأنظمة المستبدة بمنأى عن تيارها الجارف.


الخميس 10/3/2011





 

free web counter