| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالستار نور علي

 

 

 

الثلاثاء 30/11/ 2010



الفيليون وقرار المحكمة الجنائية العليا

عبد الستار نورعلي

صدرت أمس الاثنين 29/11/2010 قرارات المحكمة الجنائية العليا التي تنظر في قضية تهجير وقتل الكرد الفيليين في العراق، والتي وقعت قبل وأثناء الحرب العراقية الايرانية عام 1980 ، حيث تم تهجير أكثر من نصف مليون مواطن كردي فيلي عراقي من العراق الى ايران وتمت مصادرة وثائقهم الرسمية العراقية الثبوتية وأموالهم وبيوتهم ، كما تم حجز الألوف من شبابهم في السجون لتختفي آثارهم ولحد اليوم ، فتنكشف أبشع عملية تصفية جسدية وقتل لأبرياء لا ذنب ولا جريمة لهم إلا أنهم من الكرد الفيليين. ابشع عملية قتل وحشية لا انسانية في تاريخ العراق الحديث والمنطقة والعالم . لقد تبين ذلك بعد السقوط عام 2003 حيث لم يُعثر على أثر لهم ولا على مقابرهم ورفاتهم حتى اللحظة.

تم تشكيل المحكمة الجنائية العليا بعد السقوط للنظر في جرائم النظام الصدامي الفاشي الساقط ، ومنها قضية تهجير وقتل ومصادرة أموال الكرد الفيليين. وأمس صدرت الأحكام بحق ستة عشر من قادة وجلاوزة النظام البعثي السابق ، حيث حُكم بالاعدام على سعدون شاكر وزير الداخلية السابق ومزبان خضر هادي وعزيز صالح النومان وهم من اعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة السابقين ، وعلى طارق عزيز وأحمد حسين خضر رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق بعشر سنوات ، والآخرون وبينهم سبعاوي ابراهيم الحسن وشقيقه وطبان باسقاط التهم عنهما وعن الآخرين . كما اعتبرت المحكمة في قراراتها بأن ما حدث للكرد الفيليين هو من الجرائم ضد الانسانية.

وأخيراً أنصفت المحكمة الجنائية العليا هذه الشريحة المظلومة والمضطهدة طوال سني حكم الدولة العراقية الحديثة منذ عام 1920 وحتى انهيارها باحتلال العراق عام 2003 من الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها وعلى رأسها بريطانيا واستراليا. فقد انتظر الفيليون بلهفة وحرقة صدور هذه الأحكام التي أعادت اليهم الاعتبار قبل الدولة العراقية التي لم تصدر حتى اعتذاراً رسمياً عما جرى لهم من تهجير وقتل ومصادرة وثائق وسلب الحقوق والأموال التي لا تزال غالبيتها العظمى لم تعد الى أصحابها الشرعيين، حيث نامت في سجلات وبطون وبين أيادي الموظفين الفاسدين والحاقدين في دوائر منازعات الملكية المكوكية المراجعة والروتينية النظر والبطيئة بطء السلحفاة في اعادة الحقوق.

ومع كل السلبيات والمظالم الماضية والمستمرة بعضها فإن اليوم هو يوم مشهود وكبير في تاريخ الكرد الفيليين العراقيين لأنّ فيه صدر قرار واعتراف قانوني لا لبس فيه ولا غموض بقضيتهم وبمعاناتهم وبحقوقهم الانسانية قبل العراقية . وهو يوم ينام فيه آلاف الشهداء من شبابهم قريري الأعين في مقابرهم التي لا نعرف أين هي، ولا ندري كيف تمت ابادتهم. وأهم قرار بين هذه القرارات هو النص على أنّ ما جرى لهم هو من باب الجرائم ضد الانسانية ، وهو ما يمنحهم قانونياً حقّ الشكوى وعرض قضاياهم أمام المحاكم والمحافل الدولية وللذي يريد اقامة دعوى قضائية إنْ كان يمتلك المستندات والوثائق القانونية والشهادات الحية على التعرض للمعاناة والاضطهاد والتهجير والقتل ومصادرة الأموال والحقوق.

وهنا يأتي الدور المهم للكرد الفيليين انفسهم في العمل من خلال منظماتهم وجمعياتهم واتحاداتهم المدنية وشخصياتهم القانونية والسياسية القادرة على الوصول الى المنظمات العالمية ومنها البرلمان الأوربي والكونغرس الأمريكي والأمم المتحدة وبرلمانات الدول للعمل على صدور قرارات باعتبار ما جرى للكرد الفيليين جرائم ضد الانسانية بالاستناد الى قرار المحكمة الجنائية العليا الذي صدر أمس. وبذا تدخل قضيتهم سجلات التاريخ الانساني ضمن الجماعات المضطهدة ، مما يمكنهم من استحصال حقوقهم كمجموعة انسانية ومن توفير الحماية الدولية والقانونية لمصالحهم ووجودهم وعدم تعرضهم لاضطهاد وظلم وعدوان وتهجير جديد وابادة قادمة ومن أي طرف كان وبذا يضمنون أمنهم واستقرارهم وعيشهم الكريم.

وعلى الكرد الفيليين والحالة هذه ترك خلافاتهم الشخصية والسياسية والمصالحية جانباً ونبذها من أجل الصالح العام لشريحتهم. لأنّهم الآن سواء مثلما كانوا في المعاناة والاضطهاد والظلم و مثلما في الفرح والاستبشار اليوم. فليس من المعقول أن الجميع يدعو الى نبذ الخلافات والعمل المشترك ثم كلّ يحاول تسقيط الآخر والتقليل من دوره وشأنه . الفيليون بحاجة اليوم الى كل يد وكل فرد وكل من ينشط ويقدر أنْ يقدم شيئاً من موقعه لصالح شريحته . وجهده وسعيه مشكور ، علينا أن نعترف به. وليكنْ لنا من الأطياف العراقية الأخرى مثال . فهم يعملون داخل القوى السياسية المختلفة من أجل طيفهم ومصلحته ودوره في العراق دون تصادم او خلاف أو تسقيط , والتركمان خير مثال وشاهد حي ، فها هم يأملون ويطالبون بنائب لرئاسة الجمهورية ووزراء وسيحصلون عليها بجهدم ومثابرتهم وصوتهم العالي وتأثيرهم القوي والفاعل داخل القوى والأحزاب التي ينتمون اليها ومن خلال ظهورهم القوي الدائم في وسائل الاعلام.

إننا نعلم جيداً أنّ هذه مهمة صعبة وشاقة وتقتضي تحركاً دؤوباً وجهداً استثنائياً وكلٌّ من موقعه وبحسب امكانياته وقدرته. وهذه بالدرجة الاولى مهمة المتصدرين من السياسيين والقانونيين والاعلاميين والمنظمات المدنية وبما تمتلكه من امكانيات وعلاقات وتأثير . وهنا لا بد من الاشارة الى أنّ الأمر يحتاج بالتأكيد الى قوى مؤثرة كبيرة أحزاباً ومنظمات ودولاً ، مثلما حدث مع قضية الأرمن واستحصالهم على قرار باعتبار ما تعرضوا له جريمة ضد الانسانية وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنْ كانت للمصالح الدولية والعلاقات مع تركيا أثر في ذلك القرار . لكننا هنا يمكن الاستعانة والاستناد الى تأييد القوى الكردستانية العراقية من الحزبين الكبيرين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني وحكومة الإقليم لما تمتلكه من علاقات متميزة ووثيقة بالمحافل والدول والأحزاب والبرلمانات الغربية ذات التأثير الكبير على الساحة والمنظمات الدولية مما يمكنها من أنْ تستحصل على هكذا قرار لصالح الكرد الفيليين . ولا أظن أن القوى والأحزاب والشخصيات وحكومة إقليم كوردستان العراق ستتردد في مدّ يد العون والمساعدة في هذا التوجه المهم، خاصة وأن فخامة الرئيس جلال الطالباني هو نائب رئيس منظمة الاشتراكية الدولية وله علاقات سياسية وشخصية عالمية واسعة وهو شخصية سياسية عالمية كبيرة دون شك ، كما أن الرئيس مسعود البارزاني أيضاً شخصية سياسية عالمية له احترامه ومكانته وعلاقاته الواسعة والمتميزة مع الدول الأوربية والعالمية وقادتها وشخصياتها السياسية المؤثرة.

إنّ الأحكام التي صدرت أمس بحق المجرمين العتاة الذين كانوا وراء حملة التهجير والقتل ومصادرة الأموال والوثائق الرسمية للكرد الفيليين جاءت برداً وسلاماً على نفوس الفيليين وراحة لشهدائهم في مقابرهم المجهولة، وإنْ كان هناك الكثيرون من المجرمين الآخرين الذين أفلتوا من المحاكمة إذ ليس من المعقول أن يكون خمسة فقط خلف هذه الجريمة الكبرى ولا بد من منفذين ومعذبين وقتلة قاموا بتنفيذ التهجير والمصادرة وسرقة الأموال والابادة الجماعية ضد الشباب الذين حجزوا بعد تهجير عائلاتهم . وهنا يأتي دور منْ يمتلك معلومات ووثائق تدين غير هؤلاء بأن يتقدم بها للمحاكم المختصة ، ويطاردهم أينما كانوا، فبالتأكيد أن بعضهم قد هرب من العراق الى دول لجوء عربية وغربية، ويمكن مقاضاتهم في تلك الدول وبالاستناد الى قرار المحكمة الجنائية العليا باعتبار ما جرى للفيليين جرائم ضد الانسانية.
فليهنأ شهداؤنا في جنات الخلد. والشكر له سبحانه وتعالى الذي يُمهل ولا يهمل.

 

الثلاثاء 30/11/2010

free web counter