| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالستار نور علي

 

 

 

السبت 27 / 7 / 2013



أين الشعب العراقي العظيم؟!!

عبد الستار نورعلي

في أدبياتنا كتابةً ومحادثةً، ونحنُ في أتون الحماسة السياسية والمبالغة المعهودة على لسان الشخصية العراقية، اعتدنا أن نطلق على شعبنا العراقي صفة (العظيم). ربما لأننا أبناء الأربعينات والخمسينات والستينات حتى السبعينات من القرن المنصرم، حيث شهدنا وعشنا الأحداث السياسية والنضالية والثقافية الكبيرة للشعب العراقي، بمختلف الاتجاهات، وعاصرنا رجالاً رجالاً على الأصعدة كافة، سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية ورياضية، كان لهم حضورهم على المستويين الداخلي والخارجي. إذ ذاك أصبحت كلمة (العظيم) في نفوسنا مرادفة للشعب العراقي، لتكونَ هويةً منحوتة عن قناعة وإيمان، فتجري عفوياً على ألسنتنا وأقلامنا فخراً واعتزازاً ونفخةً، نحسُّ معها أننا مرفوعو القامة والرأس. وكان مما يزيد من هذه النفخة أنّ الجوازَ العراقيَّ الذي كنا نحمله ونحن نجوب بلدان اوروبا والعالم، يُستقبلُ باحترام، وبسهولة ندخل من المطارات والحدود، سواحاً نشعر أنّ الناسَ ينظرون الينا بحسدٍ وكِبر. وكان الجواز هذا صيداً يسيلُ له لعابُ المهربين الدوليين. لذا كنا نحافظ عليه بحرص شديد خوفاً من السرقة.

ولنتأمّلْ ما حلَّ بنا اليوم، وإلى أين وصلنا؟!

تذكّرتُ كلَّ هذا وأنا أتقلّبُ في الكرسي على نارٍ مشتعلةٍ، وأمامي على شاشات الفضائيات ملايين المصريين، 29 مليون حسب قول الفضائية المصرية، وهم يملأون الساحات والشوارع والأزقة بأعلام مصر المرفرفة وصور قادتها التاريخيين، جمال عبد الناصر وأنور السادات وعبد التفاح السيسي، وصور شهداء ثورتهم الراهنة، وهم في كرنفال ثوري، عظيم عظيم عظيم حقاً وصدقاً وحماسةً ومشاهدةً حيةً. كرنفال مدهش مؤثر تقشعّر معه الأبدان، تحت أضواء مصابيح الشوارع والساحات والبيوت واشعة الليزر والمصابيح الملونة فوق الرؤوس، بين العمارات الشاهقة الحديثة والساحات الفسيحة والشوارع العريضة الحديثة وفوق الجسور وبين الأشجار الوارفة، يخرجون من البيوت والأزقة والشوارع وأنفاق القطارات تحت الأرض، ليصرخوا بصوت هادر واحد: لا للإرهاب!

وعدتُ إلى الفضائيات العراقية (العظيمة!): شوارع أكلتها الأوساخ والنفايات ومليارات الذباب، بيوتٌ هدّها الزمن لتمسيَ خرائبَ وأطلالاً، مع أنّ كلمة الأطلال في ذاكرتنا تعيدنا إلى مطالع القصائد القديمة بجمالياتها وصورها الشعرية وذكرياتها مما كان يشتعل في قلوب العشاق. لكنَّ أطلال مدن العراق اليوم ماهي إلا خرائب وزرائب، يصول ويجول فيها الجرذانُ والذبانُ والأفاعي والعقارب. وفيها سواقٍ من الماء الآسن القائم، وجيوشٌ من البعوض الحائم. وأشاهدُ أناساً نصفَ آدميين يشحذون ويتسولون أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، ويدعون لأصحاب الفضائيات بالخير والبركة والصحة والعافية والتوفيق ومزيد من المال، طمعاً في صدقةٍ أو هدية.

وأرى أصحاب الكروش الجدد، من المسؤولين واعضاء مجلس النواب ذوي الياقات البيض، والبدلات الأنيقة اللامعة، والقصور الفخمة، وكراسٍ مذهبة، كأّنهم أباطرة وملوك. وبعضهم بين مزارعهم العامرة وبساتينهم الدانية القطوف، وسط عائلاتهم المترفة المنتفخة الأوداج، وأولادهم في المدارس والجامعات بخدود مليئة دماً وحمرةً وسمنة، وجيوب منتفخة من أموال الفقراء والمساكين من الشعب العراقي (العظيم).

كما أشاهد صورَ الأشلاء المبعثرة، والشوارع والأسواق المخضبة بدماء الناس الأبرياء من الباعة والمتجولين والفقراء الباحثين عن لقمة العيش. أرى ما يفعل الأرهاب الأهوج المنفلت في العراق منذ عشر سنوات بعد الاحتلال البغيض، دون أنْ يوقف ولا أنْ يتوقف.

وأرى الظلام يخيّم على مدن العراق شوارعاً وساحاتٍ وبيوتاً.
وأرى مظاهرات الاحتجاج على الواقع الخدمي المترديّ في الجنوب: عشرات من الشباب!
فأتساءل مع نفسي وجوفي يمتلئ قيحاً: أين الآخرون من الملايين المحرومة من الخدمات؟! إنْ لم يكونوا ملايين فعلى الأقل ألوفاً؟!

ملايين المصريين في الشوارع والساحات في مشهد رائع مهيب رفضاً للأرهاب، قبل أنْ ينفلت من عقاله، ورفضاً لأسلمة الدولة والمجتمع، وايقاعه في براثن التخلف والتراجع والتبعية وفي بئر ماضٍ ولّى. خرجت ثائرةً بعد عام واحد من حكمٍ، كشفوا مخططاته وأهدافه السياسية الخفية. وسيخرج التوانسةُ، وغداً الليبيون، وقبلهم أهل اليمن، وأهل الشام.

وملايين العراقيين (العظماء) في بيوتهم وشوارعهم ومحلاتهم ودوائرهم ينتظرون الذبح مستسلمين راضخين، وقد انفلت الإرهابُ المتوحش الأعمى من عقالِهِ ويشماغهِ ودشداشتهِ منذ عشرٍ من السنين العجاف، اضافةً الى النهب والسلب والجريمة المنظمة، وسرقة دولتهم وثرواتها، وتفشي الفساد والرشوة والمحاصصة، وتردي الخدمات الى الصفر، واشتداد الصراع على المناصب وتقاسم النفوذ، وانهيار القيم.

المهم كيف وبأية وسيلة وسبب يمكنهم أن يقبضوا من عائدات النفط الهائلة، وكم، ومَنْ سيتفضّل عليهم بفتاتٍ مما يملك؟!

سلاماً على شعب مصرَ العظيم، وهو يعطي الدرسَ تلوَ الدرسِ.
سلاماً عليهِ يوم بنى الحضارةَ، ويومَ ثارَ، ويومَ ثارَ، ويومَ ملأ الشوارعَ والساحاتِ بالملايين.
سلاماً عليهِ يومَ وُلدَ، ويومَ يولَدُ منْ جديد.

وقد قال أبو القاسم الشابيّ :

إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة
فلا بدَّ أنْ يستجيبَ القدرْ

طبعاً يقصد الشعب العظيم المحبَّ للحياة.



السبت 28 تموز 2013
 


 

free web counter