| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالستار نور علي

 

 

 

الجمعة 11/12/ 2009



هل يحتاج العراق اليوم شيئاً منْ بلطجة صدام حسين؟

عبدالستار نور علي

البلطجة، مرادف الشقاوة بالعراقية ، صفة مرذولة مرفوضة في المجتمع المدني الحضاري الحديث. وتعني البلطجة الاعتداء على الغير وسلب حقوقهم وأموالهم دون وجه حق أو وازع من ضمير أو قانون أو شرع أو انسانية، معتمدة على قوة العضلات وروح العنف والقسوة. وقد كانت تعتبر من باب الرجولة والفحولة ومدعاة للفخر.

وكانت البلطجة ظاهرة سائدة في المجتمعات العربية ومنها المجتمع العراقي في القرون الماضية حيث الفقر والتخلف والظلم والاضطهاد كان سائداً، والأمية منتشرة وهي ما كانت بيئة خصبة لانتشار ظاهرة البلطجة، وخاصة في العهد العثماني ايام انفلات الأمن وانتشار السرقة والنهب والسلب دون وازع أو قانون. وقد كان الولاة هم شيوخ الحرامية واللصوص وسادة الظلم والنهب والاعتداء. حتى أنهم اعتمدوا على البلطجية الأشقيائية في نشر الذعر والخوف بين الناس لتكون لهم هيبة وسيطرة وبسط للنفوذ وحرية في النهب والسلب والبطش وسرقة المال العام، وفرض الأتاوات باسم جباية الضريبة على فقراء الناس وأغنيائهم على السوا.، وكانوا يحكمون بهذه الطريقة لا عن طريق نشر العدل والقانون واحترام حقوق الرعية التي أوصى بها سبحانه وتعالى ونبيه الكريم ص . لقد كانوا هم قادة البلطجة الكبار بدون منازع.

وبسبب انفلات الأمن وانتشار ظاهرة اللصوص والحرامية والبلطجة والاعتداء على الحواري والبيوت والأشخاص اضطر سكان المناطق والأحياء السكنية في المدن الكبيرة أنْ يعتمدوا على البلطجية من ابناء أحيائهم في الحماية الذاتية ضد اعتداءات البلطجية الآخرين والحرامية القادمين من مناطق أخرى. اضافة الى أنهم كانوا لا يعتدون على أبناء حاراتهم ولا يسرقونهم. وقد تكون هذه هي الايجابية اليتيمة لظاهرة البلطجة خارج قانونها السائب المنفلت. وحتى هذه الايجابية كان لها ثمن يدفعه السكان منْ أموالهم وتقديم فروض الاحترام والهيبة للبلطجي.

مع أنهم مع هذه الايجابية كانوا في الوقت نفسه يقومون بأعمال الاعتداء والسرقة والنهب والسلب في الحارات والمناطق الأخرى عن قناعة وطيب خاطر وفخر دون أنْ يرمش لهم جفن أو يؤنبهم ضمير أو تأخذهم رحمة أو شفقة بالناس المساكين.

في القرن العشرين وبعد نشأة الأحزاب والقوى السياسية ومجالس النواب الصورية في العالم العربي وانتشار المنافسة بينها، والتي وصلت الى حد الصراع والالتحام بالايدي والنبابيت بين أنصارها، مثلما نشاهده في الأفلام المصرية ، اعتمدت غالبية هذه الأحزاب والقوى والمرشحون لمجالس النياية على البلطجية في الدفاع عن النفس وردّ الاعتداءات التي كانت وكانوا يتعرضون لها، بل والاعتداء على تجمعات وأنصار الخصوم لبث الرعب بينهم وابعادهم عن تأييدها والتصويت لها في الانتخابات. وأحياناً في غير هذه الحالات ومن باب عرض العضلات واثبات الذات.

وقد تحولت البلطجة بين الأحزاب والقوى السياسية إلى ظاهرة سياسية معروفة متداولة بحيث اصبحت ضرورة، وهي خلق جهاز أمني استخباراتي تابع لها ومن المنتمين اليها، مهمته هو متابعة الخصوم وتحركاتهم وسياساتهم ، وتهديدهم احياناً الى حد التصفية الجسدية إنْ اقتضت الضرورة وفق حساباتها. اضافة الى استحداث وظيفة الحارس الشخصي لكل قائد سياسي أو شخصية بارزة في الدولة والمجتمع يُخشى تعرضها للاعتداء ومحاولات الاغتيال. ومن شروط شخصية الحارس الشخصي أن تتوفر فيه صفات البلطجة من قوة البنية الجسدية والعضلات المفتولة والشاربين الكثيفين المفتولين اللذين يقف عليهما الصقر، اضافة الى صلابة القلب والاندفاع وخشونة الطبع وقسوة الشخصية وروح العنف دون شفقة أو رحمة بالخصم، أو التحقق من الحدث المباغت الذي يتعرض له المحروس إنْ كان عفوياً بريئاً أو متعمداً، بمعنى ردّ الفعل المباشر السريع على أساس أنّ الشكَّ هو اليقين.

وقد كان استحداث أجهزة الأمن والاستخبارات في الدول هو من باب حماية الدولة ومواطنيها من الاعتداء والأخطار القادمة داخلياً وخارجياً. ومن المعروف للجميع أنّ المواصفات المطلوبة التي يجب توفرها في المنتسبين إلى هذه الأجهزة هي مواصفات البلطجة لضرورتها في مواجهة الأعداء المتربصين والمخططين لإلحاق الأذى والشر بالوطن والشعب والأمة. وذلك لردع ومنع الذين يفكرون بذلك أو يعملون عليه سواءاً داخلياً أم خارجياً. وهذا أمر مشروع مقبول في السياسة والأمن ومن ضرورات حماية البلدان والأمم ، بالرغم مما نسمعه من استنكارات واستهجانات ومظاهر الرفض لبعض الأعمال الأمنية والمخابراتية بين الدول أو ضد المعارضة الداخلية أو الأشخاص الخطرين على أمن الدولة أو النظام الحاكم، مع أن الجميع يقوم بها دون تردد أو انتظار لموافقة أحد، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الانسانية أمام مصالحهم الوطنية أو الذاتية السلطوية من أجل حماية الكرسي والحكم.

لكن مع الأسف تحوّلت هذه الأجهزة في الأنظمة القمعية الدكتاتورية من حماية الوطن وأمنه واستقراره الى بلطجة شرسة ضد شعوبها وأوطانها لبسط سيطرتها على البلاد والعباد وتثبيت حكمها وإدامته أطول مدة ممكنة من خلال بث الرعب والخوف في صفوف الناس وشلّ الحركات المعارضة.

ومثل هذه الأنظمة لا تعرف معنى للسياسة والحكم إلا أنهما بلطجة وقوة وبث الرعب في نفوس الناس والخصوم. فهي لا تفهم لغة الحوار السياسي وتبادل المصالح بين الدول والشعوب. فهي تفهم لغة واحدة وهي لغة البلطجة في الحكم والعلاقات السياسية والدولية، لأنّ قادتها هم بالأساس بلطجية تسلموا الحكم في غفلة من الزمن وببلطجة. ومثل هذه الأنظمة لا ينفع معها "العيني والأغاتي" أي المجاملة كما نقول نحن العراقيين، وإنما العصا الغليظة والقوة العاتية والبلطجة بكل معناها. فهي إن أحست في دولة اخرى ضعفاً أو رخاوة استأسدت عليها وتحولت الى ضباع تنهش. لكنها أمام دولة او سلطة قوية تعتمد البلطجة عند الضرورة تجدها تتحول الى حَمَل وديع ناعم الملمس يتقي الشرّ خوفاً ورهبةً.

لقد تحوّلت البلطجة في جانب منها الى نظام دولي ومنذ قرون الاستعمار الغابرة لتصبح "بلطجة دولة". فقد اعتمدت الدول الاستعمارية أمثال بريطانيا العظمى وفرنسا وايطاليا واسبانيا والبرتغال اعتمدت قانون بلطجة الدولة متمثلة بشريعة الغاب في بسط نفوذها الاستعماري على الدول الضعيفة المسكينة المتخلفة لتبني امبراطوريات غنية متخمة طويلة عريضة في العالم على حساب شقاء وتخلف وفقر تلك الدول وشعوبها لتصبح خيراتها نهباً وسلباً للدول الأستعمارية البلطجية.

واليوم نجد البلطجة بأجلى صورها وقوانينها متمثّلة بالولايات المتحدة التي تصول وتجول في العالم مستخدمة البلطجة الحديثة ملوحةً بالاساطيل والأسلحة الفتاكة المدمرة بدلاً عن العصيّ الغليظة والسكاكين والقامات في وجوه الدول الضعيفة. أما الدول والقوى التي لا يؤكل لحمها بسهولة فأمريكا وغيرها تحاول استعمال اليد المخملية معها، وهو ما يسميه السياسيون لغة الحوار ، أمثال ايران وكوريا الشمالية لأنهما يمتلكان ذراعاً نووية بلطجية قوية مخيفة. وكذا حزب الله في لبنان وحماس في غزة. أما الدول التي تركع أمامها أو تقدم لها فروض الطاعة والولاء بسبب رعبها من بلطجتها ووعيها لما قد تتعرض له إنْ عادتها فقد اصبحت في مأمن من بلطجتها، بل صارت في حمايتها، مثلما يحصل مع الناس والبلطجية في الحياة العادية أو في الأنظمة السياسية الدكتاتورية البطشية في الدول العربية.

ومثل الولايات المتحدة اسرائيل التي اعتمدت كلياً منذ تكوينها على البلطجة في مواجهة العرب والمسلمين والعالم أجمع. وبذا امست قوية مهابة الجانب قوية الشكيمة مسموعة الكلمة يحسب لها كلُّ العالم ألف حساب وحساب. ولا يستطيع أحد أنْ يمس لها شعرةً.

وكل هذا كان يعيه ويفهمه جيداً صدام حسين وعن تجربة شخصية ميدانية، فاعتمد قانون البلطجة في التعامل مع الأنظمة البلطجية العربية وغير العربية. لذا كانت ترتعب منه وتتجنب بلطجته وشرّه المستطير، وتحسب له ألف حساب. وقد استخدم البلطجة أيضاً ضد شعبه لذا حكم خمسة وثلاثين عاماً. ولولا كبرى البلطجة العالمية امريكا لكان في الحكم حتى اليوم ومن بعده ذريته كما في الأنظمة البلطجية العربية الأخرى.

أما اليوم فهذا هو العراق يتعرض يومياً لهجمة بلطجية شرسة من أنظمة وجماعات وأشخاص تفتك بالناس الأبرياء رجالاً ونساءاً وأطفالاً من الفقراء والباحثين عن اللقمة الحلال لهم ولعيالهم. هذه البلطجة تدمر الزرع والضرع والبناء والبشر بلا وازع من دين أو ضمير أو مانع أو خوف، وبكل حرية. لكن هذه الهجمة البلطجية الوحشية الضارية وأفرادها تقابل بيد مخملية من السلطة العراقية وقانون لحقوق الانسان وعدم المساس بهم وتوفير معتقلات خمسة نجوم ومحامين والحرص على توفر شهود إثبات لاصدار حكم قضائي (عادل) بارهابي بلطجي ذبح منذ سنوات أكثر من مئتي مواطن بريء لا ذنب لهم إلا أنهم من طائفة أخرى ودون أن يرمش له جفن أو ترتجف له شعرة، وهو لا يزال حياً يرزق قابعاً متنعماً في فندق خمسة نجوم من غير أنْ يمسه أحد، ولا يُنفذ فيه قانون ولا شريعة بلطجة!!

ومع شراسة هذه الهجمة البلطجية المنفلتة فإنّ حكومتنا الديمقراطية الرشيدة المهتمة بالمحافظة على حقوق الانسان الى أقصى الحدود، اضافة الى البعض من سياسيينا المنافقين، ولغرض في نفس يعقوب، يبدون الحرص الشديد على علاقات الأخوة وحسن الجوار والمجاملات المثيرة للتقزز والغيظ ، ويهتمون بالبحث عن حلول من خلال الحوار وابرام اتفاقيات امنية واقتصادية يسيل لها اللعاب توهماً أنها قد تؤدي الى ايقاف نزيف الدم ، وبحسب رؤيتها وحساباتها غير الواقعية واللامنطقية !!!

الذي وعيناه من تجارب التاريخ جماعاتٍ وأفراداً أنّ البلطجي لا يفهم إلا لغة البلطجة والقوة والاقتحام والعنف.

وفي الحفاظ على حياة العباد والبلاد فإنّ الضرورات تبيح المحظورات. ولا محظورات مع البلطجية والضباع المنفلتة.

والعاجز يريد شهود!




الخميس 17 ديسمبر 2009


 

free web counter