نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد الرضا المادح

 

 

 

 

الأربعاء 26/7/ 2006

 

 

 
لبنان العصفور الجريح

 

عبدالرضا المادح

أثارت غضبي وأستهجاني ، تصريحات جون بولتون سفير الولايات ألمتحدة لدى ألامم ألمتحدة بتاريخ 18 تموز ، كما أستفزّت ذاكرتي لتعيد أمام ناظريّ ذلك ألمشهد ألصغير وألمعبّر. ففي صيف عام 1987 كنت في سيبيريا مع فرقة عمل طلابية من طلبة ألجامعة لأعمال ألبناء مقابل أجور جيدة ، وفي أحدى ألصباحات ألمشمسة ألجميلة ، كنت متوجهاً للعمل بصحبة فتاة روسية حسناء مع زوجها ، وفجأة هوى للأرض عصفور صغير يزقزق محاولاً ألطيران ، فأنحنيت لحمله برفق ألى ألشجرة ، وأذا بألحسناء تصرخُ بي أن لا أمسّهُ ، فقلت لها أني أريد أن أرفعه ألى ألشجرة لكي لا تهاجمه ألقطط ، فردّت بأن أتركه وشأنه ، خوفاً منها أن تؤذيه يداي ألخشنتان ...!

وعلى ألقاريء ألذكي أن يقارن بين ألموقفين، حيث يقول جون بولتون " لكن أعتقد بأن من ألخطأ ألمساواة أخلاقيا بين ألضحايا ألذين يسقطون بأعمال أرهابية والقتلى ألمدنيين الذين يكونون ألنتيجة ألمأساوية وألمؤلمة لاعمال عسكرية يفرضها مبدأ ألدفاع عن النفس. "...." في نظامنا ألاخلاقي والقانوني ، هناك فرق كبير بين مختلف الافعال استناداً الى النيات التي تحركها ولا يمكننا أن نقارن العمل الذي يقوم على استهداف المدنيين عشوائياً (...) والنتائج المؤسفة جداً الناتجة من الدفاع عن النفس ".
*

جميل جدًا هذا ألهراء ألمقزز ، فوفق " النظام ألاخلاقي وألقانوني " ألامريكي ألصهيوني ، يعتبر قتل ألمئات من ألاطفال وألنساء وعموم ألمدنيين أللبنانيين والفلسطينيين مسموح به..!؟ حتى وأن إلتجأوا الى رياض ألاطفال وألمدارس وحتى ألمستشفيات ، أو كانوا يلعبون ويتشمسون على ألروشة أو بحر غزة، او لاذوا بألملاجيء فذلك لن يشفع لهم ، لأن صواريخ ألعم بوش ألذكية ستطل عليهم برؤوسها البربرية ، وستنثر عليهم ألأباتشي ألالعاب وألحلوى ، وكما فعلت قبل ذلك في قانا و ملجاْ العامرية وفيتنام ، أو عندما خطفت ألفرحة وألحياة منهم عندما كانوا يرقصون في حفلة زواج في احدى قرى أفغانستان ، والقائمة تطول في ألسجل "الاخلاقي وألقانوني " ألامريكي وألاسرائيلي ، هذا ناهيك عن ألاصرار على تدمير ألبنية ألتحتية وكل مظاهر ألحياة ألمدنية أللبنانية، ورفض ألمناشدات ألدولية لأيقاف آلة ألدمار ألهمجية ، كل ذلك دفاع عن النفس ..!؟ ولا تجد في جعبة قادتهم ألمتعطشون للدماء سوى كلمات بائسة كاذبة " مؤسفة ..مؤلمة..مأساوية .." وألتي لا تداوي جرح بسيط في جسد طفل بريء.

أما ألضحايا من ألمدنيين ألاسرائيليين وألذين سقطوا ( وعددهم قليل وهذا مرفوض أيضاً ) بصواريخ حزب ألله ، فهذه جريمة لاتغتفر ، وأن جاء قصف حزب الله رداً على ما فعلته آلة ألحرب ألاسرائيلة بألمدنيين ، فذلك ألارهاب بعينه ، وتعتبره منظمة " هيومن رايتس ووتش " في بيانها " انها تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الانساني الدولي وعلى الارجح جرائم حرب " * ويترتب على ذلك التهيئة لتقديم نصرألله وقيادة حزب ألله ألعسكرية ألى ألمحكمة ألدولية لجرائم ألحرب لاحقاً ، ولم أسمع أن " هيومن رايتس ووتش " تعتبر ما تقوم به أسرائيل جرائم حرب رغم كل الدماء ألبريئة ألتي تصطبغ بها يومياً شاشات ألفضائيات ..!!!!؟؟

ان ألعملية ألتي نفذها مقاتلوا حزب ألله ألجريئة وألناجحة من ألناحية ألعسكرية ، واضحة ولا لبس فيها ، مقاتلون ضد مقاتلين وعلى خط النار وبعيداً عن ألمدنيين ، على ألرغم من كل ألتحفظات ألتي تثار حول حزب الله من ألجانب الفكري وألسياسي ، بأنه تجاوز على ألقرار اللبناني وانه ينفذ اجندة أقليمية ، وأن هذه العملية جلبت ألدمار ألى لبنان ولم تكن محسوبة ألتوقيت وألنتائج بدقة، وأن ألاسلام ألسياسي ألمتخلف خطر على أمن ألمنطقة.. ألخ ، ولا أريد ألخوض في ذلك لكي لا يطول ألمقال. ولكن بعودة بسيطة لأتفاقية جنيف ، ستجد أن كفة ألميزان ستميل لصالح ألمقاومة أللبنانية ، وكان على أسرائيل توجيه نار غضبها على خط ألمواجهة ، لتنتقم من حزب ألله وتستعيد جنودها " ألابطال " لا أن تنتقم من شعب يعلم ألعالم بأسره أنه غير قادر على ألمواجهه العسكرية مع جيش يعاني من عقدة ألهلكوست ألانتقامية ، كما جاءت ألحرب لتنسجم مع ألاجندة ألامركية ولتخفف عن كاهلها من ثقل ألخسائر وأحراجات ألفشل على ألساحة ألعراقية وألافغانية ، وهذا ما يبرر من جانب عدم رغبة أمريكا لايقاف ألحرب ألان.

أن ألمأساة ألتي يمر بها شعبنا أللبناني تتطلب من كل ألقوى ألشعبية والوطنية اللبنانية ألتكاتف صفاً واحداً أمام ألهجمة ألشرسة ألأمريكا ـ صهيونية ، كما أن على كل ألقوى ألخيرة في البلدان العربية والعالم ألوقوف ، واعلان ألتضامن ألذي لالبس فيه مع أشقائنا ، وعلى جون بولتون أخذ ألدرس بمعنى ألقيم ألانسانية ألمرهفة ألصادقة من ألحسناء ألروسية .


* جريدة الحياة العدد 15811 ، 19 تموز 2006