موقع الناس http://al-nnas.com/
التخلف التكنولوجي في النظم " الاشتراكية "
عبد الرضا المادح
الأربعاء 20/9/ 2006
يسعى منظري وكتاب الحركة
الشيوعية ، سبر أغوار مسببات ألانهيار ألمدوّي للانظمة ألاشتراكية ، عبر الدراسة
وألتحليل ألنظري ألعلمي والبحث في أسس ألنظرية ألماركسية أللينينية وتشخيص ما شاخ
منها ، وأيجاد البدائل ألمنسجمة وألتطورات الحضارية ألهائلة التي تنعم بها ألبشرية
أليوم.
أن كل دراسة نظرية في موضوع ألبحث ، يجب ان تعتمد على ألمعاينة الدقيقة لتجربة
ألبناء ألاشتراكي ، وتأشير مكامن ألخلل في ألتطبيق . بأعتبار أن ألحياة هي ألمختبر
ألحقيقي لصدقية ألنظريات.
وأنطلاقاً من هذه ألبديهه ، أود أن أساهم بشكل متواضع ، في تسليط ألضوء على ما
شاهدته وعايشته أثناء دراستي في أحدى الجامعات التكنولوجية في موسكو ، وقبلها سنة
تحضيرية في مدينة فولكاكراد ، وخلال ألتطبيق وألعمل في معامل ومدن مختلفة حتى
سيبيريا.
أن ألانطباع ألذي تولد في ذهني ، هو أن عجلة التطور في ألاتحاد ألسوفيتي ، قد توقفت
منذ بداية ألسبعينات أو قبل ذلك ، حيث لم تجري عملية تجديد وسائل ألانتاج على كل
المستويات ، سوى في مجال ألتصنيع ألعسكري ألتقليدي وألاستراتيجي ـ ألنووي ـ
ألبيولوجي ـ ألكيمياوي وأبحاث علم ألفضاء ، ألذي أبدعوا فيه وليومنا هذا...! ومعلوم
لديكم وللقادة ألسوفييت ...!؟ أن أحد ألاسلحة ألستراتيجية للأمبريالية ألعالمية ،
هو دفع ألاتحاد ألسوفيتي ، بأتجاه ألانغلاق على ألتصنيع ألعسكري ، ليحرم ألشعب
ألسوفيتي من أسباب ألحياة ألكريمة ألمرفهة ، وكما أعلن صراحةًً ألرئيس ألامريكي
جيمي كارتر " سنهزمهم جوعاً ". فقد أعلنت ألدول ألرأسمالية ألحرب على ثورة أكتوبر
والنظام ألجديد ، بأستخدام كل ألاسلحة ، ومنها الحصار ألاقتصادي ومنع ألتبادل
العلمي ألتكنلوجي ، حتى أنهيار ألاتحاد ألسوفييتي .
أن ألعامل ألذاتي ، بالتأكيد، هو ألمسبب ألرئيس في فشل تجربة ألبناء ألاشتراكي ،
فتراكم ألاخطاء والنواقص، أدّت ألى تغير نوعي ولكن بألاتجاه ألسلبي . ومن كبريات
ألاخطاء هو أنعدام ألديمقراطية ألحقّه ، والتي تمثل أحد ألاركان ألاساسية، أي
ألقوانين لبناء ألاشتراكية. وأستناداً لذلك توجهت بألسؤال ، لثلاثة أساتذة سوفييت ،
منهم أثنان بدرجة بروفيسر ، وأثناء محاضرة في ألشيوعية ألعلمية عام 1987 ، قائلاً "
هل تعتقدون أنكم تعيشون في مرحلة ألاشتراكية " فأجابوا بنعم ، فقلت لهم " أنا لأ
أعتقد ذلك " فأستغربوا ، وأوضحت لهم ، " أنتم لاتمارسون ألديمقراطية ، حيث أكّد
لينين على حق ألشعب بأختيار ممثليه ، ورسم ألسياسة ، وألرقابة على ألتنفيذ ،
وأستدعاء ألمسؤولين أمام ألسوفييتات لمحاسبة المقصرين منهم ، وبما أنكم تفتقدون
لأحد ألقوانين ألاساسية لبناء ألاشتراكية فهي لم تستكمل بعد " فلزموا ألصمت .
أن تجربة ألشعوب أثبتت ، أهمية وجود ألمعارضة ألسياسية ، لضمان ديمومة ألحراك
ألفكري ألسياسي ألاجتماعي ، وبألتالي أيجاد أنجع ألحلول للمعضلات ألتي تظهر ، في
مسيرة ألبناء وألتقدم .
أن ألتخلف شمل ألمؤسسات ألعلمية ، فألجامعات تعاني من نقص حاد في أجهزة ألكومبيوتر،
حيث تتوفر بأعداد محدودة للطلبة ، ولم أشاهد منها في مكاتب ألاساتذة !؟ ، وألاجهزة
في ألمختبرات قديمة وألابنية مهترئة، والمصادر العلمية تقتصر تقريباً على مؤلفات
ألعلماء ألسوفييت ، مع ضرورة ألاشارة الى مستواهم ألمرموق ، وتوفر نتاجاتهم بمختلف
ألعلوم . في أحدى ألمناسبات ، سألت أستاذاً عن سبب عدم وجود محاضرين أجانب ، ووفود
علمية متبادلة مع جامعات ألعالم ، فأعزى ذلك ألى ألمقاطعة ألغربية ، وأُضيف
ألحساسية ألمفرطة من قبل ألسلطات ألسوفييتية ، تجاه أي أحتكاك للمواطنين مع جهات
أجنبية.
أن تفشي ألبيروقراطية والفساد ، خلق حالة من عدم ألاكتراث لدى عامة ألشعب ، فأصبح
ألمواطن لايعنيه ما تروج له ماكنة ألدولة ألمتحزبة ألاعلامية حول ألبناء ألاشتراكي
، بل أصبحت موضع تندر عامة ألناس ، وأرتبط ذلك بتدني ألمستوى ألمعيشي وسوء ألخدمات
، فألرواتب هزيلة والسلع ألضرورية مفقودة وألمتوفر منها ذات جودة متدنية ، وألشعور
بألاغتراب ألداخلي وأليأس دفع ألناس وخاصة ألشبيبة منهم، ألتطلع ألى ألنموذج ألغربي
وما يوفره من عامل جذب ورخاء. ففي أحدى ألمؤسسات
ألانتاجية كنا مجموعة من ألطلبة وأثناء ألتطبيق ، لاحظنا عدم أهتمام ألمهندسين
وألموظفين في أداء واجباتهم ، فألتفت ألى ألزملاء من ألطلبة ألسوفييت مستفسراً ،
عمّا سيكون موقفهم في ألمستقبل تجاه ألعمل ، فأجابوا صراحةً بأن سلوكهم سوف لن
يختلف عمّا رأيت !!!!
يقع معمل ألمولدات وألمحركات ألكهربائية ، في ألمنطقة ذاتها حيث يوجد ألمعهد ألذي
درست فيه ، فوقع أختياري عليه للتطبيق ألعملي ، ثم واصلت ألعمل صيفاً ، للحصول على
دخل أضافي يُعينني على ألمعيشة ، مُضحياً بفرصة ألاستمتاع بألراحة في ألمنتجعات
ألصيفية على البحر ألاسود ألدافيء ، والذي تصطبغ رمال شطآنه بأللون ألبرونزي لأجساد
ألشقراوات كل عام . في ذلك ألمعمل والذي تم بنائه في ألعهد ألقيصري ، وجدت خطوط
أنتاج قديمة ، ومكائن يستوجب تبديلها ، فأستلمت ألعمل على احدى ألمكائن الضخمة
ألنصف أوتماتيكية ، لأنتاج غطاء مولد كهربائي . وبسبب حبي للعمل وأخلاصي لمبادئي
ألتي رباني ألحزب عليها ، بذلت جهداً صادقاً ، فكانت أنتاجيّتي هي ألاعلى بين جميع
ألعمال ، مما حدى بألمهندس رئيس ألقسم أن يطلب مني ألبقاء للعمل كمهندس بعد ألتخرج
، وكانت غلطتي بعدم ألاستجابة ، لأتظور من حرماني ممارسة أختصاصي في بلد ألمهجر
ألسويد مدى ألحياة.
كنا نقيم ومن خلال " رابطة ألطلبة ألعراقيين في ألاتحاد ألسوفييتي" أيام عمل طوعي
في ألمعامل ، ويذهب ألوارد ألمالي دعماً لنضال ألحزب ألشيوعي ألعراقي ، فكانت
ألمشاهد في ألمعامل ألمختلفة لاتبتعد في ألوصف عمّا سبقه .
عند ألأعداد للدفاع عن شهادة ألدبلوم ألعالي ، أخترت مادة ألمراحل ألانتاجية لتصنيع
قطعة تابعة لسيارة "أللادا" وبألمناسبة هذه ألسيارة تُصنّع بأمتياز من شركة "فيآت "
ألايطالية. ذهبت للمعمل وشاهدت ألكثير من ألسلبيات في
مراحل ألانتاج ، وسمعت حينها ، وشاهدت لاحقاً في عام 2006 وعلى ألفضائية ألروسية ،
فلماً وثائقياً ، عن ألمافيا ألمهيمنة على ألمعمل ومن ألعهد ألسوفييتي ، وكيف
يهربون مختلف قطع ألغيار ، لتباع في ألسوق ألسوادء !؟. أجريت فحصأً لجودة ألقطعة
مادة ألبحث ، فصدمت بألنتيجة ، حيث أن جميع ألقطع ألمنتجة ، لاتتطابق مع ألمواصفات
ألمطلوبة ، وعندما نبهت ألعامل ألمسؤول عن ألخط ألانتاجي ، أجابني بعدم ألاكتراث
!!؟ ، فقررت أن أرسم ألنتائج على أللوح ألبياني كما هي ، وعند ألدفاع وأمام جمع من
ألاساتذة وألحضور ، أنتبه أحد أساتذتي للخط ألبياني ، مستغرباً ومستفسرأً ، فأجبته
بأن هذه حقيقة أنتاجكم ..!
ما تقدم من أستعراض للمشاهد ، يتعلق بمدينة موسكو فقط ،
والتي تعتبر ألمدينة ألمدللة ، والقبلة ألمقدسة للمواطن ألسوفيتي . اما عن حال
المدن ألصغيرة وألارياف ، فحدث ولاحرج ...! فألشوارع سيئة ، وألباصات خردة متحركة ،
وألخدمات لاتتم ألا بألرشاوي ، وألبطالة ألمقنعة ضاربة أطنابها ، وألمواد ألغذائية
شحيحة ، مما يدفع ألمواطنين ألسفر ألى موسكو للتبضع . أن ألاوضاع ألسيئة في ألمدن
خلقت ظاهرة ألهجرة بأتجاه ألمدن ألكبرى وخاصة موسكو ، ولكن ألاجراءآت المتشددة
وتحديد أقامة ألمواطنين ، هي ألتي حدّت من ذلك .
أي أن ألدولة لم تعمل على ألغاء ألفوارق بين ألمدينة وألريف ، كما ورد في شروط
أقامة ألنظام ألاشتراكي...!
عايشت بعض ألمشاهد والتي تركت أثراً عميقاً في نفسي . ففي ألكلية وعلى لوحة ألشرف ،
علقت صورة ، يصطف فيها عدد من جنود ألبحارة ، على ظهر بارجة حربية ليؤدوا ألتحية
لأحد ألمقاتلين ألقدامى ، وألذي ُقلّد أوسمة عديدة ، طرّزت صدره ، وكان قد فقد
قدميه في ألحرب ألوطنية ألعظمى ، ويظهر وهو يزحف على خشبة ، ربطت أليها عجلات صغيرة
، ويدفع ألارض مباشرة بيديه. نظرت طويلا ً وبألم شديد متسائلاً ، ألا يستطيع
ألاتحاد ألسوفييتي " ألعظيم" أن يوفر كرسي متحرك ، لهذا ألبطل ، ألذي قدم نصف جسده
في ألحرب ضد ألنازية ، قرباناً لوطن " ألاشتراكية ألاول "...!!؟
مشهد آخر في مدينة ميخايلوف ، وعند محطة القطار ، حيث دخلت مجموعة من الشباب
وألشابات ، لمحل بيع ألمواد الغذائية ، طلباً لشيء يمتع أذواقهم ، نظروا ألى ألرفوف
ألفارغة ، فلم يجدوا غير علب ألسردين ، فأبتاعوها مرغمين ، وافرغوا محتوياتها في
بطونهم والتذمر مرسوم على وجوههم .
أن ألحال في بلدان ماسُميَ بألمنظومة ألاشتراكية ، لأيختلف كثيراً عن بلد ألطليعة ،
فمنتجاتهم ألمبنية على مبدأ ألتكامل " ألاشتراكي "لم تستطع أن تنافس في ألجودة ،
منتجات ألعالم الرأسمالي للأسف.
لقد ترك ، الخلاف ألسوفييتي ـ ألصيني ، شرخاً عميقاً في جدار ألحركة ألشيوعية ،
وزاد من ذلك تعنت قيادة البلدين ، وتبعية ألقيادات للاحزاب ألشيوعية وخاصة من
البلدان ألنامية ، لهذا ألطرف أو ذاك ، ولولا ذلك ألصراع ألساذج ، لسارت عملية
ألتطور والبناء ، ربما بصورة أفضل .
أن ألاتحاد ألسوفييتي لم يُسخّر قدراته ، ألسياسية وألدبلوماسية ، لكسر طوق ألحصار
المفروض عليه من ألدول ألغربية ، بل تبنى مبدأ ألاكتفاء ألذاتي ، مما عمّق ألعزلة
عن ركب التطور الحضاري ألجاري في ألعالم.
لقد كان كادرنا ألحزبي ، ومن ألاحزاب ألشيوعية ألاخرى ، وأعني بألذات من ألبلدان
ألمتخلفة ، تتردد على موسكو لاغراض ألدراسة ألحزبية وألاكاديمية ولأغراض ألعلاج
وألراحة ، بعد فترات طويلة من ألحرمان في ألسجون وألتشرد في ظروف ألعمل السري ،
ليتنعموا بألخدمات ألجليلة ألتي وفرها لهم ألرفاق ألسوفييت ، وهذا لاينكر ، ولكن
كانوا يعيشون بعيداً عن ألحياة ألواقعية و لما يجري من غليان دفين في ألنفوس .
أمّا ألرفاق ألذين وعوا ألحقيقة فقد لاذوا بألصمت ، فلم أُصادف في يوم ما ، اي
مقالة في صحافتنا ألسرية أو ألعلنية ، تنتقد ألحالة ألاقتصادية ـ ألاجتماعية
للأتحاد ألسوفييتي ، بل على ألعكس ، فمقالات ألمديح وألاطراء بألتجربة ألفريدة
وألرائدة ملئت أدبياتنا ، ووصل ألامر أن نتطاحن أعلامياً مع ألنظام ألبائد في
ألسبعينات ، دفاعاً عن باصات " ألاكاروس " مُفضليها على " أللايلند " ألانكليزية
ألصنع ، معتبرين موقفنا دفاعاً عن ألنظام " ألاشتراكي " ...! وألحقيقة أن ألنوع
ألثاني هو أفضل تكنلوجياً من ألاول .
أن شراسة ألهجمة على ألاتحاد ألسوفييتي وبلدان أوربا ألشرقية ، يرافقها ألاخطاء
ألفادحة في ألتجربة والتطبيق ، ادت ألى ألتآكل ألداخلي وخفوت نجم ألاشتراكية ، وجاءت
فكرة عملية أعادة ألبناء" ألبرسترويكا" الضرورية ، متأخرة ونتائجها ألعملية ، كانت
كارثية ، حيث انهار ألبناء ، ولم يتصدى الشعب ألسوفييتي لأنقاذ " ألاشتراكية " بل
حتى ألخمسة عشر مليون شيوعي " أعضاء الحزب " أداروا ظهورهم
، لما كان يعتبر حلمهم ألجميل ، ماعدا بضعة آلاف منهم خرجوا للدفاع عن ألاتحاد
السوفيتي . وهكذا تتابعت سلسلة ألانهيارات في بلدان أوربا ألشرقية ، بعد أن هوى
ألدب الابيض .
أن ألحديث عن سلبيات تجربة ألبناء في ألاتحاد ألسوفيتي لا
يعني عدم وجود نجاحات هامة وأنتصارات كبيرة ، حققها ألشعب ألسوفييتي ،
بقيادة ألحزب الشيوعي ، والتي لم يجري ألحفاظ عليها للاسف .
لقد كان ولايزال حلم البشرية ، بأيجاد افضل أشكال ألبناء ألاقتصادي ـ ألاجتماعي
ألمتطور، والذي تتجسد فيه أسمى ألعلاقات ألانسانية ، ألخالية من كل أشكال ألاستغلال
وألاضطهاد ، لازال يلقى صدىً واسعاً في عقول وقلوب ألملايين من الشيوعيين رجال
ألعلم ومن ورائهم ألعمال والفلاحين والكادحين . وما ألنجاحات للحركات أليسارية في
امريكا أللاتينية ، وصمود ألتجربة الصينية ، وأصرار ألاحزاب ألشيوعية في ألعالم على
مواصلة ألنضال ألا دليلاً على أيمانهم ، بمصداقية أهدافهم النبيلة من اجل بناء
ألمجتمع ألاشتراكي ألمنشود .