قصة قصيرةZ والوطن
عبد الرضا المادح
في صباح صيفي ، خطوات ثقيلة تسحل قدماي في شارع الوطني وعثرات الرصيف تترصدني ، خطفتني التفاتة الى شمالي ، لتقع على لوحة خشبية كبيرة شاخ عليها الزمن ، وتركت الشقوق على اخاديدها مسحة من الاحزان ، فتحة الباب الكبيرة اغرتني بالدخول متردد الخطوات .
ـ استاذ الى اين ؟ نادى رجل ضخم الجثة بدشداشة بيضاء ووجه باسم .
ـ نيست ذكرياتي على مقعد ٍ عسى ان اجدها !
ـ احذر انهيار احجار السقف فالمعاول ليس لها عيون !
رسمت قدماي اثار بارزة على الاتربة في ممر القاعة الفسيحة بين كراسي اخذت لون التراب .
ـ آه ..... هنــا كنت اجلس حينما كانت عيناي مشدودة الى مفاتن " نساء الامازون " في غابة من حسرات المشاهدين وصفيرهم !
مساطب " ابو اربعين " امتلأت عن اخرها بعيون تتلصص اسفل الشاشة لسيقان طرية ! لكمات وصرخات عكّرت المشهد ! صياح البائع امتزج مع دخان السكائر عبر الاشعة الممتدة فوق الرؤوس " ببسي بارد ... بارد ... حب ابيض ... حب شمسي ... " انقطع الفلم وساد الظلام ، تعالت صرخات مرة اخرى " اعور ... اعور ... " ! صوت قنينة تتدحرج بين الاقدام ! وهج جمرات السكائر عيون تنين مُستفز ْ للقطة القادمة .
اقتربتُ الى الامام اكثر لينكشف نور ينهال من فتحة كبيرة في السقف تتوسع مع تساقط الاحجار ، وغمامة من الاتربة ترسم بقايا الفلم على الشاشة الكبيرة . بحثت على الجدارين الجانبيين عن امرأة توسدت ذراعها شبه عارية سارحة في احلامها الشبقة ، فلم اعثر الا على بقايا عطرها المخضب بشال شفيف ينساب على وسطها ، ودمعة تركتها فاتن حمامة على خدها الطري .
في صالة الاستقبال تناثرت صور الافلام على الجدران باطاراتها الفضية اللون ، وبقايا من بطاقات الدخول تنتظر المشتري على شباك التذاكر ! طيف عائلة وصبايا خطف مستعجلا الى مقصورة " اللــوج "، رنين قناني البيبسي كولا ورائحة السمبوسة تتسلل من قاعة المطعم .
ـ هل تذكر فلم Z ... ؟ بادر بالسؤال الرجل .
ـ لقطاته لاتزال عبقة في الذاكرة ، ورجال الامن يزاحمون اليساريين في ملء الصالة !
ـ لقد نشرتُ بقايا ملصقاته على المارة قبل يومين .
ـ .............. ! ؟
تعثرتُ باجزاء من ماكنة العرض تشكو الاعطال على ارضية الصالة ! لملمت ماتبقى من ذكرياتي ويممت وجهي صوب اطلال سينما اطلس والرشيد والكرنك والحمراء ..... لالتقط ما يكمل الصورة المتكسرة في روح طائر غريب !
2011 . 06 . 21
البصرة