موقع الناس     http://al-nnas.com/

هكذا تكرم الشعوب مبدعيها

 

عبدالرضا المادح

الثلاثاء 13/6/ 2006

صندوق الدنيا ، هذا الجهاز العجيب الذي ابدعه عقل الانسان ، يستطيع وخلال ثوان ان ينقل مشاعر ملايين البشر من الفرح والبهجة والامل الى مشاعر الحزن والالم والحسرة وبالعكس .
صباح الثاني عشر من حزيران ، كنت انتظر النقل المباشر لوقائع محكمة المجرم صدام وازلامه ، حينها تنقلت اصابعي على ازرار " الريموت كنترول " لا نطلق بين الفضائيات في عالم السحر المدهش ، فسرقت انتباهي الفضائية الروسية الاولى ، حيث كانت تنقل وقائع الحفل التكريمي لكبار العلماء والادباء والفنانين ورجل الدين الاول الكسي الثاني وهو المرجع الاعلى للكنيسة الشرقية الارثذوكسية.
كان الرئيس بوتن يقف على سجادة حمراء رائعة مطرزة باللون الذهبي ، تغطي منصة القاعة البهية المزينة ، وتنساب عليها الاضاءة من ثريات هائلة تتلئلء كالنجوم في سماء صافية.
الى يمين الرئيس جلس المحتفى بهم ، بعد دخولهم فرادا من مؤخرة القاعة وعريف الحفل يقدمهم من خلال مكبرات داخلية وبصوت مهيب ، ذاكرا انجازاتهم الكبيرة يرافق ذلك موسيقى تهز اعماق النفس البشرية . وعلى يسار الرئيس وقف صف من حرس الكرملن للتشريفات ، بملابسهم المزينة الجميلة يحملون وبعلب خاصة مغلفة بقماش مخملي مزركش وسام الدولة الرفيع ، ومع العزف الموسيقي علق الرئيس الاوسمة على صدور المكرمين وبحضور كبار الشخصيات السياسية والعلمية والادبية والفنية وامام الملايين عبر الاثير. كان ذلك في اليوم الوطني لروسيا حيث فيه تقلد الاوسمة لمن يستحقها من كبار الشخصيات الذين قدموا خدمات جليلة وانجازات حقة في مجال العلم ورفعة الروح الانسانية.
ضغطت على الازرار لانتقل لاجواء المحكمة التي بدات جلستها الثالثة والثلاثين لارى وجوه القتلة وهيئة دفاعهم التي حولت المحكمة الى " فوضى " كما قال القاضي رئيسها . انقلبت مشاعر الفرح الى حزن عميق لاتشفع له حتى الدموع ، حيث تذكرت مئات الالاف من الضحايا في المقابر الجماعية والحروب الهمجية الداخلية والخارجية ومارافقها من دمار هائل لدور العلم والفن.
وبعد سقوط الصنم شحذ ما تبقى من مجرميه وبتكاتف مع الزرقاويين والمليشيات المتلفعة بالدين سيوفهم ليدحرجوا بها رؤوس الضحايا في الشوارع ، ولينثروا الاشلاء بعد كل انفجار فتصطبغ الشوارع والجدران وشاشات التلفزة بدماء الابرياء ، وتتعالى فتاوى البداوة لتقدس مفاهيم طالبان ولتعود بنا الى القرون الوسطى او ابعد في ظلمات الزمن الغابر.
وهكذا يلاحق العلماء والادباء والفنانين رجالا ونساء ، فيقتل بعضهم ويهاجر من نجى بنفسه ، ليفرغ العراق من العقول المبدعة ، وليبقى بعيدا من اضنكته حياة الغربة متظورا بلهفة العودة لخدمة وطنه .
اهكذا يتم التكريم في بلد الحضارات الاولى ...؟!
نعم ان صندوق الدنيا شاهد اثبات على التحضر والتخلف برمشة عين ...!