| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الخالدي

 

 

 

                                                                                   الأحد 6/11/ 2011



حصاد التزمت الديني

د. علي الخالدي  

في الحادي والثلاثين من تشرين اﻷول مرت علينا الذكرى السنوية الاولى لمذبحة كنيسة سيدة النجاة التي راح ضحيتها أكثر من120 شهيد وجريح . لقد هزت هذه الجريمة الشنعاء ضمير كل الشرفاء الذين ابدوا تعاطفهم الامحدود مع اسر الضحايا , وحظيت باستنكارهم . وفي حينه شمر المسؤولون عن سواعدهم لملاحقة منفذي الجريمة , ووضع كل ما من شأنه لحماية أبناء شعبنا وبصورة خاصة أماكن عباداتهم من جرائم المتشددين , والمتزمتين دينيا , متعهدين بإعادة ترميم الكنيسة , وتعويض جميع المتضررين في تلك المذبحة الشنيعة ,.

في وضح النهار خططت قوى التشدد الاسلامي من فلول القاعدة ليكون التوقيت مع دعوات المصلين وابتهالاتهم الى الرب ليحفظ العراق ويصون شعبه من أي مكروه , داعين الى المحبة والتآخي بين طوائفه وافراده والغفران لخطاياهم , ولمن اساء اليهم . إﻷ أن الحقد الدفين للمتشددين من السلفيين وشراذم القاعدة , لن ُيخمد بل يستعر بين فترة لأخرى , وبصورة خاصة عند الانفلات الامني . فمنذ تواجدهم بعد سقوط النظام كَثُرت الاعمال الارهابية التي طالت ابناء شعبنا وفي اماكن عباداتهم . وتواصل منذ ذلك الحين مسلسل إضطهاد معتنقي الديانة المسيحية والصابئة واليزيدين بمحاربتهم في أرزاقهم , بل لم يمر يوم إلا ونسمع تصفية جسدية لمجموعة أو لأحد من معتنقي تلك الديانات المزينة والمجملة لنسيج الشعب العراقي منذ تكوينه

لقد تطلعت جماهير شعبنا , وقواه الوطنية وكل من يحريص على صيانة وديمومة التجانس القائم بين كل الاديان والطوائف , والذي اتصف به , بصورة خاصة المسيحين والصابئة واليزيدين معبرين عنه بالتفاني في خدمة وطنهم العراق , وبالتضحية من أجل اعلان شأنه . وكانت جماهير شعبنا تتوقع ان تكون هذه الذكرى الاليمة محط اهتمام المسؤؤلين والاعلام الحكومي أيضا , فيعرضوا لنا ما تم أنجازه من صيانة للكنيسة وما قدموه من دعم وتعويض لذوي الضحايا إسوة بمثل هكذا جرائم . يبدوا ان مسؤولينا يصابون كالعادة بداء فقدان الذاكرة عندما يوعدون الشعب بتحقيق أمور ايجابية , ومما زاد الطين بلة , أن الاعلام الرسمي المسموع والمرئي , لم يخطر بباله ان يشير الى هذه الجريمة ويجعل منها مناسبة لتظافر الجهود والتصدي للارهاب وحماية العراق منه , والدعوة للوقوف بحزم ضد من يريد تشويه نسيجه وإفراغه من مكوناته عن طريق وضع معوقات وعراقيل لمواصلة عيش منتمي الديانة غير الاسلامية في اجواء من الامن واﻷستقرار على ارض اجدادهم , باني حضارتنا التي نفتخر بها امام الامم .

لقد زرع التزمت والتشدد الديني والطائفي الكراهية , وإشاع الخراب في النفس و هيأ مستلزمات تزعزع الروح الوطنية التي كانت تتمتع بها كل مكونات الشعب العراقي , وبدأ يظهر على الساحة نوايا عزل ديني طائفي بين مكونات النسيج العراقي في ظل تصاعد الاغتيالات الفردية والجماعية لهذه المكونات , مما ادى الى ضياع حياة آلاف العوائل , وتدمير ثقافي على نطاق واسع , عبر التضييق لممارسة تقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية .

لقد بدأت القوى الدينية في الدول العربية التي ثارت شعوبها ضد انظمتها الشمولية السباق فيما بينها للاستحواذ (ويصورة خاصة السلفيين منهم) على ما انجزه تحرك الشباب الذي تمخض عن ثورات شعبية فرضت ظروف مواصلة اشاعة الديمقراطية , فإستغلت القوى الدينية مجال اتساع ساحة تحركها في المنطقة , فوضعت في اولياتها التخطيط للسيطرة وبشتى الوسائل , البعيدة عن التقاليد الديمقراطية والتنافس النزيه خلال الانتخابات , مستغلتا الضعف الثقاقي للجماهير الفقيرة وموجهتا إمكانياتها المادية وما حظيت به من دعم خارجي وامكانية التأثير على الحس الروحي للجماهير الشعبية الفقيرة لنيل أكبر عدد من الاصوات في الانتخابات , كما حصل في تونس , وما يتوقع ان يحصل في مصر . وما ان يهيمنوا على السلطة حتى يدعوا الى ان يكون الدين مصدرا للتشريع , أو العمل على ادخال مواد دستورية تلزم الجماهير على نمط حياة تسير وفق تشريعاتهم ونظرتهم للديمقراطية الاجتماعية من خلال وضع مواد دستورية منبثقة من معتقداتهم الدينية يلزمون بها الشعب وبذلك يضعوا معوقات أمام مواصلة الحياة اليومية في اجواء من الحرية السياسية والكرامة الاجتماعية لكثير من افراد الشعب , مما يدفعهم للبحث عن اماكن آمنه لمواصلة حياتهم ويجعلوا من خيار الهجرة هاجسهم الوحيد . وهنا لا يثير استغرابنا استمرار هجرة العراقيين للخارج , ومؤشرات ان يلحق بهم التونيسيون والمصريون وحتى الليبيون . مكرهين على التخلي عن التمسك بارضهم , حاملين حب أوطانهم في صدورهم اينما حلوا .

إن أماني شعبنا كما اشرنا في ما كتبنا سابقا لا يتم تحقيقها في اجواء الصراع السياسي المتصاعد بين الاحزاب السياسية في هذا الظرف الحرج الذي سيرحل به عنا المحتلون . وكما أشارت القوى الوطنية الحريصة على تواصل العملية السياسية مسيرتها , ان ذلك سيؤدي بالضرورة الى فقدان الثقة وبالتالي تصاعد الخلافات بين الكتل الساسية الحاكمة والذي بدوره سيؤدي الى اهمال معالجة الاوضاع البائسة التي يعاني منها الشعب ,واجراء الاصلاحات الموعودة , ناهيكم الى انه سيقود الى خلق فراغات تنتعش بها القوى الظلامية , فتصعد من نشاطاتها الرامية الى نسف المكاسب التي تحققت بعد سقوط الصنم  .

أن معالجة الاشكالات بين الاحزاب السياسية من جهة وما جرى من تهميش لاحزاب وطنية ولطوائف دينية يتم عبر الاستفادة من كنز خبرتها العملية والوطنية وذلك باشراكها في عملية البناء وخدمة الشعب والوطن والعملية السياسية . ويبقى نداء الحرص على مكونات شعبنا من مختلف طوائفهم قائما , وذلك باحترام عاداتهم وتقاليدهم والقيام بتنفيذ التعهدات التي يقطعها المسؤلون على انفسهم عندما يصابوا بمكروه لان ذلك سيكون الضامن لبقاء جمالية نسيج الشعب العراقي  .
 




 

 

free web counter