| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الخالدي

 

 

 

                                                                                الأربعاء 2/3/ 2011

 

مواقف أمريكا من ثورات الشعوب 

د. علي الخالدي


تحاول امريكا تبييض مواقفها الداعمة للأنظمة الدكتاتورية والرجعية في العالم , داعية إياها لإجراء بعض الاصلاحات ,هذا التعبير المطاطي الذي تريد من وراءه ترقيع سياسة الانظمة التي ظلمت شعوبها واستغلت ثروات بلادها لمصالح ادواتها السياسية التي, بنت بهم النظام القمعي , وهي (أمريكا) تبغي , من وراء ذلك امرين احدهما امر من الاخر الاول هو بقاء مصير الاصلاح بأيدي نفس ادوات الحكم , بحيث لا يتعدى معالجات , لاوضاع وقتية دون أن تمس اصلاح العمق الحقيقي لما وراء واسباب صنع معوقاته , والحث لاجتثاث جذوره الهادفة لايقاف تطلعات الشعوب ,نحو التقدم السياسي والاجتماعي , وعوضا عن ذلك تقوم بالتركيز على نشر مظاهر وقشور ديمقراطية هجينة , يصاحبها استخفاف بارادة الشعوب وتطلعاتها نحو ديمقراطية حقيقية وإستهجان امكانياتها بصيانة حريتها , فهي مثلا تؤمن بديمقراطية اسرائيل وتدعمها بلا حدود بينما تتردد في دعم صيغ الديمقراطيات الشعبية في الدول التي نهضت شعوبها , لتحقق مآربها عن طريق أدواتها الخاصة , وقد لمسنا مواقفها المترددة عند اندلاع الثورة في تونس ومصر ونلمسه حاليا بما يجري من مواقف تجاه المذابح الدموية على يد القذافي , وعلي عبداللة طالح , وموقفها اللاأبالي تجاه قمع المظاهرات السلمية التي عمت عراقنا , هذه المظاهرات التي لم تخرج عن نطاق مطاليب عادلة انتظرها شعبنا ثماني سنوات بصبر لا مثيل له ,تواصلا مع الآمال التي قطعها لهم من انتخبهم , ومع هذا لم يلمس منها ما يشير الى أنها عازمة ولو بتحقيق اليسير منها , سوى الوعود البراقة منذ التغيير بالعامل الخارجي الذي اغترف منه القلة , ومن ركب موجته .

الامر الثاني هو قطع الطريق امام تصاعد ونمو القوى الوطنية والحيلولة دون تصدرها النضال المطلبي لشعوبها ووضع معوقات أمام ما يعزز مواقفها ونفوذها بين أوساط الشعب وبالتالي تكوين الاسس للتصدي لمصالح الدول الطامعة وادواتها في الداخل بالانطلاق من برامجها التي زكتها الحياة وبلورتها هموم الشعب لقربها منه حيث اينما يكون تكون هي . كما ان امريكا تملك امكانية فنية فائقة في عرض مواقفها الازدواجية فهي من خططت لمجيء سوهارتو في اندونسيا الذي ذهب ضحية انقلابه الالاف من ابناء الشعب الاندونيسي , وهي من خططت , ودعمت انقلابيي الثامن شباط عام 1963 ,ووقفت صامتة امام صعود الملالي في ايران . وهي من جاءت بالدكتاتور ببنوشت في تشلي , وهي من وصفت نيلسون مانديلا بالارهابي.

من تلك المواقف والمنطلقات في السياسة الامريكية وغيرها التي جرت على الكرة الارضية , تولدت حساسية الشعب العراقي تجاه امريكا , فأستأصل العداء لها من لدن شعبنا بحيث يصعب ازالته من ذاكرته مهما سعت لتزيين صورتها بتبني مطاليب الشعوب المنتفضة وتشجيعها القضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية في هذه الانظمة التي سلكت شعوبها طريق الثورة للتغير , للتخلص من طائلة الحرمان والبطالة والفقر ,وهي بعد تردد تُرغم على اشاعة ما يشبه الديمقراطية هنا وهناك , تشرف على تحديدها بدساتير الانظمة الجديدة وبمعايير ومقاييس تتناغم ومصالح سوق العولمة . وتبعدها عن محتواها الاجتماعي والاقتصادي . ديمقراطية تستثني مساهمة قوى الشعب التي تعشق الديمقراطية الحقيقية نهجا ومضمونا بينما تعطي مهام تطبيقها لقوى لا تؤمن بها أصلا ,بل تعيب عليها بكونها مستوردة من الخارج ولا تتناسب وثقافاتهم المتخلفة . فامريكا لا مانع لديها مثلا من مجيء الاخوان المسلمين للسلطة في مصر وتونس وصنعاء ,كما يصرح بعض المسؤولين بهذا حاليا , وهي تقف محايدة تجاه ما يجري من التفاف على تلك الثورات , وحتى المراهنة على اجهاضها , بخلق معوقات ومبررات , لكل ما من شأنه إقامة نظام سياسي يستهدف التغيير الاقتصادي , والاجتماعي للانظمة السابقة ,وتعرقل اقامة تركيبة متوازنه لاصطفاف جديد يتماشى وحاجات الجماهير وطموحاتها في حل المشاكل الموروثة من الانظمة الدكتاتورية ,

إن ما يجري حاليا في عراقنا الحبيب ليس ببعيد عن الازدواجية في السياسة الامريكية فقد لزمت موقف الصمت من خرق لمواد الدستور . ورغم معرفتها بمعاناة الشعب وقفت محايدة تجاه تصاعد الهوس المعزز بالغرور لمسؤولي الدولة , وشجعت ابتعاد الكثيرين من السياسيين في قمة قيادة البلاد من شرف نيل وسام خدمة الشعب , وإذا ما اضيف لذلك سكوتها عن الاختراقات في الاجهزة الامنية من قبل عناصر تضمر العداء لمسيرة الشعب التحررية , والتستر على من اخترق اجهزة الدولة من القوى المعادية للعملية السياسية وحمايتهم , تتضح المواقف والنيات لازدواجيتها والسياسيين في القمة , من المطالب الملحة التي اثيرت في جمعة الغضب , تلك المطالب التي أثارت حفيظة المنتفعين من التغيير فكشروا عن انيابهم, في محاولة لكسر شوكة النضال المطلبي الذي وّحد الشباب في ساحة التحرير ,هذا النضال الذي اكدت الوقائع واللافتات المرفوعة إبتعاده عن ما يقربه من الابعاد السياسية والطائفية والمحاصصة التي تبنتها أدوات الحكم بعد الانتخابات كنهج لادارة الحكم , والذي كثيرا ما إشتكى منها رئيس الوزراء .

لقد ركز الشباب على معاناة شعبهم خلال ثماني سنوات , الا ان هذا النوع من النضال السلمي لم يرق للبعض من المتنفذين في السلطة من امثال عضو البرلمان عن حزب الدعوة كمال الساعدي وغيره , ومن خلف قضبان حديدية لبناية خربة , أعطوا الاوامر باطلاق النار على المتظاهرين ومعاملتهم بوحشية بوليسية نابعة عن حقد دفين , سبق ذلك سد الطرق والجسور المؤدية لساحة التحرير أمام الشباب , لمعرفتهم المسبقة من ان ذلك سيؤدي الى انخراط فئات واسعه من الشعب في المظاهرة , ومن ان النضال المطلبي عامل توحيد لكل فئات الشعب التي تسعى لتغيير نمط حياتها البائس . كما انهم قاموا بإطلاق دعوات غير مبررة يدعون بها بعدم الخروج من البيوت وإعلان حالة منع التجول للمركبات وبعد ذلك للمارة مستخدمين فزاعات البعث والقاعدة ﻷرهاب الشعب وتخويفه , مستخفين بحرص الجماهير على العملية السياسية ومقللين من امكانياتهم اللوجستية للتصدى لذلك . إن هذه المواقف التي يتبناها المسؤولين حاليا تعيد الى الاذهان ما فعله الرجعيون والمعادين لثورة تموز المجيدة والذين لم يشملهم التطهير من اجهزة الدولة بعد الثورة بإستخدام فزاعة الشيوعية لتخويف الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم . هذا الاسلوب الذي نجح في تحقيق اهدافهم حينذاك . يعاد الان رغم اختلاف التشبيه على الساحة العراقية . من قبل عناصر كانت ضالعة في تنفيذ سياسة الدكتاتور , تشيعت وتسننت بعد سقوط الصنم لا بل جرى اعفاء الكثير منهم من ما علق بهم من آثام النظام المقبور تحقيقا لنهج المحاصصة الذي تبنته الكتل السياسية فسُلموا مناصب أمنية حساسة , مما اتاحت لهم امكانية اصدار أوامر ,ليطبقها افراد بعض منهم افتدى الدكتاتور بالروح وبالدم , بينما ابعد من سامهم النظام المقبور الويل , وصفى العديد من رفاقهم تحت التعذيب.

المطلوب حاليا ,كما كان مطلوب من الشهيد قائد ثورة تموز التفتيش عن هؤلاء في اجهزة النظام واجتثاثهم لا بين صفوف المتظاهرين , لانه لن يجدهم فالشباب المتظاهر , هم درع العملية السياسية وضامني مسيرتها من اي مكروه , وهم من سيقف أمام محاولات الاخذ منها كما جرى ذلك في صبيحة الثامن شباط إن شعاراتهم المرفوعة, دلت على نضجهم وحكمتهم السياسية , بوضعهم خطوط حمراء على شعارات تطالب بسقوط النظام وعودة البعث باي شكل كان , وكل ما اكدوه هو حاجتهم الى تعزيز الروح الوطنية , ولنظام اجتماعي يحميهم من عواقب الامور ,مؤكدين على ضرورة اشاعة الديمقراطية الاجتماعية التي بدونها تبقى الديمقراطية السياسية قشرة ممكن فضها عن جسم سياسة النظام باي وقت يريده المعادين للعملية السياسية . لقد أكد الشباب المتظاهر في شعاراتهم على المحتوى الاجتماعي للديمقراطية التي يبتغوها , باعتباره الضامن الحقيقي لحياة كريمة لهم , ولجميع فئات الشعب , لذا فأصحاب القرار مدعوين اكثر من اي وقت مضى الى تطبيق تصريحاتهم التي تقف بجانب الشعب الى الواقع العملي وباقصر وقت ممكن مع الاخذ بعين الاعتبار ما حذر منه شاعر العرب الاكبر الجواهري الشهيد عبد الكريم قاسم , بقوله :

فشدد الحبل وضيق من خناقهم    فربما كان في ارخاءه ضرر

فابحث ايها المسؤول عن فلول البعث ومناصري أعداء العملية السياسية بين صفوفك ومستشاريك وليس في ساحة التحرير ,كما انك مطالب امام الشعب والتاريخ من محاسبة كل من اجرم بحق الشعب واختلس ثرواته وهربها للخارج وكل من ارتشى وزوّر , وعليك مهمة ابعادهم من المسؤولية وإحلال محلهم من يتبنى الوطنية وخدمة الشعب عقيدة ونهجا مكانهم , ولا تدع الاخرين ان يدفعوك لفقد الاصدقاء وخلق الاعداء , والوقت مناسب لاستغلال نجاح مظاهرة الخامس والعشرين من شباط لتحقيق اهدافك التي تدعو اليها .
 

free web counter