د. علي الخالدي
تداعيات غياب اﻷستحقاق الوطنيد. علي الخالدي
لقد أضحت سمات سياسة المحاصصة الطائفية واﻷثنية , هذه اﻷيام أكثر وضوحا , بعد أن وقفت حائلا أمام جني شعبنا ثمار التغيير التي كان يطمح لتحقيقه , وعرقلت مسيرة العملية السياسية ,, وكانت وراء إدخال السلطات التنفيذية , وبصورة خاصة رئاستها في أزمات متوالية , وأعتبارا منذ ولادتها المتعسرة وضعت الشعب والوطن على مفترق طرق .هذا لم يكن بعيدا عن توقعات قواه الوطنية , التي حذرت من مغبة عواقب تبينها كمبدأ سياسي للحكم , وبصورة خاصة عندما كرس اﻷستحقاق اﻷنتخابي ليكون قاعدة انطلاقها في أجواء غُيبَ بها اﻷستحقاق الوطني وحجبت مساهمة القوى الوطنية , عبر قانون انتخابات جائر , وظروف غير مؤاتية لممارسة ديمقراطية , أريد بها أن تكون إشعاعا لشعوب المنطقة .
لا أكون مغاليا من أن رغم عيوب ديمقراطيتنا وهشاشتها , لعبت بهذا الشكل أو ذاك في اثارة مشاعر شباب وشعوب الشرق اﻷوسط , للمطالبة باﻷصلاح والديمقراطية , فعمت رياح التغيير واﻷنعتاق من اﻷنظمة الشمولية في عدة بلدان , استطاع عبر ما تحقق من ديمقراطية ان يجني ثمار التغيير اﻷسلام السياسي المعتدل والمتطرف مستغلا امكانياته المادية واللوجستية , وقدرته على دغدغة المشاعر الدينية التي من السهل اثارتها خصوصا عند الفقراء والمعدمين من فئات الشعب , بينما بقيت مستحقاتها من ما كانت تطمح اليه حبيسة المحنة التي صنعتها اﻷنظمة الدكتاتورية ورهينة أمزجة القوى التي جنت ثمار التغيير وجيرته لتأمين مصالحها ومصالح احزابها . ففي العراق رغم تأكيد دستورنا على صيانة الحريات وتعزيز الديمقراطية الهجينة , نرى سياسة المحاصصة فاقمت من ثقل معاناة الشعب من ما ورثه من النظام الدكتاتوري , خلال فترة ما يقارب التسع سنوات , فتعثرت عجلة اﻷصلاح , وتقديم الخدمات , بل ازدادت معاناته من تواصل هروب الكهرباء إن وجدت واضطرت الجماهير الفقيرة لشرب الماء غيرالصالح للكائن الحي , بينما تفاقم هدر أمواله على الطاقم الحكومي المنبثق من الكتل أصحاب اﻷستحقاق اﻷنتخابي واستشرس الفساد والمحسوبية , وكأن التغيير جاء لتأمين مصالح أحزاب وطوائف تعالت في مواقعها عن الشعب . حتى طفح به الكيل تماما , ولم تعد لديه اﻷمكانية على مواصلة التحمل , بينما بقي اصحاب امتياز التغيير , والمحاصصون غير مبالين بما ستؤول اليه اﻷمور , نتيجة عقم مواقفهم , وركضهم لتأمين المصالح الحزبية والطائفية , خائضين معركة التجاذبات والتراشق الكلامي , الذي أوصلهم حتى الى كيل الأتهامات لبعضهم البعض , مؤكدين للشعب بهكذا سلوك عن تخليهم من أي التزام بتحقيق مطاليبه المنادية باﻷصلاح , وإنهم غير معنيين بما سيؤدي ذلك الى مخاطر تهدد الوطن وكيانه الجغرافي , ومؤكدين على حقيقة مواصلة صراعهم المستميت على موقع القرار السياسي , وبشكل منفلت من أية ضوابط وقواعد وطنية واخلاقية سياسية .
لقد انكرت سياسة المحاصصة الطائفية باﻷضافة الى اﻷستحقاق الوطني , القوانين الموضوعية التي كان عليها اﻷلتزام بها في عملية التطور اﻷجتماعي , فخلقت فوضى شملت كافة المستويات , وجد الفساد فيها فرصته لممارسة اخلاقياته التي بذرها النظام الدكتاتوري , وتنامت فيما بعد السقوط بشكل استفز وأثار اشمئزاز المواطنين بما يشاهدوه من قطط سمان تتحكم بأمورهم .
لقد استبدلت قوانين التطور اﻷجتماعي بعد التغيير بإجراءات وممارسات نابعة من بنات افكار الفرد , خلقت مستلزمات التفرد بالقرار حتى على صعيد المحافظات , وبالتالي العمل على كل ما من شأنه ابراز نزعة التحكم الفردي لدى المسؤول , خاصة إذا ما تمكن بحصر قوى تضمن له الدعم في فرض الحظوة على اﻷخرين , مما خلق تناقضات لم تقتصر على نوع واحد , وإنما عدة تناقضات في آن واحد , دون ان يُحَدد التناقض اﻷساسي الذي دائما ما لعب دورا سلبيا مؤثرا في تطور العملية السياسية , والتفوق على بقية التناقضات . هذا التناقض سبق وأن شُخصَ من قوى ذات استحقاق وطني وأشار اليه العديد من الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين , مؤكدين أن هذا التناقض تتم ادارته عبر المواقع الحساسة التي عشعش بها رجال العهد المباد من بعثيين وأزلام القاعدة , و أضيف اليهم جيش من النفعيين واﻷنتهازيين والمزورين , وبتداخل مصالح دول الجوار استطاع كل هؤلاء ان يضغطوا على مسيرة العملية السياسية ويحددوا بوصلة مسيرتها التي ابعدتها عن الألتزام باﻷستحقاق الوطني , في الوقت نفسه حرم اصحاب اﻷستحقاق الوطني اللذين يحز في نفوسهم التدهور الذي يحصل في العملية السياسية من إستعادة مواقعهم الوظيفية التي اجبروا على تركها في العهود السابقة , وبذلك ضُيعَت فرصة اﻷستفادة من مؤهلاتهم ودرايتهم التي تصب في خدمة شعبهم كما أكدتها الوقائع . وأذا ما اضيف الى ذلك التعمد في عدم استقطاب الكوادر العلمية العراقية المنتشرة في بقاع العالم تكتمل الصورة بما تَضمنَه تللك العناصر المعادية لمسيرة شعبنا التحررية ولنسيجه اﻷجتماعي وتماسكه الجغرافي من مكائد ودسائس .
أمام هذه اﻷوضاع تبقى دعوة ذوي اﻷستحقاق الوطني الى ذوي اﻷستحقاق اﻷنتخابي قائمة , باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي تجنب الشعب والوطن الخوض في معالجة مطبات ومعوقات تزيد من ثقل معاناته . دعوة الى اتباع اسلوب العمل السياسي المنضبط والهاديء والذي يأخذ مصلحة الشعب والعملية السياسية فوق اية حسابات . دعوة تَحٌول دو ن تعرض الوطن الى اضرار جانبية في هذا الوقت العصيب , دعوة الى الى العمل بروح متضامنة لتحقيق العدالة , وضمان سلامة العملية السياسية , وطبيعي هذا يتطلب قبل كل شيء مشاركة الجميع بما في ذلك ذوي اﻷستحقاق الوطني في العمل والقرارت وفي أجواء استقلالية تامة , وإعتماد الحلول السياسية المختلف عليها في نقاش موضوعي , خارج نطاق سياسة المحاصصة , وعلى طاولة مستديرة . عند ذلك فقط يزف لنا اقطاب سياسة المحاصصة الطائفية واﻷثنية فرحة عرس اﻷحتفال بجلاء القوات المحتلة لبلدنا , ويبعدوا عنا شبح سرقة فرحتنا وإبتسامتنا من وجوهنا بعد التغيير وخلال ما يقارب التسع سنوات , هذا ما يرجوه الشعب وقواه صاحبة اﻷستحقاق الوطني في هذه المرحلة التي لبدت سماء الوطن غيوم سوداء نأمل ان تكون سحابة صيف تنجلي عن سمائه ليواصل مسيرته في بناء العراق الديمقراطي اﻷتحادي المستقل .