| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالله حبه

 

 

 

                                                                                الثلاثاء 21/5/ 2011




مسابقة تشايكوفسكي الدولية .. اين الحضور العربي ؟

عبدالله حبه – موسكو

افتتحت في العاصمة الروسية في 14 حزيران الحالي مسابقة تشايكوفسكي الدولية لعازفي البيانو والكمان والفيولونسيل ومغني الاوبرا. وتجري المسابقة منذ عام 1958 وللمرة الرابعة عشرة. وتقام هذه المرة في كونسرفتوار موسكو و في كونسرفتوار بطرسبورغ، مما يكسبها طابعا اشمل، علاوة على تولى قائد الاوركسترا الشهير فاليري جيرجييف رئاسة اللجنة التحضيرية. وضمت هيئة التحكيم كوكبة من نجوم الموسيقى والغناء الاوبرالي العالميين مثل فان كليبرن وفلاديمير اشكينازي وفكتوريا مولوفا وانطونيو مينيزيس وتيريزا بيرغانسا وبلاسيدو دومينغو. وتعتبر هذه المسابقة من الاحداث الموسيقية العالمية الكبرى، الى جانب مسابقات هامة مثل مسابقة شوبان في وارشو ومسابقة الملكة اليزابيث في بلجيكا ومسابقة تكساس الامريكية ومسابقة مرجريت لونغ في باريس. وتبلغ قيمة جوائزها 350 ألف يورو .ولهذا يصبو كل فنان للحصول على جوائزها التي تفتح له أيضا الطريق للعزف في قاعات كارنيجي هول في نيويورك او سادلرز ويلز في لندن او كونسرفتوار باريس او في مسرح لاسكالا بميلانو واوبرا فيينا. وقدم الطلبات للمشاركة فيها 583 فنانا من 50 بلدا. علما ان اكثر المشاركين هم من كوريا الجنوبية(61) والولايات المتحدة (39) واليابان (36) والصين (33) ، كما تشارك فيها اسرائيل التي لها حضور طبعا في جميع الاحداث الثقافية العالمية.

لقد اصبح غياب الفنانين العرب عن مثل هذه الاحداث شيئا مألوفا . ففي  23 من الشهر الحالي ايضا يفتتح مهرجان موسكو السينمائي الدولي  بدورته ال33 بمشاركة 18 فيلما في مسابقة المهرجان من الولايات المتحدة وايطاليا واليابان والصين وفرنسا وبولندا وبلدان امريكا اللا تينية. ويشارف على الاختتام في موسكو مهرجان تشيخوف المسرحي الدولي بمشاركة الكثير من الدول من امريكا واوروبا وآسيا . من جانب آخر عقد في مدينة ايفانوفو مهرجان اندريه تاركوفسكي السينمائي الدولي " المرآة"(نسبة الى فيلم بهذا العنوان اخرجه عبقري السينما السوفيتية). ولا تجري الاحداث الثقافية الكبرى في روسيا وحدها .

 وقد دفعني الاعلان عن بدء مسابقة تشايكوفسكي للبحث عن المكانة التي يشغلها الموسيقيون العرب فيها فوجدتها تعادل الصفر. كما دفعني هذا ايضا للبحث عن مكانة الفنانين العرب في المهرجانات المسرحية والموسيقية والسينمائية العالمية سواء في مهرجان كان السينمائي ومهرجان برلين السينمائي ومهرجان البندقية السينمائي ومهرجان افينون المسرحي ومهرجان ادنبره المسرحي ومهرجان المسرح الاغريقي في قبرص واليونان فوجدت النتيجة مخيبة للآمال. وشعرت بالاحباط كليا. فما الذي يجعلنا نحن العرب اصحاب الحضارات القديمة في وادي الرافدين ومصر والشام والحضارة العباسية والاندلسية نصراليوم على الوقوف على هامش الحضارة العالمية في مجال الثقافة، الى جانب التخلف الاقتصادي والصناعي والعلمي والتكنولوجي والحريات وحقوق الانسان. وما الذي يجعل بلدانا كالصين وكوريا الجنوبية والهند والمكسيك وماليزيا، التي كانت مثلنا بعد الحرب العالمية الثانية من البلدان الزراعية المتخلفة، تقفز اليوم الى المراتب المتقدمة في ميدان الثقافة ، وليس في ميدان الصناعة والاقتصاد والتكنولوجيا فقط. علما ان بعضها احتله الامريكيون مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وماذا تفعل وزارت الثقافة والمؤسسات الثقافية العربية من اجل انتشالنا من مستنقع التخلف الذي اصبحنا فيه. لقد تحدث وكيل وزير الثقافة العراقية منذ ايام على صفحات " طريق الشعب" وانحى باللوم على المثقفين وليس على وزارته فقط في الوضع البائس الذي اضحت فيه الثقافة والفنون في العراق. وتحدث عن الاحتفال باعلان النجف عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2012 وبغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013. فعن اية ثقافة يتحدث السيد وكيل الوزارة في ظروف تشرد المبدعين العراقيين في جميع اطراف الدنيا، حيث لا يوجد لديهم اي مجال لممارسة ابداعهم من موسيقى وسينما ومسرح وهلمجرا لأن مكان ابداعهم الحقيقي هو في وطنهم. ان الحكومة الفرنسية تخصص الملايين من ميزانية الدولة لكي تدعم السينما الفرنسية ولجعلها منافسة لهوليوود. بينما لا يستطيع المخرج السينمائي العراقي انتاج فيلم روائي واحد في وطنه لعدم توفر التمويل. ويضطر المخرج المسرحي في بغداد للهجرة الى الخليج او سورية او الاردن (او حتى لاخراج مسرحية واحدة لشكسبير في السليمانية وليس في بغداد كما اعلن مؤخرا)، لأن وزارة الثقافة لا تفعل شيئا لكي توفر الظروف للعمل فيها. انها تكتفي بأقامة الحفلات الخطابية في المناسبات.

 انني اراجع في ذاكرتي مصائر المبدعين العراقيين في الاعوام الخمسين الاخيرة، فأرى امامي صورة مرعبة حقا لوضع الثقافة في بلادنا التي يقال لنا انها اصبحت ديمقراطية . فهناك الكثير من الشخصيات الادبية والعلمية والفنية اضطرت في الاعوام الماضية الى معاناة شظف العيش في المنفى وليس البقاء في وطنهم الذي يقفل امامهم كافة الابواب للعمل والانتاج. فقد خرج من العراق الجواهري الكبير ودفن في دمشق وكذلك عبدالوهاب البياتي وهادي العلوي وبقي العالم الكبير عبدالجبار عبدالله في المنفى بعد ان سجن واضطهد في وطنه، واضطر فناننا الفيلسوف محمود صبري الى الاعتكاف في مرسمه في براغ، وتوفي المخرج المسرحي المبدع قاسم محمد في الامارات وتوفي المخرج المسرحي الكبير عوني كرومي في برلين والمؤلف الموسيقي فريد الله ويردي في دبلن. والقائمة كبيرة قد تشغل عدة صفحات. ويوجد في المنافي الآن الآف المبدعين والمثقفين العراقيين دون ان تتوفر لهم سبل العمل الجاد من رسامين وموسيقيين وشعراء وكتاب ومعماريين. ولا يطرح احد من المسؤولين في بلادنا اليوم السؤال حول سبب بقاء مئات بل والآف المبدعين العراقيين اليوم في المنافي البعيدة ويعاني بعضهم شظف العيش في بلاد الغربة حتى بعد سقوط النظام السابق . بينما وجد في العراق حتى في العهد الملكي البائد فريد الله ويردي وعازف الكمان وارتان مانوكيان وعازفة البيانو بياتريس اوهانسيان وساندو البو وجوليان هرتز الذين بذروا البذور لقيام نهضة موسيقية حقيقية في العراق.

  أنني اتلهف هنا في موسكو لرؤية موسيقي عراقي مشارك في مسابقة تشايكوفسكي أو فيلم عراقي في مهرجان موسكو السينمائي الدولي او مسابقة تاركوفسكي ناهيك الحديث عن المهرجانات الدولية الاخرى في كان والبندقية وبرلين وادنبره وافنيون. لكن المسرح العراقي اليوم في وضع مأساوي بعد ان حقق انجازات كبيرة في اواخر الخمسينيات والستينات والسبعينات. ويتولد انطباع بأن النشاط المسرحي يتوقف اليوم على الاعمال الطلابية. اما السينما فقد غابت عن الساحة الفنية وصار الابداع السينمائي ينحصر في اعداد المسلسلات الضعيفة فنيا في التلفزيون. ولم ينتج خلال الاعوام الاخيرة اي فيلم روائي لا نخجل من تقديمه الى مسابقات المهرجانات العالمية. اما اعمال الرسامين العراقيين الكبار فتعرض في خارج البلاد.


21/6/2011

 

free web counter