| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالله حبه

 

 

 

                                                                                السبت 10/12/ 2011




  المجمع العلمي العراقي .. ومشكلة قطع همزة الوصل

عبدالله حبه – موسكو

ان ما دفعني الى كتابة هذه السطور هو زيارتي الى اكاديمية العلوم الروسية حيث ناقش صديق لي رسالته  العلمية. وقد انتهزت هذه الفرصة للأطلاع على هذه المؤسسة العلمية العملاقة التي أسسها القيصر بطرس الاكبر في عام 1724. وكان هدفها الاساسي كما ورد في نظامها الداخلي "تنظيم واجراء البحوث الاساسية الرامية الى الحصول على معارف جديدة حول قوانين تطور الطبيعة والمجتمع والانسان، والتي تساعد على تطور روسيا تكنولولجيا واقتصاديا واجتماعيا وروحيا ".  وتركت هذه الزيارة أثرا عميقا في نفسي حيث ذهلت لكثرة المؤسسات والمدن العلمية التابعة للأكاديمية مثل المدينة العلمية في نوفوسيبيرسك ومركز البحوث النووية في دوبنه ومعهد كورتشاتوف  النووي والاكاديمية الزراعية ومتحف العلوم ومعهد الاستشراق ومئات المعاهد الاخرى التي اثرت وتثري العلم الروسي والعالمي بالاكتشافات والاختراعات والبحوث والاعمال الابداعية. علما ان نشاط المجمع (الاكاديمية Akademos) يشمل العلوم الطبيعية والانسانية على حد سواء. ويوجد بين اعضائها العديد من حاملي جائزة نوبل ومنهم الفيزيائيون ابريكوسوف وجينزبورج والفيوروف وكابيتسا وساخاراوف ولانداو والكتاب بونين وشولوخوف وسولجينتسين وغيرهم.

ان ما اتمناه هو ان يصبح لدينا مثل هذه الاكاديمية ذات الامكانيات الضخمة والتأريخ الحافل بالانجازات. لكنني خلال تجوالي في اروقة الاكاديمية  تذكرت كيف جرى في وطني العراق في عام 2003 نهب المخطوطات والكتب و60 جهاز كومبيوتر واثاث مبنى المجمع العلمي العراقي واحراق جزء منه. واختفت غالبية كتب المكتبة الثمينة التي تجاوز عددها الاجمالي 58 ألف كتاب باللغة العربية وعشرة الآف كتاب باللغتين الكردية والسريانية، كما سرق أرشيف كامل للطائفة اليهودية في العراق ونقل إلى الولايات المتحدة. وظهرت بعض المخطوطات والكتب النادرة لاحقا في اسواق بلدان الخليج والدول المجاورة. وتذكرت كيف يُعامل العِلم في بلادي حيث يفضل البعض سيادة النزعة المازوخية ومواكب اللطم والعزاء، التي اصبحت ايديولوجية رسمية في البلاد كما يبدو،على كسب المعارف العلمية الحديثة واللحاق بركب الحضارة وتشجيع الشبيبة العراقي على غور ميادين العلوم والإبداع والاختراع. وبلغ الأمر ان دعا احدهم – واصبح لاحقا وزيرا – الى الغاء المجمع ودمجه بإكاديمية مزعومة أريد  تشكيلها. ولحسن الحظ وُجد من دافع عن وجود المجمع وعمل على إعادة العمل فيه. وبذل العاملون فيه جهودا مشكورة في اعادة الحياة اليه واستعادة  بعض الكتب والمخطوطات المفقودة. لكن المجمع لا يتلقى الدعم اللازم من الحكومة من اجل قيامه بواجباته على الوجه الاكمل، وبات عاجزا في وقت من الاوقات حتى عن دفع اشتراكه في اتحاد المجامع العربية البالغ 3 الآف دولار.

ويتبين من تأريخنا القديم ان الدولة العربية الاسلامية وعاصمتها بغداد بلغت ذروة قوتها حين قرب الخلفاء العلماء والمثقفين وانفقوا الاموال على ترجمة الكتب من اللغات الاخرى، وتم افتتاح دار الحكمة وبناء المراصد الفلكية ودعوة العلماء من كافة البلدان للعمل في المؤسسات العلمية. وغالبا ما كان الخليفة نفسه يحضر المناقشات بين رجال العلم والفلاسفة. علما ان العرب عرفوا قبل الجاهلية ايضا "المجامع" مثل " ندوة قريش" في مكة المكرمة واسواق عكاظ ، ولاحقا في المربد وسوق الكوفة. انها طبعا كانت " مجامع بدائية" ولكنها تنطوي عن ميل للمعرفة والثقافة. واليوم لا يمكن ان يصبح العراق بلدا متحضرا بعد سلسلة الكوارث التي حلت به في العقود الماضية الا بأجراء نهضة علمية وتربوية وثقافية حقيقية تنفق عليها نسبة كبيرة من ميزانية الدولة، بغية التخلص من الأمية المستشرية في مجتمعنا، وخلق اجيال جديدة من المتعلمين واهل العلم.

     
حمدي الباجه جي                     محمد جعفر الشبيبي                         صادق حبه

عام 1921 . وضمت الهيئة التأسيسية للمعهد 15 عضوا من وجهاء المدينة هم: علاء الدين النائب وحسن النقيب ومحمد الباقر وحمدي الباجه جي وابراهيم الواعظ وصادق حبه وحسين فوزي ومحمد حسن حبه وتوفيق السويدي وجعفر حمندي واحمد عزة الاعظمي ونوري فتاح ومحمد جعفر الشبيبي وفائق شاكر وثابت عبدالنور. وأقام المعهد (سوق عكاظ) في بغداد بهدف تنشيط الحركة الفكرية ولاسيما في مجال العلم والادب. لكن محاولة ثابت عبدالنور فشلت في تأسيس (مجمع علمي) في عام 1925 بمشاركة طه الراوي والشاعر معروف الرصافي وعبداللطيف الفلاحي والاب انستاس الكرملي.

     
احمد عزة الأعظمي                  محمد حسن حبه                      د. فائق شاكر

ويعتبر تأسيس (نادي القلم العراقي) في عام 1934 اول خطوة جادة لتأسيس مجمع علمي هدفه تعزيز الادب العربي وتعضيد البحث وايجاد الصلات بين حملة الاقلام في العراق وزملائهم في البلدان الاخرى. وترأس النادي الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي حتى وفاته في عام 1936 ثم خلفه الشيخ محمد رضا الشبيبي حتى 14 تموز عام 1958. وضم النادي شخصيات ادبية وثقافية معر وفة منها متي عقراوي ومحمد فاضل الجمالي وعبدالكريم الازري ورفائيل بطي وعباس العزاوي وابراهيم حلمي العمر وعلي الشرقي وباقر الشبيبي وعبد المسيح وزير وامت سعيد وعبدالجبار الجلبي. ويتبين من هذا ان النادي لم يتشكل على أساس طائفي او قومي كما يجري حاليا في تشكيل المؤسسات حاليا. وواصل النادي عمله حتى عام 1958، واصدر  مجموعة بحوث واقام الندوات ونظم المحاضرات.

    
 جميل صدقي الزهاوي                 محمد رضا الشبيبي                      انستاس الكرملي

في عام 1945 شكلت وزارة المعارف لجنة التأليف والنشر لمؤازرة المؤلفين والمترجمين والناشرين برئاسة طه الراوي وضمت عباس العزاوي وجواد علي ومصطفي جواد والاب انستاس الكرملي وهاشم الوتري ومنير القاضي ومحمد بهجة الاثري وتوفيق وهبي ونجيب الراوي وشريف عسيران. وفي عام 1947 ألغيت اللجنة بهدف توسيع النشاط العلمي وصدرت في 26 تشرين الثاني 1947  الارادة الملكية بتأسيس (المجمع العلمي العراقي).

وجاء في النظام الداخلي للمجمع ان هدفه العناية بسلامة اللغة العربية وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون وشؤون الحياة المعاصرة، وتشجيع البحث والتأليف في آداب اللغة العربية وتأريخ العرب والعراق وحفظ المخطوطات والوثائق النادرة ونشرها، وكذلك البحث في العلوم والفنون الحديثة وتشجيع الترجمة وبث الروح العلمية في البلاد. كما يقوم المجمع بتقديم المساعدة المالية للباحثين والمؤلفين والمترجمين ، وباقامة مباريات في المواضيع العملية والادبية والاجتماعية واصدار مجلة وانشاء دار للطباعة.

طبعا ان المجمع كان يخضع خلال جميع  الفترات منذ تأسيسه لاعتبارات سياسية وتنفيذ اهداف السلطة. وعانى اعضاء المجمع الكثير من الضغوط  وحتى ارغموا على ان يتضمن النظام الداخلي بندا حول دور حزب البعث العربي الاشتراكي في نشر العلم. ومهما حاول المسؤولون التأكيد على دور المجمع العلمي البحت فأنه كان يجد نفسه مرغما على مسايرة السلطات بغية مواصلة العمل والحصول على مخصصات اضافية. وكانت نفقات المجمع في عام 2005 مثلا لا تتجاوز 500 دولار شهريا. وقد علمت ان مخصصات حددت لتجديد مبنى المجمع وتجهيزه ، بيد ان المشكلة ليست في الشكل بل في المحتوى ، اي ما يقدمه المجمع في تطوير العلوم في بلادنا.

ولا ترد في نشريات المجمع اسماء العديد من الشخصيات الاكاديمية مثلا د.عبدالجبار عبدالله ود.علي الوردي د.عبدالعزيز الدوري ووالمهندسة المعمارية زها حديد والمعمار رفعت الجادرجي والمعمار هشام منير رئيس قسم العمارة  في كلية الهندسة سابقا مصمم مبني جامعة بغداد في الجادرية  وعالمة الفلك مي عارف قفطان والجراح صلاح العسكري الاخصائي في زرع الكلية وزينب البحراني استاذة كرسي التأريخ والآثار في جامعة كولومبيا والعالم البيولوجي صالح الوكيل الذي حقق اكتشافا في التفاعلات الايضية والانزيمية والمئات من العلماء العراقيين المنتشرين في شتى انحاء العالم.

   
د. علي الوردي                           زها حديد                                  د. عبد الجبار عبدالله

ان المجمع العلمي العراقي في وضع لا يحسد عليه حقا بسبب اهمال السلطات لهذه المؤسسة العلمية التي تعتبر حيوية في كافة البلدان شانها شأن مؤسسات الثقافة عموما من استديوهات سينما ومسارح ومكتبات . ولا يمكن تحقيق اية نهضة علمية في العراق بدون دعمها. ويجب ألا تتحول هذه المؤسسة الى ركن هادئ يرتاده بعض الموظفين الذين يتلقون رواتب مجزية. ان المجمع بحاجة الى برنامج مدروس لنشاطه يتفق مع حاجات البلاد في المرحلة المقبلة، والا يقتصر الامر على نشر الاعمال التراثية في التأريخ العربي والاسلامي وأداب اللغة وترجمة المصطلحات العلمية الاجنبية وحل مشكلة " همزة الوصل". لأن بحر العلم اوسع من هذا بكثير. ان المجمع يجب ان يكون محورا تدور حوله  الحركة العلمية والثقافية في البلاد. ولابد من نشر انجازات العلماء والمبدعين العراقيين  في الخارج ايضا. ولن يتم ذلك الا بالحفاظ على استقلالية المجمع اي ان تتم ادارته ورسم سياسته من قبل رجال العلم  انفسهم وتمويله بشكل لائق يتفق مع طبيعة المهام الشاخصة امامه الآن. والشئ الاهم هو مردود عمله . فمثل هذه المجامع يجب ان تفتخر بأنجازات اعضائها وان لا تهمل انجازات أي احد منهم سواء في علوم اللغة والتأريخ والطب والفيزياء والكيمياء وعلم الفلك والرياضيات والهندسة. كما يجب ايلاء اكبر اهتمام الى الترجمة . فالبلدان العربية جميعا متخلفة بشكل مفزع في هذا المضمار. ولو قارناها بما يترجم من كتب في اسرائيل مثلا فاننا نتخلف عنها في مجال الترجمة باكثر من عشرين مرة. ويجب ان تكون في المجمع شعبة خاصة بالترجمة  فقط من اللغات العالمية مع التركيز على التراجم العلمية. كما حان الحين لاصدار " الموسوعة العراقية الكبرى". وحبذا لو إلتزمت قيادة المجمع بمبدأ ان نشاطه موجه الى جميع العراقيين على اختلاف قومياتهم وطوائفهم، وبمبدأ عدم الانزلاق الى مستنقع الطائفية في توزيع المناصب والرتب الذي سيجر العراق لا سامح الله الى التفكك والانهيار.

 
10/12/2011




 

free web counter