| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

أ.د. عبد الاله الصائغ
assalam94@gmail.com
 

 

 

الأثنين 8/2/ 2010



ادورد سعيد والتحليق خارج المكان

عبد الاله الصائغ

مهداة الى البروفسورة فريال غزول الموصلي تلميذة ادورد سعيد ووارثة علمه


ادور سعيد في صباه ادور سعيد وشقيقته في طفولتهما البروف فريال غزول الموصلي

ولكن ادورد ليس رقما في الموتى! تماما كما انه لم يكن طيلة عمره الحافل رقماً في الأحياء !! ومن أحق بإرثه اكثر من فريال المفكرة المغايرة سيدتي انا عبد الإله الصائغ النجفي كما كنت تحبين ان اخزن في ذاكرتك العجيبة! التقيتك في قصرك العامر في الموصل وقد عدت للتو من مغتربك وحجزت تذكرة عودة خلال عشرين يوما فجامعتك عزَّ عليها ان تحرم من علمك لشهر كامل! وقصرك المهجور لم يكن ينوء من عبء سوى عبء الكتب والمجلات بعدة لغات! كان ذلك في صيف 1984 زرناك معا الدكتور عمر الطالب والدكتور نجمان ياسين والشاعر امجد محمد سعيد والدكتور الشاعر ذنون يونس الأطرقجي! رئيس اتحاد ادباء العراق فرع الموصل وأحد ابطال رواية مائدة لأعشاب البحر لحيدر حيدر !! وكنتُ وقتها ضمن لجنة مناقشة ذنون يونس الاطرقجي !!
انني استذكر دفاعك في المجال الأممي عن حقوق المعذبين في الأرض وبخاصة الشعوب العربية !!
نعم نعم البكاء هو شهادة وفاة للمبكي عليه! وكيف يموت ادورد سعيد وقد ترك لنا كتاب الاستشراق ! وقد اختط لنا مع نظرائه : علي الوردي ومالك بن نبي وعبدالله العروي وكامل مصطفى الشيبي وقيس النوري والطاهر النيهوم ومعروف عبد الغني الرصافي . سبيلا لاحبا نحو جلجلة حوار الحضارات!! بعيدا عن القعقعة القومية والحشرجة الطائفية!!

مختصر اطروحات عدد من رفاق ادورد سعيد
ادورد سعيد : مخاطبة الآخر بعقله وذلك يقتضي تغيير الخطاب العربسلامي .

مالك بن نبي : جل مشكلاتنا نابعة من تركيبتنا التسويغية ! لنترك الآخر ولنقو خطابنا الشرقاوسطي ولتثبت ركائز بيتنا عندها سنكتشف ان الآخر ما كان له ان يخترقنا لولا ثغراتنا نحن التي نصر عليها وكانها قداسات لا تمس .

عبد الله العروي : نحن نبتكر المسوغات لخيباتنا كما نبتكر المسوغات لنجاحاتنا ان وجدت ! حضارتنا بنيت على التسويغات والقرارات غير العقلانية التي نلبسها هدوم الاخلاق والقيم السماوية ! السماء لن تقاتل بدلا عن اي فريق لكنها تبارك الفريق القوي العاقل المتحضر المتسامح .

كامل مصطفى الشيبي : التاريخ الذي صنعته الشعوب وكتبته الاقلام الموالية للسلطان الكاذب العاتي هو سبب مآسينا ! ومقولة الحروب الكلامية والعسكرية بين الفرق الاسلامية مقولة كاذبة فالشهداء والقديسون والمتصوفة ليسوا ابناء مذهب اسلامي معين واذهب بعيدا فاقول ليسوا ابناء دين سماوي معين ! التاريخ مسؤول عن قتل مفكرينا الكبار وقادتنا الكبار! ومازالت فوهة التاريخ فاغرة لتلتهم كل ماهو تنويري وحضاري ! نحن ربما في الشرق الاوسط ضحايا جثث ربما تآكلت مع الرمال ! انا لا ادعو لصوفية جديدة ولكنني ادعو الى رؤية صافية لاتتخلف مقدار شبر عن مسيرة الحضارة العالمية !

علي الوردي : نحن وتر موتور في زاوية منفرجة ! لانميز بين الواقع والتوقع ! لم نستوعب معطيات العصر الحديث بل ركبنا موجتها ولم يغادر البدوي بعيره ولا خيمته رغم انه ركب الطائرة وسكن في افخم القصور ! اشد الاخطار المحدقة بنا هو شيزوفرينيا الشخصية استاذة الجامعة التي اكملت دراستها في الغرب غير ملابسها ولكنها لم تغيير لاوعيها الجمعي ففي ثوان يمكن لها ان تعود للغة امها ويقيناتها ! القائد الحزبي المؤمن بسفور المرأة قد يبدو مسرورا اذا وجد عائلته مصرة على الحجاب ! في الاربعينات والخمسينات ركزت على الشخصية العراقية المزدوجة لكن الستينات والسبعينات تجاوزنا المزدوج الى المكعب ! .

قيس النوري : مجتمعنا عليل فهو محتاج الى جمهرة من علماء النفس والانتربولوجيا والتربية لتتخذ دور الطبيب المعالج قبل ان تحل بنا الكارثة ! مجتمعنا طيب ولكن الجهل ازدرد طيبته ومجتمعنا امين لكن الفاقة خربت امانته ومجتمعنا مبدئي لكن الانتهازية السياسية والراسمالية سحقت مبدئيته ! .

الصادق النيهوم :
لن تدور عجلة الامان والرخاء في منطقتنا الاسلامية مالم نطلق الاسلام الحنيف من الاسر فقد اختطفه وعاظ السلاطين واسلموه للجلاد ! فاذا قلنا الاسلام فعن اي اسلام نتحدث ! ثمة اسلام ضد الاسلام ! يمكن للمسلمين المفكرين من كل الطوائف والملل والنحل ان يجتمعوا على طاولة مستديرة لكي يحددوا لنا ملامح الاسلام التي طمسها التحريف والمين ! واذا وجد هؤلاء الجرأة على القول ان هناك اسلامات متفقة في اللفظ مفترقة في المعنى فسوف يقودهم اجتماعهم الى ان مفهومات كثيرة تغيرت وانقلبت مثل الذات الالهية والاخلاق ! لنتفق على المصطلحات كي نتصالح مع انفسنا !

معروف عبد الغني الرصافي :

لا خير في وطن يكون السيف عنــد جبانه والمال عند بخيله
والرأي عند طريده والعلم عند غريبه والحكم عند دخيله

ثمة ملخصات كثيرة لدينا عن اعلام التنوير ولكن ليس هذا مجال الاستطراد فيها ! فقد تكفلت موسوعتنا بذكرها مع ترجمة الاعلام !.

لقد امضى ادورد سعيد السنوات الأخيرة من عمره الحافل وهو ينازع السرطان وحيدا إلا من حبنا الذي لايغني من جوع ولا يدفع عن غائلة ! نحن الذين انعم الله علينا فوهبنا سانحة معاصرة ادورد سعيد وعلي الوردي ومحمد عابد الجابري وكامل الشيـبي وقيس النوري وعبدالله العروي ومصطفى جواد وعبد الحق فاضل وابراهيم حرج الوائلي وعلي جواد الطاهر وعماد عبد السلام وصلاح خالص ومحمد مهدي المخزومي وجليل كمال الدين! سانحة ان تولد في زمن العباقرة لا تقدر بثمن!! ولسوف اشرِّح اطروحات ادورد سعيد في قابل عمري فهي بلسم ناجع لنا نحن العراقيين والعرب للخروج من مازق الناعور أي الدوران حول قطب الذات الذي ابتلي به بعضٌ مؤثِّرٌ من كتابنا وذوي القرار بيننا! الغائب الحاضر ادورد سعيد دعا الى الحوار الهاديء بين الخطوط المتوازية والمتقاطعة!! وكان جل همه منصبا على حوار الخطوط المتوازية بسباحة ضد المنطق الرياضي بأن الخطين المتوازيين لن يلتقيا مهما امتدا!! ولأنهما لن يلتقيا فإن ادورد سعيد ابتكر صلة اللا صلة!! وقواسم اللا قواسم فدعا الى حوار هاديء هادف بين الخطوط المتوازية على سبيل تبادل الخبرات والأشتراك في ملكية المكان ( الكرة الأرضية ) اما الخطوط المتقاطعة فقد وضع لها دستورا ارسطيا قائما على ان الحقيقة ليست متحققة على ارض الواقع!! مثلها مثل الغول او طير السعد او مصباح علاء الدين!! واذا فرضنا تحققها جدلا فذلك يعني انها مشاعة مثل الهواء ولا يحق لأي منا الإستئثار بها وحرمان الآخر منها!! ولم يفت هذا الأدورد السعيد التوكيد على ان الحقيقة الوحيدة المتحققة هي الذات العليا ( الله ) والله ليس حكرا لأحد حتى لو كان حاكما او رجل دين!! الله للجميع والجميع لله! ولقد نال ادورد بسبب اطروحاته التنويرية عنتا من الحكام العرب والمعسكر الرجعي المتزمت الذي يمتد على الشارع العربي و تلبث طويلا عند مفردات الحياة للعرب وشركائهم في الوطن من بربر وكورد وكلدان ووسائل احترامهم ! وكاشف الذات العربية انها ضحية الاستعمار والاستيطان والغاء الهوية فلا يمكن نسيان ذلك من خلال اضطهاد الشعوب المتعايشة مع العرب والذين يعتبرون المواطنين الاصليين للمساحات الشاسعة التي فتحت عهد الاسلام وقال قولته الاممية قبل ان نطلب من اسرائيل ان تحترم حقوقنا ينبغي علينا احترام حقوق الشعوب التي تساكننا المكان .....الخ
ولعل الطعنات الأشد تلك التي تلقاها من قوى فلسطينية متحجرة اتهمته بسبب جهلها وضيق افقها وقلة ادبها بعلاقات مشبوهة ظلامية مع المخابرات الأمريكية والموساد !! وبلغ الصلف بالتيارات القومية والدينية المتشددة والطائفية العمياء والغوغائية المسلفنة الى ارسال التهديدات الى عقر داره وهو ينازع السرطان (الرحيم ) الذي انقذه من ظلم شعب اهدر علمه وعمره وثراءه بل ودمه من اجله فلم يجد الا اقل القليل ممن يعرف فضله ويضغط على ورقته!! والمفاجأة ان الناطقين بالفرنسية والأسبانية والأنجليزية بدرجة اقل!! اولئك الذين اقلق قناعاتهم وخض فيهم شجرة الإنغلاق على الحضارات الأخرى!! هؤلاء حق لهم ان يحاربوه ويسحبوا منه جنسيته وجواز سفره الدبلوماسي!! ويتصدوا الى رزقه !!هؤلاء الغرباء يدرسون اطروحاته بتفهم كبير في الحوار الحضاري بجامعاتهم ويناقشونها غالبا في اجهزة الإعلام ويتبنون طبع كتبه على نفقة الشركات الناشرة العملاقة! بل وقد نهد البروفسور ديفد الفنسون لنشر اعلانات في الصحف والتلفاز والإنترنت من اجل حملة اممية تسعى الى جمع التراث الفكري لأدورد سعيد المبثوث في صحفٍ بعضُها محلي محدود التوزيع والآخر كتب بلغات غير شائعة!! فمن منا اقترب من ادورد سعيد؟ من منا تتلمذ عليه ولو بالقراءة؟ ونحن الذين نكتب هنا وهناك ونشعل الحرائق والمعارك بغطرسة لا مثيل لها حتى في موروثناالأبيض و الأسود والرمادي!! ان الحاجة قائمة لمد خراطيم رحيمة الى عقول بعضنا كي نضخ فيها بشارات ادورد سعيد ولا عيب ان نتلقى العلم كبارا ولكن العيب كل العيب ان لا ندري ولا ندري اننا لا ندري!! واكرر القول انني سأغتنم اي سانحة لكي اضع تراث فقيدنا العظيم بين اعين زملائي من الكتاب!! بل واضعها بين عيني انا قبلهم !! فأنا اكثر الزملاء حاجة لحضارة ادورد سعيد فهو اب لكل ظاميء لماء المعرفة فليساعدني الرب آمين !!.

ولد ادورد سعيد شتاء 1935 في مدينة القدس ودرس في فلسطين ومصر ثم واصل دراسته في الغرب حتى نال في وقت مبكر درجة بروفسور شرف في اللغة الإنجليزية والأدب المقارَن في جامعة كولومبيا في نيويورك!! اشهر كتبه سبعة عشر كتابا نذكر منها: الإستشراق وصور المثقف والثقافة الإمبريالية!! ولم يتناول في دراساته الرائدة الحق العربي والقضية الفلسطينية بالطرق الشرنوبية الخائبة التي اعتاد العقل الشرقأوسطي سلوكها!! بل سلك طريقا حاذقا وهو مخاطبة الآخر بآليات لغته وأسلوبه وقناعاته!! واحترام خصوصياته ومنها قناعاته المضادة وكان رحمه الله صاحب ميكانزم حفر البئر بدبوس ليدلل على ان طريق الحوار ليس سهلا او بسيطا فهو على نحو من الأنحاء اشق على النفس من طريق الحرب التي لا تحتاج الى كبير فهم او صبر او شرف!! ومات هذا الظاهرة العلمية الحضارية يوم الخميس 25 سبتمبر 2003 وفي صدور اشقائنا المسيحيين غصة مؤداها: لماذا خدم ادورد سعيد الإسلام واليهودية والصابئية وحتى الكونفوشيوسية اكثر مما خدم المسيحية؟ ولماذا انفق ربيع عمره واجتهاده للدفاع عن الإسلام؟ حتى زعم البسطاء انه أسلم!! وهم يجهلون همه الأممي الباذخ! يجهلون ان ادورد سعيد كالهواء لا وطن له بيد انه هبة لكل الأوطان!!.
( .. تلقيت منذ عدة سنوات تشخيصا طبيا بدا مبرما فشعرت بأهمية ان اخلف سيرة ذاتية عن حياتي في العالم العربي حيث ولدت وامضيت سنواتي التكوينية كما في الولايات المتحدة حيث ارتدت المدرسة والكلية والجامعة العديد من الأمكنة والاشخاص التي استذكرها هنا لم تعد موجودة على الرغم من انني اندهش باستمرار لا كتشافي الى اي مدى استبطنها وغالبا بأدق تفاصيلها بل بتشخيصاتها المروعة! لعبت ذاكرتي دورا مهما في تمكيني من المقاومة خلال فترات المرض والعلاج والقلق الموهنة ففي كل يوم تقريبا وايضا فيما انا اؤلف نصوصا اخرى كانت مواعيدي مع هذه المخطوطة تمدني بتماسك وانضباط ممتعين ومتطلبين معا ومع ان كتاباتي الاخرى وتدريسي ابعدتني كثيرا عن العوالم والتجارب المختلفة التي ينطوي عليها هذا العمل فالأكيد ان الذاكرة تشتغل بطريقة افضل وبحرية اكبر عندما لا تفرض عليها الأساليب او النشاطات المعدة اصلا اتشغيلها فلا شك في ان كتاباتي السياسية عن الوضع الفلسطيني ودراساتي عن العلاقة بين السياسة والجماليات وخصوصا الأوبرا والنثر المتخيل وافتتاني بموضوع كتاب اكتبه عن الاسلوب المتاخر بدءا ببتهوفن وادورنو قد غذت هذه المذكرات بروافد خفية )
( ولد ابي في القدس عام 1895 وترجح امي ان ذلك كان في العام 1893 ولم يبح لي من دزينة الأشياء من ماضيه وكان قد جاوز الأربعين عند ولادتي!! وابي يكره القدس وعلى الرغم من انني ولدت فيها وامضينا فيها فترات طويلة من الوقت فقد كان كل ما يقوله عنها انها تذكره بالموت! عمل والده لفترة ترجمانا ولأنه كان يجيد اللغة الالمانية فقد رافق القيصر وليام خلال زيارته لفلسطين ). ( المؤكد ان امي كانت الرفيق الأقرب الي والأكثر حميمية خلال ربع قرن من حياتي واني اشعر اني مطبوع بالعديد من وجهات نظرها وعاداتها التي لا تزال تسيِّر حياتي من قلق يشل ارادتها ازاء تعدد احتمالات التصرف الى ارق مزمن معظمه فرضته على نفسها فرضا وعدم استقرار عميق الجذور يضارعه مخزون لا ينضب من الحيوية الذهنية والجسدية واهتمام عميق بالموسيقى واللغة وبجماليات المظهر والأسلوب والشكل وربما من ميل متضخم الى الحياة الاجتماعية بتياراتها وملذاتها وما تحمله من طاقة على السعادة والحزن ونزوع لا يرتوي ومتعدد الأساليب الى حد لا يصدق الى تنمية الوحدة بما هي شكل من اشكال الحرية والعذاب في ان معا ولو ان امي كانت مجرد ملجأ او مأوى آمن افيء اليه بين حين واخر هربا من مرور الايام لما استطعت التكهن بالنتائج إلا انها كانت تحمل اعمق الإلتباسات التي عرفتها واكثرها اشكالا تجاه العالم وتجاهي انا شخصيا فغلى الرغم من الألفة بيننا كانت تطالبني بالحب والتفاني وتعيدهما الي اضعافا مضاعفة على انها قد تصد مشاعربر فجأة باعثة رعبا ميتافيزيقيا في اوصالي لا ازال اتمثله بانزعاج شديد)
واذا كان الكسائي النحوي الكوفي قال يموت الكسائي وفي نفسه شيء من حتى فانا لا اريد ان اموت ونفسي شيء من مضمون الرسالة المطولة التي وجهتها الى الرئيس الراحل ياسر عرفات!! هل صارحته بانه اضاع القدس وبغداد والقاهرة بسبب طيبته ربما او من اجل دويلة بلدية مسخ اسمها غزة اريحا!! وهل شعرت وانت تغمض عينيك ان المنظمات المتشددة في فلسطين كانت وما زالت تعمل ضمن خطط الطواريء للحكام العرب ؟؟.

لن اثقل عليك فقد اراحك الموت من زمن يسير فيه القاتل خلف جنازة القتيل وفي المساء يسطو على مخلفاته!! نم يا ادورد واترك لنا عناء الحياة بعدك ولنتذكر قول الشاعر الامازيغي :

مؤلم ياشعراء
ان يبيت النذل فحلا
في فراش الشهداء
 


مشيغن المحروسة

 


 

free web counter