| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

أ.د. عبد الاله الصائغ
assalam94@gmail.com
 

 

 

الثلاثاء 25/8/ 2009



ثقافة الاعتذار لا تعترف بوجود ملائكة على الأرض

عبد الاله الصائغ

يظن الكثير منا ان الاعتذار يعكس ضعف موقف المعتذِر من جهة وإقراره بخطئه من جهة ثانية ! وهو ظن حدا بالكثير منا نحو متاهات العتو والغطرسة ! ان الاعتذار عملية صعبة ومكلفة ولن يقدر عليها اي مخلوق مالم يمارس رياضة قهر فكرة انه ملاك بلا ذنوب وانه ضحية الآخر ! ولذلك لايجد المعتذر بكسر الذال قلوبا تحتضنه ولا عقولا تتفهمه ولا مروءات تعرف ثمن ما اقدم عليه المعتذر ! وقد يكون المعتذر بكسر الذال هو الأحق بالاعتذار بسبب ماحاق به من الحيف ! بيد انه يهرع للاعتذار كي لاتنسف الجسور بينه وبين الآخر ! ولله در القائل :

إذا اسأنا اتينا كي نصالحكم       وإن اسأتم أتيناكم فنعتذر

وغالبا ما يكون السجال على : من يعتذر لمن بين اصحاب الكار الواحد والهم المشترك ! فالجارح يبكي والمجروح يبكي والمجروح يتاوه والجارح يتأوه فماذا بعد ! ان اغلب مساحات المجتمع تنظر الى المثقف نظرة اكبار وتعتده نموذجا للنجاح الحياتي والتفوق المعرفي وكان على المثقف ان يكون ضمن الاطار الذي رسمه له الناس ولا يسف ولا ينحدر ! بل كان على المثقفين العراقيين المتنورين النأي بانفسهم عن ابتداع التهم والتصفيات الوطنية والاخلاقية لكي ينصرفوا الى مراقبة الدولة العراقية وتوجيهها بعد ان يفرضوا عليها احترامهم والاصغاء لاطروحاتهم ! ومن ثم توجيه المجتمع نحو منهج تربوي لتغليب الروح العراقي على الروح الاستعراقي ! وترويج الثقافة الحقة وهتك عري التثاقف والتعالم وثرثرات ابو العريف ! كان على المثقف العراقي ترميم الصف التقدمي وتحجيم الصف الرجوعي بوعي العالم وقلب الرائد ! اهرق المثقف العراقي ماء وجهه كي يسقط الآخر ! بينا يقف الآخرون على الرصيف او يطلون من الشرفات كأن الأمر لايعنيهم هم بل يعني المتساجلينِ ! ورحم الله القائل :

من حلقت لحية جار له        فليسكب الماء على لحيته

ومن قبل قال امير الفقراء علي بن ابي طالب وهو يتلقى غدر عبد الرحمن بن ملجم المرادي : أكِلْتُ يومَ أُكِلَ الخروف الأبيض !! وفي ذلك اشارة الى قتل الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ! وما اقبح التاريخ ان لم يكن درسا نتجنب من خلاله إعادة انتاج الغلط !

مرة اعتذرت لكاتب شهر بي وعتا وقسا عليَّ ! وكان يجمع كل ماكتب عني ويرسلها ايميلات الى كل اصدقائي وغرمائي ولا يستثني اولادي وبناتي واخواتي واخوتي ! اعتذرت له بقلب مفتوح ومددت يدي مصافحا!! فصدق انني مذنب وانني اعترفت بعدواني عليه فتحركت فيه روح الملائكة المظلومين فنشج وبكى وقال لي تعتذر بعد خراب البصرة فاذا بادهته بما نالني منه حيفا وخسفا اكون قد اغتلت اعتذاري وسفهت قراري واذا هززت راسي موافقا لوهمه بكى وتسلطت عليه سايكولوجية الملائكة ! لكن ذلك لم يجرحني ولم يلجلج لساني فانا ومنذ صغري اكتب حين انفذ قراري اسوأ الاحتمالات وأحسنها ! ولذلك لم اتفاجأ ولن ! من يعتذر فليعتذر ويمض ولا ينتظر ثمنا مناسبا لاعتذاره فهو زرع جميلا سواء اكان الجميل قد زرع في مملحة او غرين طيب ! واذكر هنا قول من عبق جميلا :

إزرع جميلا ولو في غير موضعه        ما خاب قط جميل اينما زرعا

نقطتان ، الاولى : وقد قرأت في الاخبار ان وفدا عراقيا من يقينات مختلفة اعتصم ساعة قبالة باب السفارة العراقية في لندن للضغط على ورقة التحقيق في جريمة اغتيال واحد من ابرز المثقفين العراقيين والمناضلين التقدميين واعني تحديدا الشهيد المغدور الاستاذ كامل شياع الذي اغتيل بين سيطرتين ثم رفعت سيارته من مكان الحادث قبل التحقيق وهرعت سيارة الاطفاء لتغسل آثار الدماء ثم ليغلق الملف ربما سجلت الجريمة ضد مجهول ! لم يخرج القائم بالاعمال العراقي لمقابلة الوفد مع ان ضمن الوفد شقيق الشهيد والمهندسة النائبة البرلمانية الباسلة ميسون الدملوجي ! وبعد احتجاجات الوفد ارسل القائم بالاعمال موظفة لتتفاوض مع وفد رفيع المستوى وحصل ما حصل وحين خابر احد الحكماء القائم بالاعمال وشرح له خطورة تصرفه واقترح عليه تقديم اعتذار للوفد لكي يطفيء سعير النفوس فما كان من القائم الا ان صرخ من خلال الهاتف انا اعتذر ولماذا ولمن ( تعال فهم احمد اغا )

ان شبق تكليف الموظفات من لدو السفراء والقائمين بالاعمال المستجدين يعكس خواء مروعا لدى هؤلاء في معرفة سايكولوجية المثقف العراقي حتى ان النائبة الدملوجي دفعت الموظفة قائلة ابتعدي يابنتي عن طريقنا فالسفارة بيت العراقيين وليست بيت الموظفين !

النقطة الأخيرة : وفي المؤتمر الخامس للجمعية العراقية لحقوق الانسان في امريكا التقيت صديقين قديمين في فندق اقامتهما صديقين يعتزان بي واعتز بهما وهما القانوني والمستشار سلام الياسري ثم الفريق احمد كاظم البياتي وهو اول وزير داخلية وكالة بعد سقوط نظام البعث وعلى يديه تم القاء القبض على كثير من رموز العهد المقبور ! كان كل منهما وقبل ان يصل مشيغن يهاتفني ويحمل الي الهدايا فلاحظت فتورا في ترحيبهما بي وقد ضم المجلس الشاعر فالح الدراجي والباحث نزار حيدر والاستاذ حميد مراد والمستشار رسول السماوي والدكتور كمال الساعدي وحين استغربت موقفهما سارع الفريق البياتي وقال انا عن نفسي زعلان للسبب الفلاني وقال المستشار سلام الياسري وانا عن نفسي زعلان للسب العلاني فتنبهت الى انني حقا ربما اكون اسات لهما بحسن طوية ولكن الاساءة هي الاساءة والسماء وحدها تحاسب على الطوية اما البشر فيحاسبون على التصرف فنهضت وانحنيت لهما واعتذرت لهملا بلسان فصيح لا كنايات ولا توريات انا اعتذر ولان الصديقين كريمان فقد كان لاعتذاري مذاق العسل واتذكرانني قلت لهما انا اذن بلغت الشيخوخة فاسيء ولا انتبه حتى ينبهني الآخر ! اسوق هذه الامثلة عن نفسي وغيري لاقول ليس فينا ملائكة ومن تحرص على مودته انصره عليك ولا تخف مثلا قلت للسيد سلام الياسري الذي كلفته بجلب ارشيفي بيديه من العراق الى امريكا فوافق وخلالها مرضت السيدة والدته فكلف من يستلم ارشيفي من ابنة اخي الدكتورة نورا الصائغ بعد ان سحبته من بيت الصديق الشاعر عبد الرزاق الربيعي وكان ان تم ارسال ارشيفي بالبريد فضاع الارشيف والجمل بما حمل فقلت له ياسيد سلام لتكن فجيعتي واحدة وهي خسارة الارشيف فقط فلا تجعلها فجيعتين خسارة الارشيف وخسارة صداقتك

ان الاعتذار كما المعت لا يقوى عليه الضعيف وهو ليس هروبا للامام خشية العداوة فانا مثلا اختار خصومي بين الناس المحترمين ولن اخاصم طرطورا او فرفورا وعتابي للفرزدق العظيم انه اجاب على بذاءات جرير فصار التاريخ يقول الفرزدق وجرير وكأنهما من سنخ واحد! والجواهري ينحني امام خصمه الذي انتصر عليه بنبل اخلاقه فلم يستعمل ضده سلاحا قذرا قال :

تقحمت الوغى وتقحمتني        وخضت عجاجها حرباً سجالا
فكان أجلّ من قارعت خصم      بنبل يراعه ربح القتالا
ولم أر كالخصومة من محك     يبين لك الرجولة والرجالا

انظر لطفا :
http://www.elaph.com/AsdaElaph/2004/10/15978.htm

وللحديث صلة
 

عبد الاله الصائغ
مشيغن المحروسة
الخامس والعشرون من اوغست 2009
 

 

free web counter