| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

أ.د. عبد الاله الصائغ
assalam94@gmail.com
 

 

 

الخميس 19/8/ 2010



الكادح ياسين الشعبي والدولة الفاضلة

عبد الاله الصائغ
البروف جعفر عبد المهدي

يا وزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد علمكيف وآني جدي مشتعل
كلت إجاني الخير كلشي ما شفت
وضعي جان مطين وأصبح زفت
جنت خايف وهلوكت أكثر خفت
أشاهد على الدرب لو شفت الرتل
ياوزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد على المكيف وانه جدي مشتعل
انوب فوك القهر وكل البلاء
كلت يتحسن اصبح أكثر جفاء
حتى النفط والغاز كام يمد رجل
ياوزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد على المكيف وانه جدي مشتعل
ياوزير الكهرباء يمته الفرج
نخلص من السطح وصعود الدرج
والأسلاك مشربكه هرج ومرج
والإرهابي يخرب ويمشي عدل
ياوزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد على المكيف وانه جدي مشتعل

الدولة الفاضلة حلم قديم قدم الانسان والدولة ! ان يعيش الانسان في مجتمع حيوي متسامح تسوسه حكومة فاضلة تساعده على توفير الأمن الحق والطعام والكساء والسكن وتكوين العائلة الفاضلة ! لكن هذا الحلم لم يتحقق كلية ومرة واحدة ! في محيطنا الشرقاوسطي ! وبخاصة العراق ! فالجسور غالبا مبتورة بين المحكوم والحاكم ! نعم تم تبادل الادوار بين الحاكم والمحكوم ! مثلا الأموييون كانوا حكومة والعباسيون كانوا مجتمعا يرسف بالاغلال ويقضي في الزنازين ! كان العباسيون يبشرون بدولة فاضلة وعدل اجتماعي وتفريق الاموال على الناس بالتساوي ! ثم جاءت سنة 132 هـ ( 750) مـ فاصبح العباسيون حكومة والامويون معارضة ولا تسلني مالذي فعله العباسي المظلوم حين صار حكومة ! سل كل كتب التاريخ فليست الكارثة مما يتستر عليها ! واليوم يتفرج التاريخ على المعارضة العراقية التي صارت بعد التاسع من ابريل نيسان 2003 حكومة ! كيف تعاملت مع خطابها قبل الحكم وخطابها خلاله ! لانريد ان نغوص في بنيوية التاريخ ونظرية الغصن الذهبي التي حذر منها السير جيمس فريزر ونحن نتحدث عن انسان بسيط ولكنه عميق ! إنسان مسالم بيد انه مشاكس ! رجل وجد ان الصورة الفنية الشعبية يمكن ان تؤثر كما لو انها مؤسسة اعلامية او مبرمجة تربوية ! ياسين الشعبي او ياسين بن مجيد كاظم قاسم مواش المولود عام 1951م في النجف الأشرف من عائلة فلاحية كادحة ! ياسين شاعر وطني عراقي يحب العراقيين ويحبونه بعيدا عن الروح الطائفي المخرب والهاجس الشللي المدمر ! هو يغني اوجاع الناس واقرب الفنون الى ارواح العراقيين هو فن المونولوج ! فإذا اضفنا الى ذلك قدرات ياسين الشعبي وخبراته على خشبة المسرح ادركنا كيف يتخيل هذا الشاعر طريقة التأثير في الجماهير فكانه يترسم في مخياله رقصات الجماهير وهي تردد منلوجه ! والرقص او الترقيص يشمل ترقيص الصوت والملامح والحروف جهرا وهمسا ! ويقينا ان هذا الشاعر كان ينقد الحكومة بطريقة مهذبة فهو لايدعو الى قلب الطاولة ولكنه يدعو الى تنظيفها ! يقول صديقه البروف جعفر عبد المهدي الحسناوي ( .. كان ياسين الشعبي رجلا فقيرا معدما ومن عائلة فقيرة كان ولايزال اتجاهه يغلب عليه الطابع الحسيني فهو من خدمة المنبر رغم فكاهته وشعره النقدي اللاذع !! فقد تأثر منذ طفولته وتحديدا في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن المنصرم بفن المونولوج أو الأغنية الانتقادية وتأثره بشكل خاص بالمونولوجست العراقي المعرف آنذاك عزيز علي الذي يعد رائدا للمونولوج العراقي ،وبرع فيه أيضا الفنانون العراقيون علي الدبو وفاضل رشيد وحسين علي. وصار الهدف الرئيس من غنائه هو نقد الظواهر السلبية في المجتمع بطريقة خفيفة الدم. وقد انتشر هذا النوع من الفن ليس في العراق وحده بل في بقية الأقطار العربية مثل مصر فقد برع في غنائه فنانون مصريون كبار منهم ثريا حلمي--إسماعيل ياسين--شكوكو—لبلبه وغيرهم.إ . هــ هذه شهادة من عالم عراقي مغترب او مهاجر لأن ليبيا ليست مغتربا للعرب بل هي ام رؤوم تحتضنهم وتتودد اليهم ! ويبدو ان البروف الحسناوي كان صحيبا للشعبي منذ امد اميد اصغ الى مثل قوله هذا :كانت لياسين الشعبي، مطلع ستينيات القرن الماضي، مراسلات مع المطرب العراقي الأبرز ناظم الغزالي، وقد شاهدت بنفسي صورة لناظم الغزالي مع عبارات الإهداء الرقيقة التي كتبها الغزالي بخط يده والتي وجهها لياسين الشعبي. إ . هــ

وحتى لا نجلد القاريء الكريم بالنثر وهو ينتظر شعر هذا الرجل الموهوب نقدم بين عيني القاريء الكريم قصيدته المشهورة ياوزير الكهرباء :

يا وزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد علمكيف وآني جدي مشتعل
كلت إجاني الخير كلشي ما شفت
وضعي جان مطين وأصبح زفت
جنت خايف وهلوكت أكثر خفت
أشاهد على الدرب لو شفت الرتل
ياوزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد على المكيف وانه جدي مشتعل
انوب فوك القهر وكل البلاء
كلت يتحسن اصبح أكثر جفاء
حتى النفط والغاز كام يمد رجل
ياوزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد على المكيف وانه جدي مشتعل
ياوزير الكهرباء يمته الفرج
نخلص من السطح وصعود الدرج
والأسلاك مشربكه هرج ومرج
والإرهابي يخرب ويمشي عدل
ياوزير الكهرباء دير بالك تنتل
انته كاعد على المكيف وانه جدي مشتعل


.. ولا يذهبن الرأي لنا بعيدا ففن المنولوج ليس صناعة يسيرة والعكس هو الصحيح ! فقد كان نوري السعيد يخابر بنفسه عن مواقيت اذاعة مونولوجات عزيز علي بل كان يتجول بسيارة غير رسمية ليشاهد حركة الشارع التفاعلية مع المونولوج ! واتذكر ان الفنان الكبير الاستاذ علي الدبو كان محبوبا جماهيريا ومقبول حكوميا ولكن ما إن غنى مونولوج يواش يواش ! حتى اوقف بث المونولوج وتم التحقيق عن كيف تسرب هذا المونولوج اليساري الى الاذاعة واتذكر منه :
(يواش يواش عيني يواش حيسأوهم :هل القصور؟ هل الحواش؟ هل المكائن انترناش؟ كلها من هذا المعاش !! لا لا لا منصدكَهم ! ) وقد نال علي الدلو عسفا كبيرا وصل الى حربه في فنه ورزقه ولكنه رحمه الله كان صبورا ! قارن ياسين الشعبي كيف يحاور وزارة التجارة فكأنه يلامس جراح الفقراء والمعوزين وهو يكز الحروف على الوجبة الغذائية ! واولئك هم اغلبية العراقيين :

يا وزاره التجاره أنباركلكم هالوزاره
الوجبة كمتوا تكطموهه بالأقساط أتوزعوهه
والجشع رهن الإشاره يا وزارة التجاره

ويرى مؤرخه البروف جعفر عبد المهدي الحسناوي رابطة العلة والمعلول بين مرجعيات اشعاره ونشأة الشاعر فخلال سؤال عن هذا الموضوع اجابني البروف جعفر عبد المهدي ( ... وخلال دراسة ياسين الشعبي الابتدائية والمتوسطة في النجف ظهرت علامات نبوغه في هذا الميدان منذ أيام طفولته الأولى من خلال النشاطات الفنية والاحتفالات التي كانت تقام في مدرسته والمدارس الأخرى وكذلك في النوادي والمنتديات والاحتفالات العامة و الخاصة. وعرف عن ياسين الشعبي بأنه ينظم قصائده ويلحنها ويقوم بغنائها بنفسه وذاع صيته وأشتهر بين الناس بهذا الفن الصعب حيث يجمع بين النقد والفن والشعر وقدرته على أداء مختلف الأطوار الخاصة بالمونولوج. ) اذن يهمنا تعبير - وقدرته على أداء مختلف الأطوار الخاصة بالمونولوج- فهذه القدرة ليست اعتيادية فلابد من خبرة عالية بفن المقام والقرار والجواب مع تربية للحنجرة مرهقة ! ولنطل معا على ياسين الشعبي في مونولوج يا اهل النفط يا اهل الغاز ! وقد رتب نقاط ارتكاز النص النقدي لتلتقي البسمة والدمعة في دراما لا تكون الا في العراق البلد القائم على محيطات نفطية فما نال اهله من النفط سوى الحروب والانقلابات والمجاعة وتلوث البيئة والنفوس قارن :

يهلل النفط ياهلل الغاز وين الغاز وين النفط
منين إجاكم إيعاز حق المواطن ينلفط
عالدرب دلونه المن تبيعونه
جنه مكتب صرنه فرع صار الوضع أكثر خرط
يهلل النفط ياهلل الغاز وين الغاز وين النفط
قنينه بخمسه امطعجه ومعفسه
توصل للبيت منفسه تشتعل من أول لمسه
ينترس المطبخ غاز ويه الروايح ينخبط
يااهل النفط يااهل الغاز وين الغاز وين النفط
يالدول الشقيقه يالدول الصديقه قنانيه عتيقه
كامت تعزف موسيقه خاف تسوي حريقه
تشتعل المنطقه وأبو أبوكم ينسمط
ياهلل النفط يااهلل الغاز وين الغاز وين النفط
نفطي تنكته باربعه ومخسفه ومضلعه
ومختاري خوش يوزعه حتى المواطن جزعه
النفط شكد مكروهُ هم كاموا يسرطوهُ سرط
ياهل النفط يااهل الغاز وين الغاز وين النفط
منين اجاكم إيعاز حق المواطن ينلفط

ويمكنني القول ان التفاتات هذا الشاعر الى التفاصيل الصغيرة قربه الى الناس بحيث امتزجوا بشعره والسلطة اية سلطة تخشى الشاعر الناقد الجماهيري وربما ظنت ان هناك حزبا يشجعه على فضح الحكومة او جهة داخلية او خارجية ! فيوصل رسالته للحاكم والمحكوم بطريقة فنية جذابة :

يالسياسيين آنه أبدا مو سياسي
بس أحب أهلي وناسي
وهمه تاج الفوك راسي
أنقد السلبيه طبعي وطبعي للمظلوم أواسي
أحجي ولساني بسيط
لا مقل ولا وسيط
وجيبي فارغ من زمن هيلاسي لاسي
هذا شعبي يعيش محنه
شويه عوفوهه الكراسي
نزلوا للشارع وشوفوا
الوادم شبيهه شتقاسي
ساعدوا شعب أنتخبكم
خففوا عنه ألمآسي
شوفوا جم خريج عاطل
نسه كل عمره الدراسي
حاول أيدورله شغله
ومركبه أعله العوز راسي
وين مجلسنه الوزاري
أوين مجلسنه الرئاسي
أرد أذكره خاف ناسي
أرد أذكره خاف ناسي

والسؤال المؤلم هو هل وجد الشاعر الكبير ياسين الشعبي من يكرمه من يتفقد احتياجاته ؟ من يطبع شعره الذي اصبح وثيقة تاريخية ؟
كيف يهمل المبدع العراقي دون رعاية دون عناية دون تكريم وكل ما ارتكبه هو انه راهن على الجماهير فاضطر الى نقد الثغرات لدى السلطة وكيف تقهر السلطة نفسها فتكرم من يهتكها ويعدد اوجه الخلل لدى الوزارات وبخاصة الخدمية قارنه يقل :

أحجي ويه الدولة بسكوت رايدهه تسمع هالصوت
جم مبدع عدنه محروم يكضي كل عمره مهموم
ما رايد در أو ياقوت بس كرموه كبل ميموت

ويعلق البروف جعفر عبد المهدي على الابيات الثلاثة فيقول ( .. هذا الإيجاز لمسيرة حافلة استمرت لأكثر من 45 سنه ولازالت تقدم العطاء لخدمه البلد والمجتمع لم يحظ شاعرنا لحد الآن بأي تكريم من لدن الدولة والتي ينبغي أن يكون من واجبها رعاية الفنانين والشعراء والموهوبين والمتميزين وهناك أحساس بأن عدم رعاية الدولة لمثل هذه المواهب الفريدة من نوعها في الوقت الحاضر يعود إلى عدم تبلور وعدم تحمل فكره النقد الهادف في عقول الكثيرين ممن هم في المناصب العليا إذ أنهم يعتبرون هذا النقد تجريحا لهم وهذا يدل على القصور في فهم ثقافة للنقد لدينا ) .
وبعد : الشاعر المسرحي المونولوجست وقاريء المنبر الاستاذ ياسين الشعبي ظاهرة ابداعية عراقية قبل ان تكون ظاهرة نجفية ! فهو مجمع مواهب وافكار مع حس تاريخي رهيف كي يوصل حرائق روحه الى الناس والساسة معا فهو وجه بات مألوفا فكثير من الفضائيات تستضيفه بناء على ضغوط مشاهديها ومموليها ! ولم يكفه كل ذلك بل بدأ بعمود صحفي بعنوان ياسينيات والناس ينادونه شيخ ياسين ويتواصلون معه لانه ربط وجوده بوجود الناس فتحية لهذا الشيخ الناقد المتنور الذي لا يخشى في قول الحق لوما .


 


عبد الاله الصائغ
مشيغن المحروسة

بروف جعفر عبد المهدي الحسناوي
جامعة الزاوية الجماهيرية الليبية

التاسع عشر من اوغست 2010
 


 

free web counter