| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أمين يونس

 

 

 

                                                                                    الأثنين 9/1/ 2012

 

إنطباعات
(1)

امين يونس

إسبوعٌ حافل قضيتهُ في كردستان تركيا ، أي في جنوب شرق تركيا ، خلال الأيام الماضية .. صحيحٌ انني كنتُ ذاهب أصلاً لأخذ جرعة من الدواء الذي من المُفتَرَض ان يمنع إنتشار السرطان في الجسم " حصلت على الجرعة الاولى قبل ثلاثة أشهر خلال سفرتي الاولى الى ديار بكر ، وهي عبارة عن إبرة صغيرة محفوظة في وعاءٍ مُجّمَد .. وهي كما الأشياء الأخرى الضرورية ، غير متوفرة عندنا في اقليم كردستان " . إلا انني ومن خلال صديقي الذي رافقته ، والذي له علاقات قديمة واسعة ، مع السياسيين والمثقفين ، من مُختلف الإتجاهات ، في تلك المناطق ... إستمتعتُ باللقاءات والنقاشات وتبادل الأفكار والإكتشافات .. والتي سأحاول ان اُلخِصها أدناه مع ملاحظات عامة اُخرى :
- لن أستطيع الإبتعاد عن ( المُقارنة ) ، فما ان تخرج من " سلوبي " المدينة الحدودية الصغيرة ، وتسير بإتجاه قضاء " الجزيرة " ، ستجد الغالبية العُظمى من الأراضي على جانبَي الطريق ، محروثة ومزروعة بالقمح والشعير .. وكذلك من الجزيرة الى " نصيبين " ، فعلى إمتداد البصر ، ترى الأراضي السهلة الشاسعة مزروعة ، ويبدو انهم لا يكتفون بالأمطار غير المنتظمة ، بل ان هنالك مرشات متوزعة على مسافات متساوية ، كذلك رأينا الكثير من أماكن الزراعة المُغطاة ، وحقول الدواجن والمواشي .. الأمر ينطبق على الكثير من الأراضي على جانبَي الطريق الممتد من نصيبين الى ديار بكر ، أو من " ميديات " الى ديار بكر .. عموماً ان المسافة الممتدة من سلوبي الى ديار بكر والتي تتجاوز ال 250 كيلومتر ، جعلَتْني أغبط أهالي تلك المناطق ، الذين يعملون بِجِد في أراضيهم ويزرعون كُل شئ .. ناهيك عن المصانع والورش الصغيرة والمتوسطة .. فإذا علمنا ، ان المناطق الكردية هذه في جنوب شرق تركيا ، هي الأقل تطوراً وان الحكومات التركية ولا سيما في العقود الماضية ، كانتْ تتعمد إهمالها وتركها عرضة للتخلف .. نكتشف ، السبب في النمو السريع والمتصاعد للإقتصاد التركي على مُختلف الأصعدة .. فكُلما تتوغل أكثر في تركيا غرباً وشمالاً ، تجد الصناعة والزراعة والسياحة أكثر تقدماً ...
ما يحز في النفس ، هو ان ، حتى المناطق الكردية في كردستان تركيا .. أكثر تطوراً بمراحل ، من اقليم كردستان العراق .. وان البطالة نادرة هناك ، وعندهم إكتفاء ذاتي في معظم المحاصيل الزراعية ، ويستغلون أراضيهم ومياههم بصورةٍ جيدة ، وان الحكومة تدعم الفلاحين وتشجعهم . في حين عندنا القطاع الزراعي في تدهورٍ منقطع النظير ، وإعتمادنا شبه كلي على الإستيراد من دول الجوار .. وفي الواقع نفتقر كُليةً الى " الأمن الغذائي " من ناحية ، ومن ناحيةٍ اُخرى ، تعودنا على البطالة والبطر ، نتيجة السياسات الخاطئة للإدارة في الأقليم .

- كعادتي ، كنتُ أنهضُ مٌبكراً وأتمشى قليلاً في شوارع ديار بكر .. وأرى عُمال التنظيف يكنسون الأرصفة وأطراف الشوارع .. تحدثت مع بعضهم وسألتهم عدة أسئلة ، عن عملهم وأجورهم ومِنْ أين هُم ؟ لا يوجد في المدينة التي نفوسها يربو على المليون نسمة ، " والتي تُعادل مرتين ونصف نفوس مدينة مثل دهوك " .. لا يوجد فيها عامل تنظيف واحد أجنبي .. فالجميع من أهالي المدينة واطرافها ، سواء العائدين الى البلدية او العاملين في شركات التنظيف الخاصة .

- من اللافت انه لم يكن هنالك " إزدحام " في مركز المدينة التجاري والسياحي والطبي .. حيث ان حركة السيارات فيها إنسيابية الى حدٍ كبير ، حتى في ساعات الذروة .. علماً انك نادراً ما تجد سيارة فخمة او حديثة .. وفي حين ان مركز مدينة دهوك على سبيل المثال ، يُعاني من إختناقات مرورية في أغلب الفترات ، وان عدد السيارات فيها يتجاوز عشرات الآلاف ، أكاد اُجزم ان مدينة ديار بكر ذات المليون نسمة ، ليسَ فيها نصف عدد سيارات دهوك !. فإذا أضفنا الى ذلك ، نسبة المساحات الخضراء والحدائق والأشجار المنتشرة في ديار بكر ، نجد بسهولة ، ان هواءها أنظف من دهوك .

- في المستشفى الأهلي المتكون من ثمانية طوابق ، الذي كنتُ اٌراجعه .. كان المرضى يتوافدون في كُل الأوقات وبزخمٍ كبير ، وحيث ان أجور الفحص والتحاليل والسونرات .. لم تكن زهيدة .. فلقد إستغربتُ من الرواج الكبير وعدد المراجعين ، وكيف يستطيعون تحَمُل النفقات ؟ وعند سؤالي عن ذلك ، إكتشفتُ بأن أمثالي من " الأجانب " هُم فقط الذين يدفعون مثل هذه المبالغ ، بينما المواطنون يحملون بطاقات " تأمين صحي " ، وتقوم الدولة بدفع أكثر من نصف التكاليف !. حقاً انه نظامٌ ينصف المواطنين ويخفف الضغط عن المستشفيات الحكومية ... في حين ان نظامنا الحالي في الأقليم ، والذي هو" شكلاً " ، يُوفر الرعاية الصحية والطبية ، إلا انه في الحقيقة ، لا يُقدم سوى خدمات غير متكاملة لجزء بسيط من المجتمع ليسَ إلا .. بحيث تضطر الى اللجوء الى العيادات الخاصة والصيدليات الأهلية ، وحتى الى دول الجوار .

- مدينة ديار بكر ، ليست مثل اسطنبول او انقرة ، لكنها أكثر تقدماً من سلوبي او الجزيرة او نصيبين ، من الناحية الإجتماعية .. وللنساء فيها دورٌ متميز في كافة مجالات الحياة ، فهي تعمل في المستشفيات والمكاتب والشركات والمحلات التجارية والفنادق .. بل وتكون في مقدمة المظاهرات والإحتجاجات الشعبية أيضاً ..

من الطبيعي ، تماماً ، ان تجد في ديار بكر ، فتاة وشاب في المقهى او الساحات او حتى في المشارب ، يتجاذبان اطراف حديثٍ حميم ، او يُدخنان .. ولا أحد يلتفت اليهما " عدانا نحن القادمين من الأقليم ! " ، حيث يثيرون فضولنا وتساؤلاتنا وريبتنا ! .

في الجزء القادم ، سأحاول ان أغوص في العمق أكثر.

 

7/1/2012
 

 

free web counter