|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 28/7/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

راتبٌ تقاعُدي

امين يونس

" أحد أصدقائي إتصلَ بي قبلَ شهر .. ولأنه يعرف بأنني لستُ مُتقاعداً ولا أستلم راتباً من أي نوع ولا من أية جهة .. ولأنه يمتلك بعض النفوذ .. فلقد طلبَ مني ، أن اُجّهِز هوية الاحوال المدنية والجنسية العراقية وصور شخصية .. لأنه رّتبَ لي " تقاعُد بيشمركة " برتبةٍ عسكرية جيدة ! .. ولقد شكرتهُ على موقفه النبيل .. لكنني إعتذرت عن قبول عرضه الكريم .. فإستغرب من ذلك وسألني عن السبب ؟ فقلتُ له : كما تعرف .. فأنني لم ألتحق بالحركة المسلحة ولم أصبح بيشمركة ولو ليومٍ واحد . فقال : ألم تترك الوظيفة في 1979 هرباً من ملاحقة البعث والأمن ؟ قلتُ : نعم .. ولكني بقيت في الداخل وعملت في محافظةٍ اخرى بعيدة .. الى ان اُستدعيت الى الخدمة العسكرية خلال الحرب مع ايران وكنتُ في الداخل لغاية إنتفاضة آذار 91 . حاولَ الرجل ان يقنعني قائلاً ، ان " الجميع " يفعلون ذلك ! .. لكنني شكرته مرةً ثانية على إهتمامهِ .. ورفضت " .

شريكة حياتي وأولادي .. عندما علموا للوهلة الاولى .. بأنني لم أقبل عَرض صديقي .. إستغربوا في البداية " لمعرفتهم بِحاجتي الماسة الى مثل هذا الراتب ".. وأوردوا عشرات الأمثلة من المحيطين بنا الذين لم يلتحقوا بالثورة ولم يكونوا بيشمركة ، بل ان بعضهم كانوا بعثيين متحمسين وجحوشا .. واليوم يحملون رُتباً عسكرية عالية .. او اُحيلوا على التقاعُد برواتب كبيرة ، من خلال مناصب ورُتبٍ وهمية لا أساسَ لها ! . فقلتُ لهم : هل انتمْ مُقتنعونَ حقاً ، بأن الذين يفعلون ذلك .. هُم على حَق ؟ أجابوا : كلا .. ولكن ذلك اصبح شيئاً عادياً في مجتمعنا !.  ألا تعتبرون ذلك نوعا من الفساد والتحايُل ؟ قالوا : بلى . فسألتهُم : هل تقبلون أن أكون جزءاً من آلة الفساد هذه ؟ قالوا : كلا على الإطلاق ! .

كتبتُ عشرات المقالات في السنين الأخيرة ، أنتقدُ فيها هذه الظواهر السلبية الخطيرة والتحايل على القوانين ، والمناصب الوهمية والتقاعدات الزائفة وإستلام أكثر من راتب والحصول على عدة قطع أراضي وإمتيازات غير مُستحقة ... الخ . حاولتُ أن أُعّري هذه الممارسات الخاطئة التي تشترك فيها ، السُلطة والمجتمع .. السُلطة بتقنينها للفساد وتشجيعها لهذه الممارسات من أجل غايات ضيقة .. والمجتمع ، من خلال تكالب الكثيرين للحصول على مكاسب وإمتيازات ورواتب ، بِكُل الطرق ..حتى لو كانت مُخالفة للقانون والمنطق .. حتى لوكانتْ بعيدة عن المبادئ والنزاهة والإستقامة .

فكيفَ تريدني يا صديقي .. أن اُضّحي بالقليلِ من المبادئ التي أدّعي ، بأنني مازُلتُ أمتلكها .. في سبيلِ راتبٍ تقاعُدي .. أشعرُ في قرارة نفسي ، بأنني لا أستحِقهُ ؟

 

26/7/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter