| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أمين يونس

 

 

 

                                                                                    الخميس 26/1/ 2012

 

ضرورة الهَدم .. وضرورة البِناء

امين يونس

" قرية ( تلكَبَرى ) الكائنة في أطراف مدينة زاخو ، لا تعترف بالهندسة او التخطيط ، فترى بيتاً مَبنياً هُنا ، يُجاوره آخر ، ليسَ بموازاتهِ تماماً ، بل يتجاوزه بمتر مثلاً ، وهكذا ... بحيث انه ، لا توجد " شوارع " بالمعنى الشائع لهذهِ الكلمة ، أي بأبعاد منتظمة ! ... ومن الصعب حقاً ، ان تُحّدِد " واجهة " الدار ، فالإتجاهات متداخلة ، في لوحةٍ سيريالية عجيبة ! ". وإذا أردتَ ان تُصلِح الوضع في هذه القرية ، فلا أعتقد ، ان العلاجات الوقتية ، او الترقيعات او الترميمات .. تنفع ، بل الأمر بحاجة الى قرارات جريئة ، ورُبما إزالة العديد من مظاهر الفوضى ، وإعادة البناء من جديد، وِفقَ اُسسٍ صحيحة ، وإعتماداً على قواعد علمية  .

نظام الحُكم القائم في أقليم كردستان ، منذ عشرين سنة ، يشبه في الكثير من جوانبهِ ، فوضى البناء في القرية أعلاه .. فلقد قامَ أصلاً على اُسسِ تعوزها العدالة والإنصاف ، وتفتقر الى التخطيط السليم ... رُبما في البداية ، بسبب الظروف الشاذة الناتجة عن الهجرة المليونية التي أعقبتْ إنتفاضة 1991، وعدم إمتلاك التجربة والخبرة المطلوبة ، لاسيما بعد سحب حكومة بغداد لإدارتها ... وفرض الحماية الدولية على الأقليم .. من الممكن ، إيجاد أعذار مقبولة ، لنواقص وسلبيات إدارة الحُكم في الأقليم ، للسنوات الاولى ، بسبب الحصار المزدوج المفروض ، ومُحاربة الدول المحيطة للأقليم ، بشتى الوسائل وسعيها لإفشال التجربة في مهدها ... لكن الإستقرار " النسبي " في الأقليم منذ نهاية التسعينيات ، قطع الطريق ، على الحجج والاعذار ، التي كان حِزبَي السلطة ، يتعكزان عليها .. بل ان " الإتفاق الإستراتيجي " الذي وضعَ حداً للصراع الدموي بينهما " وهذه الحسنة الوحيدة " ، فأنه قّننَ إحتكار السلطة بينهما ، ونّظَمَ توزيع الموارد والثروة ، ورّتبَ سُبُل السيطرة على مفاتيح التجارة والإقتصاد ... النتيجة التي تولدتْ خلال العقد الماضي في الأقليم ، كانتْ تتمثل في : تكريس الفساد بجميع أنواعه ، الإستغلال المفرط للسلطة في سبيل مصالح حزبية وعشائرية وفردية ، عدم التوحيد الفعلي للإدارتَين في مفاصل مُهمة مثل الأسايش والبيشمركة وبعض دوائر المالية ، سيطرة الحزبَين على القوى الأمنية وكأنها عائدة لهما وليسَ للدولة ، البون الشاسع بين فئات المجتمع .. فبرزتْ جماعات طفيلية مُرتبطة بمصالح الطبقة العليا الحاكمة .. تحوز على إمتيازات غير معقولة وعلى أموال طائلة .. في نفس الوقت .. الذي تعاني فيها طبقات واسعة من الشعب .. من شظف العيش وتردي الخدمات الأساسية ، ناهيك عن عجز الإدارة ، في حل المشاكل مع الحكومة الإتحادية طيلة السنوات الماضية ، وفشلها في بناء إقتصاد متين في الأقليم ، يعتمد على تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة ... كذلك ان التعتيم وعدم توَفُر الشفافية في معظم مفاصل القضايا المالية ، كّرس الشكوك حول مصير الميزانيات الكبيرة المخصصة للأقليم والموارد المحلية الإضافية .

ان التراكُم الكمي للفساد ، لسنواتٍ طويلة ، أدى الى تراكُمٍ نوعي .. بحيث اننا اليوم " نتعايش " مع آليات الفساد ، بصورةٍ طبيعية ، وكأنها أمرٌ محتوم ومقبول .. وهنا تكمن الخطورة .

نظام الحُكم عندنا ، بحاجة الى إعادة بناء من الاساس .. تفعيل البرلمان بات من الضروريات ، من اجل القيام بدورهِ التشريعي والرقابي ... فرض القانون على الجميع بدون إستثناءات أصبحَ من الأشياء المُلِحة والمطلوبة ... التنمية البشرية المُستدامة يجب ان تكون من الاولويات ...

نحنُ في الحقيقة ، بحاجة الى هدم القديم ، ومن الضروري ان تكون عملية الهدم ، مدروسة بعناية ، ومحسوبة بدِقة ، وتدريجية ومُتَفَق عليها من كافة الاطراف ، يسبقها تَصّورٌ واضح لكيفية البناء الجديد وآلياته والقواعد التي سوف يعتمد عليها .

نامل ان يستطيع السيد " نيجيرفان البارزاني " ، خلال المرحلة القادمة ، إعادة بناء قرية تلكبري ، وِفق اُسُسٍ صحيحة !.

 

25/1/2012
 

 

 

free web counter