| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 25/6/ 2012 أمين يونس كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
العِناد
امين يونس
أحد أصدقائي من مدينةٍ إشتهرَ أهلها ب " العناد " .. وهنالك الكثير من القصص والأمثلة على عنادهم ! .. ومن الطبيعي ، ان هذه القصص فيها بعض المُبالغة ورُبما اُضيفتْ اليها الرتوش والبهارات على مَر الزمن .. لكي تسترعي الإنتباه وتؤثر في المٌتلقي أكثر .. علماً ان العديد من هذه القصص ، غايتها التندُر والفكاهة على الأغلب .
وكانَ باحثون ألمان ، قد أعلنوا قبلَ فترة .. عن إكتشاف " الجينات " المسؤولة عن العناد ! .. حيث قال علماء في معهد " ماكس بلانك " لعلوم المعرفة البشرية والمُخ ، في لايبتزيك .. ان الذين يتعرضون لمثل هذه الطفرة الجينية ، هُم الذين يكونون عنيدين . وتحدث الأستاذان .. " تيلمان كلاين " و " ماركوس اولسبرجر " .. عن الجانب الإيجابي في هذه الصفة .. أي العناد .. حيث قالا : .. لولا هذه الفئة ، التي ترفض الفشل وتواصِل العمل الدؤوب .. في الوقت الذي يقبل غيرهم بالهزيمة ولا يقومون بإعادة المحاولة .. لولا هؤلاء ( العنيدين ) .. لِما كان هنالك إختراعات ولا تَقدم علمي وتكنولوجي !.
ولكن في الجوانب الإجتماعية والسياسية .. فأن صفة العناد ، لها نتائج سلبية ، وتكون كارثية أحياناً .. فإذا كان صديقي أعلاه .. " يُعاند " بين الحين والآخر حين نلعب الورق ، ويرفض الإعتراف أنه اخطأ .. فأن تبعات هذا العناد محدودة ، ولا تتعدى محيطنا الضيق ويرافقه الضحك والتندُر ونتهمه بأنه رُبما تعّرض لطفرة جينية ! ..
غير ان المُصيبة .. هي ان يكون القائد او الزعيم السياسي ، ولا سيما الذي يكون في السُلطة .. " مُعانداً " ولا يعترف بخطأهِ ويستنكف ان يقول انه تَسّرَع في التصريح الفلاني او نَدَمَ على الموقف العلاني ! .. فأن نتائج هذا العِناد .. تتخطى الحدود الضيقة .. وتَصِل سلبياته الى المحيط الواسع ، لتشمل المجتمع كله والبلاد بأسرِها ! . فَكَم من " مسؤولٍ " رفيع عندنا .. أثبتَ انه " غير مسؤول " .. من خلال تهّوره في الكلام وتسّرعه في التصريح ، ولإستجابته السريعة للإستفزازات .. وكًمٍ من زعيمٍ عندنا .. لايقبل مُطلقاً ان يعترف ببساطة انه أخطأَ ؟ ولا يرضى ان يُقال عنه انه إعتذرَ او تنازلَ عن موقفه ؟ .. ان إحدى نقاط الضعف الملموسة في المشهد السياسي العراقي .. هي " عناد " القادة السياسيين ! .. وذلك دلالة على عدم نضجهم ، وانهم غير جديرين لقيادة هذه المرحلة الحساسة من تأريخنا المعاصر .
العلماء الألمان ، ركزوا على الجوانب المضيئة من صفة " العناد " ولا سيما في مجال العلوم والإكتشافات والإختراعات .. وعدم إعتراف العنيد ، بالهزيمة ، وإصراره على المُثابرة والمواصلة .. حقاً .. كيف كان سيكون حالنا ، لو ان " نيوتن " أو " أينشتاين " .. رضخا لحقيقة انهما فشلا عشرات المرات ، بل رُبما مئات المرات في التجارب التي كانا يجريانها ؟! .. من حُسن حظ البشرية .. انهما كانا [ عنيدَين ] بإمتياز وتعّرضا الى طفرة جينية !.
ومن سوء حظنا نحن العراقيين .. ان قادتنا إجمالاً .. عنيدين .. بِصفاقة ، في مواقفهم السياسية السخيفة .. وإصرارهم على امور هامشية .. وتعنتهم في بحثهم عن مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية فقط .. وعدم إعترافهم بأخطائهم وتصريحاتهم النارية .. وكما يبدو فأنهم ، تعرضوا أيضاً الى طفراتِ جينية ، ولكن ليسَ مثل نيوتن وإينشتاين .. بل من الخَلف !! .
23/6/2012