| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أمين يونس

 

 

 

                                                                                    الجمعة 24/2/ 2012

 

التُفاح المُحتَضِر في دهوك

امين يونس

في تحقيقٍ أشرَفَ على إنجازهِ قبلَ فترة ، الأساتذة " زهير الجزائري " و " محمد الربيعي " وبالتعاون مع " شبكة أريج " والدوائر ذات العلاقة ولفيف من المُختصين ، حولَ واقع زراعة ( التفاح ) في محافظة دهوك خصوصاً ، ظهرَتْ بعض الحقائق التالية :
- هنالك مليون ونصف المليون شجرة تفاح في المُحافظة ، أغلبها في منطقة برواري بالا .
- كمية المحصول السنوي ، تبلغ تقريباً ( 120 ) ألف طن .
- ما يَتُم تسويقه وبيعه ، حوالي ( 40 ) ألف طن ، والباقي أي ( 80 ) ألف طن ، فيُترَك ليتعفن في المزارع !!.
- نسبة الإستثمارات الزراعية في الأقليم ، لا تتجاوز ( 1% ) ، في حين يستورد الأقليم ( 95% ) من المحاصيل الزراعية !.
- أسباب هذا الواقع المأساوي ، هي : الفشل الذريع في التسويق ، سوء التخطيط الزراعي ، غياب سياسة إستراتيجية وطنية واضحة ، عدم صرف الميزانية المُخصَصة للقطاع الزراعي في الوجهات الصحيحة ، غياب الدعم الحكومي الحقيقي للفلاح ، إنعدام الحماية للمنتوج المحلي وبالتالي عدم تَمَكُن المُزارِع المحلي من منافسة أسعار المنتوجات المستوردة من الدول المجاورة .
....................................
عشرات مزارِع التفاح في أرجاء مُحافظة دهوك ، تُتْلَف كُل شهر ، ويُجبَر أصحابها ، على قطع هذه الأشجار المُثمِرة الرائعة .. وزرع الخوخ او الكَرز مكانها .. لأن التفاح لا يُباع ولا احد يشتريه .. تصّوروا ، تُفاح برواري بالا الشهير ، ليسَ على مُستوى المُحافظة فقط ، بل على مستوى العراق كله ، والمنطقة أيضاً .. هذا التفاح ، الذي كانَ يُباعُ حتى قبلَ ان ينضج وهو على الأشجار ، حيث كان التُجار القادمون من البصرة وبغداد والموصل ، يتنافسون على حجز كميات منه في وقتٍ مُبّكِر ، لجودة أنواعه ولّذة طعمهِ وجمال شكلهِ ... هذا التفاح باتَ مُهاناً اليوم ، غير مرغوب فيهِ .. تَذبَلُ أشجاره ، ويتعفن المحصول ويُرمى في المزابل ، او يُقّدَم علفاً للحيوانات ! .

كدليلٍ ساطع على إنحسار مزارع التفاح في دهوك ، فأن دائرة البستنة ، كانتْ تُوّزِع سنوياً مئة ألف شتلة تفاح على المُزارعين ، منذ 2003 ولغاية 2006 ، لكن الطلَب إنخفضَ تدريجياً ، الى درجة ان الدائرة توقفتْ تماماً عن توزيع شتلات التفاح منذ 2010 .. لأنه ببساطة ، لا أحد يشتري شتلة واحدة !... بل بالعكس ، فحتى القِلة التي ما زالتْ تُمارس مهنة الزراعة ، وحتى الذين لهم خبرة طويلة في زراعة التفاح منذ عشرات السنين .. فانهم إتجهوا ، الى زراعة الكرز والزيتون مثلاً ..

ان المُختصين ، يؤكدون ، ان منطقة برواري بالا بالذات ، تُناسِب زراعة التفاح بأجود انواعه ، بسبب ملائمة المناخ وتساقط الثلوج .. وتراكم الخبرة في هذا المجال التي تمتد الى أكثر من ستين سنة ..

بعض الملاحظات العامة :
- الحكومة كانتْ قد خصصتْ 11% من ميزانية الاقليم في 2010 ، للقطاع الزراعي ، أي أكثر من مليار دولار أمريكي .. إلا انها لم تصرف في الواقع العملي ، سوى نسبة بسيطة من هذا المبلغ .. وحتى الذي صرفتْه ، لم يكن في المجالات الضرورية والمُلِحة .. ينبغي تفعيل الشفافية الكاملة ، وبيان أسباب الفشل الذريع في صرف هذه الميزانية على تطوير القطاع الزراعي ، وأين ذهبتْ هذه المبالغ ، ولماذا حُوِلَتْ الى مجالات اُخرى ، رُبما تكون غير ذات اهمية حقيقية ؟! . وحتى [ خطة التنمية الزراعية ] للأعوام 2009 – 2013 ، التي خُصصتْ لها عشرة مليارات دولار .. فأن المُنفَذ منها لغاية الآن ، أي بعد مرور أكثر من 60% من هذه الخمس سنوات .. لايتجاوز ال 20% .. علماً ان هذه النسبة ، هي التي تقول الجهات الحكومية إنها مُنفذة ، بينما ، لايبدو شئ من ذلك واضحاً على الأرض ! .. إذ لو ان 20% من الخطة قد تَحّققَ فعلاً ، فان ذلك يعني ، ان مليارَي دولار قد صُرفت من العشرة مليارات .. فأين هي البُنية التحتية وأين هي المشاريع ، التي تحققتْ فعلياً ؟

- تتعامل الدوائر المعنية ، مع المسألة البالغة الاهمية ، أي [[ التسويق ]] ، بِخِفة وعدم جِدية .. فبدلاً من عقد حلقات نقاش على مستوى عالٍ من المهنية والمسؤولية ، من اجل إيجاد حلول حقيقية ، لتسويق هذا المنتج المُهم بطريقةس علمية تواكب التقدم الحاصل في هذا المجال ،أقليمياً ودولياً .. فأنها لجأتْ الى " أسهل " الأساليب ، وإدعتْ انها حلول لمشكلة التسويق .. إذ خصصتْ "15" مليون دولار ، من اجل دعم المزارعين .. عن طريق دفع ( 50 ) دينار عراقي ، عن كُل كيلوغرام من التفاح مثلاً ، لِنقل المنتوج الى مراكز المدن .. من الناحية العملية ، لم يستفِد المُزارع عموماً من هذا الإجراء ، بل ان التُجار الذين ينقلون المنتوج هم الذين ربحوا في الواقع .

- ان إنعدام سياسة إقتصادية طويلة الأمد في أقليم كردستان ، وبالطبع من ضمن ذلك ، إنعدام إستراتيجية زراعية .. هو السبب الرئيسي في التأخُر المضطرد في هذا المجال .. ونزوع الحكومة الى التوسع في التوظيف وإشاعة البطالة المُقنعة ... فقط من اجل كسب التأييد السياسي للأحزاب الحاكمة .. والإهتمام بالمشاريع المَظهَرية ، من قبيل المولات والأبراج والاسواق وكُل ما هو إستهلاكي .. ونبذ ( المشاريع الزراعية طويلة الامد ) ، والتي لا تظهَر نتائها إلا بعد سنواتٍ طويلة ... هو من أبرز ملامح الخطأ في ترتيب الأولويات . إذ ان المليارات المخصصة للسنوات الخمسة لغاية 2013 ، كانتْ كافية لبناء أساسٍ متين لقطاعٍ زراعي مُزدهر في الاقليم .. لو اُستُغِلتْ بطريقة علمية مدروسة ، ونُفِذتْ مشاريع مُجدِية .

- من المُفارقات المضحكة المُبكية .. ان هنالك مَنْ يقول ، ان الأبقار في محافظة دهوك ، في السنوات الاخيرة ، تَدُرُ أحسن أنواع الحليب وأكثرها صحة وطعما لذيذاً .. لأنها أي الأبقار ، لاتعتمد على الأعلاف التقليدية ، بل انها تأكل التفاح بكثرة !!.

 

22/2/2012
 

 

 

free web counter